الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                            مواهب الجليل في شرح مختصر خليل

                                                                                                                            الحطاب - محمد بن محمد بن عبد الرحمن الرعينى

                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( تنبيهان الأول : ) لا يلزم المحرم القارن أن يستحضر عند إتيانه بالأفعال المذكورة أنها لإحرامه بالحج والعمرة بل إذا نوى طواف القدوم الواجب عليه أجزاه ، وكذلك السعي والوقوف وغيرهما بل لو لم يستشعر العمرة أجزاه ، كما سيأتي فيمن طاف لعمرته على غير وضوء ثم أحرم بالحج أنه يصير قارنا قال ابن عبد السلام : وإن كان في ظنه أنه متمتع بل قال سند في شرح مسألة كتاب الحج الأول المتقدمة في القارن إذا طاف وسعى قبل أشهر الحج أنه لو اعتقد أنه في العمرة فقط لوقوع فعله قبل أشهر الحج ثم إنه يجزئه وإنه لا يؤثر اعتقاده ذلك نعم إن تحلل بعد طوافه وسعيه لزمته الفدية لما فعله من التحلل ، وإن جامع لزمه القضاء قارنا انتهى بالمعنى ، وما ذكره من الإجزاء ظاهر إذا رجع إلى بلده ، أما إن ذكر ، وهو بمكة فيؤمر بالإعادة ، كما سيأتي في الكلام على طواف القدوم ، فإن ذكر قبل الوقوف أعاد الطواف والسعي بنية طواف القدوم والسعي الواجبين عليه في إحرامه بالحج والعمرة ، وإن ذكر بعد الوقوف وقبل طواف الإفاضة أعاد السعي إثر طواف الإفاضة ، وإن ذكره بعد طواف الإفاضة أعاد طواف الإفاضة والسعي بعده ، وإن دخل شهر المحرم أعادهما ، ويستحب له أن يهدي ، كما سيأتي فيمن ترك ركعتي [ ص: 53 ] الطواف ، والله سبحانه أعلم .

                                                                                                                            ويستفاد من كلام صاحب الطراز أن من طاف طواف الإفاضة على غير وضوء أو بطل طوافه بوجه من الوجوه وسعى بعده ثم أحرم بعمرة وطاف لها وسعى لها بوضوء أن طوافه للعمرة وسعيه يجزئه عن طواف حجه وسعيه ويحمل ذلك على ما إذا رجع إلي بلده ، أما إن ذكر ذلك بمكة فيعيد ، كما تقدم ، وهو ظاهر ، ولا سيما ، وقد قالوا : إنه إذا تطوع بعد الإفاضة بطواف أنه يجزئه فتأمله ( الثاني : ) قال صاحب الطراز في القارن - إذا دخل مكة قبل أشهر الحج - إنه يكره له تقديم السعي بل يؤخر سعيه لإفاضته ، وما قاله غير ظاهر بل ظاهر المدونة : أنه يطوف ويسعى قبل الوقوف نعم يمكن أن يقال : يؤخر طواف القدوم والسعي حتى تدخل أشهر الحج ثم يطوف ويسعى فيوقع أفعال الحج في أشهره ، ولا يلزمه بالتأخير شيء ; لأنه إنما يجب الدم إذا أخرها حتى وقف بعرفة نعم تفوته فضيلة التعجيل فقد يقال : إن ذلك مغتفر لإيقاع أفعال الحج في أشهره ، والذي يظهر من كلامهم : عدم التأخير فتأمله ، والله أعلم .

                                                                                                                            ص ( وكره قبل الركوع )

                                                                                                                            ش : أي : وكره الإرداف قبل الركوع قال في المدونة في كتاب الحج الأول : فإذا طاف بالبيت ، ولم يركع كره له أن يردف الحج ، فإن فعل لزمه وصار قارنا ، وعليه دم القران انتهى .

                                                                                                                            وقد تقدم بيان ذلك ، والله أعلم .

                                                                                                                            ص ( لا بعده )

                                                                                                                            ش : هذا معطوف على قوله : أو يردفه بطوافها ، والضمير للركوع أي : فلا يردف الحج على العمرة بعد الركوع ، ولا يصح الإرداف حينئذ ، ولا يكون قارنا ، وكذلك الإرداف في السعي لا يصح ويكره له فعل ذلك في الصورتين ، كما صرح به في المدونة ، ونصه : وإن أردف الحج بعد أن طاف وركع ، ولم يسع أو سعى بعض السعي ، وهو من أهل مكة أو غيرها كره مالك ذلك ، فإن فعل فليمض على سعيه فيحل ثم يستأنف الحج انتهى .

                                                                                                                            فالنفي راجع إلي الإرداف فهو مخرج ، ومن قوله : أو يردفه بطوافها إن صحت ، وليس هو مخرجا من قوله : وكره قبل الركوع ; لأن الكراهة باقية بعد الركوع ، وكذلك في السعي ، ونبه على ذلك ابن غازي والبساطي ، والله أعلم .

                                                                                                                            ( تنبيه ) : وإذا قلنا بأنه لا يصح الإرداف بعد الركوع وقبل السعي أو في أثنائه فلا يلزم قضاء الإحرام الذي أردفه على المشهور ، كما صرح به ابن يونس وغيره ، ونقله في التوضيح ، قال ابن يونس إثر قول المدونة المتقدم ثم يستأنف الحج : قال يحيى بن عمر إن شاء انتهى .

                                                                                                                            واقتصر على هذا القول ، ولم يحك غيره ، وكذلك ابن الحاجب إذ قال : فإن شرع في الطواف قبل أن يركع كره ، وكان قارنا بذلك خلافا لأشهب ، وقيل : ولو ركع ، وقيل : وفي السعي ، وعلى الصحة يكون كمحرم بالحج من مكة فيركع إن كمل الطواف ، ولا يسعى ، وعلى نفيها فكالعدم انتهى .

                                                                                                                            قال في التوضيح : أي : وإذا فرعنا على نفي صحة الإرداف فيكون إحرامه الثاني كالعدم فلا يلزم قضاؤه ، ولا دم عليه اللخمي وحكى عبد الوهاب في هذا الأصل أعني إذا لم يصح إرداف الحج على العمرة قولين بوجوب القضاء وسقوطه انتهى .

                                                                                                                            ونحوه في ابن عبد السلام وزاد وأجرى ابن بشير وجوب القضاء هنا على الخلاف في وجوب قضاء صوم النذر الذي لا يجوز الوفاء به ، وهو صحيح لوجود الخلاف هناك ، وقال في الذخيرة : ، وإذا قلنا يصير قارنا في بعض الطواف لسقط عنه باقي العمرة ، ويتم طوافه نافلة ، ولا يسعى ; لأن سعي الحج لا بد من اتصاله بطواف واجب ، وإن قلنا : يصير قارنا في أثناء السعي قطع سعيه ; لأن السعي لا يتطوع به مفردا ، وحيث قلنا : لا يكون قارنا ، فإن كان الحج حج الإسلام بقي في ذمته أو تطوعا سقط عنه عند أشهب ، كما لو أردف حجا على حج أو عمرة على عمرة على حج قيل : يلزمه الإحرام به ; لأنه التزم شيئين في إحرامه الحج وتداخل العمل بطل الثاني فيبقى الأول عملا بالاستصحاب انتهى .

                                                                                                                            وهو مختصر من كلام صاحب الطراز ، فإنه قال بعد أن ذكر الأحوال المتقدمة قال : وإذا قلنا : لا يصح إردافه الحج في الأحوال [ ص: 54 ] المتقدمة ، فإنه يبقى على عمرته ، فإن كان الحج حج الإسلام فهو في ذمته ، وإن كان تطوعا ، فهل يجب عليه الإحرام به أو لا اختلف فيه قال أشهب وغيره في الموازية : لا يلزمه إلا أن يشاء ، وذكر القاضي في معونته قولين : أحدهما : أنه لا يلزمه ، والآخر : أنه يلزمه ثم ذكر احتجاج كل قول بما يطول قلنا : وقوله : وإذا قلنا : لا يصح إردافه في الأحوال المتقدمة يعني إذا أردف بعد شروعه في الطواف على قول أشهب القائل بعدم صحة الإرداف حينئذ أو بعد إكمال الطواف وقبل الركوع على مقابل المشهور القائل بعدم الصحة أيضا أو بعد الطواف والركوع على المشهور ، والله أعلم .

                                                                                                                            ، وقال ابن بشير في التنبيه : وإذا قلنا : إن الحج لا يرتدف في هذه الصور ، فهل يلزم قضاؤه ؟ قولان : المشهور : عدم اللزوم ، وقد قدمنا الخلاف فيمن نذر صوم ما لا يحل صومه ، هل يلزمه قضاءه أم لا ، وهذا من ذلك النظم ; لأنه إنما التزمه بشرط الصحة فمن نظر إلي نفس الالتزام أوجب القضاء ، ومن التفت إلى الشرط أسقطه انتهى .

                                                                                                                            ، ونقل القولين في التنبيهات ، وقال : وأكثرهم على القضاء ا هـ ، ونقله عنه أبو الحسن ونص كلام التنبيهات ، وإذا لم يكن قارنا ، هل يلزمه إحرامه الذي أحرم به بالحج أم ذلك إذا أردف الحج في طوافه وسعيه على القول بأنه لا يرتدف حينئذ ، ولا يكون قارنا فقيل : إنه يلزمه ذلك الحج ، وهو ظاهر قوله في الكتاب ، ويستأنف الحج ، وإلى هذا ذهب أكثرهم ، وذهب يحيى بن عمر إلى أن ذلك لا يجب عليه ، وأن معنى قوله : يستأنف الحج أي : إن شاء انتهى .

                                                                                                                            ، وعلى قول يحيى اقتصر عبد الحق في تهذيبه ونصه ، أما إن أردف الحج بعد طوافه لعمرته وركوعه وبعد أن سعى بعض السعي أو لم يعمل من السعي شيئا فهذا يمضي على سعيه ويحل من عمرته ، ولا يلزمه الحج إلا أن يشاء أن يبتدئه ، كما قال يحيى بن عمر انتهى .

                                                                                                                            ، والله أعلم .

                                                                                                                            وتقدم في شرح قول المصنف أو يردفه بطوافها مناقشته في التوضيح لقول ابن الحاجب ، فإن شرع في الطواف بعد أن يركع كره ، والله أعلم .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            الخدمات العلمية