الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      يا زكريا إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى لم نجعل له من قبل سميا قال رب أنى يكون لي غلام وكانت امرأتي عاقرا وقد بلغت من الكبر عتيا قال كذلك قال ربك هو علي هين وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئا قال رب اجعل لي آية قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاث ليال سويا فخرج على قومه من المحراب فأوحى إليهم أن سبحوا بكرة وعشيا .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: " يا زكريا إنا نبشرك " في الكلام إضمار، تقديره: فاستجاب الله له، فقال: " يا زكريا إنا نبشرك " . وقرأ حمزة: ( نبشرك ) بالتخفيف . وقد شرحنا هذا في ( آل عمران: 39 ) .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: " لم نجعل له من قبل سميا " فيه ثلاثة أقوال:

                                                                                                                                                                                                                                      أحدها: لم يسم يحيى قبله، رواه أبو صالح عن ابن عباس، وبه قال عكرمة، وقتادة، وابن زيد، والأكثرون .

                                                                                                                                                                                                                                      فإن اعترض معترض فقال: ما وجه المدحة باسم لم يسم به أحد قبله، [ ص: 211 ] ونرى كثيرا من الأسماء لم يسبق إليها ؟ فالجواب: أن وجه الفضيلة أن الله تعالى تولى تسميته، ولم يكل ذلك إلى أبويه، فسماه باسم لم يسبق إليه .

                                                                                                                                                                                                                                      والثاني: لم تلد العواقر مثله ولدا، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس . فعلى هذا يكون المعنى: لم نجعل له نظيرا .

                                                                                                                                                                                                                                      والثالث: لم نجعل له من قبل مثلا وشبها، قاله مجاهد . فعلى هذا يكون عدم الشبه من حيث أنه لم يعص ولم يهم بمعصية . وما بعد هذا مفسر في ( آل عمران: 39 ) إلى قوله: " وكانت امرأتي عاقرا " .

                                                                                                                                                                                                                                      وفي معنى " كانت " قولان:

                                                                                                                                                                                                                                      أحدهما: أنه توكيد للكلام، فالمعنى: وهي عاقر، كقوله: كنتم خير أمة [ آل عمران: 110 ] ; أي: أنتم .

                                                                                                                                                                                                                                      والثاني: أنها كانت منذ كانت عاقرا، لم يحدث ذلك بها، ذكرهما ابن الأنباري، واختار الأول .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: " وقد بلغت من الكبر عتيا " قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو ، وابن عامر، وأبو بكر عن عاصم: ( عتيا )، و( بكيا ) [ مريم: 58 ]، و( صليا ) [ مريم: 70 ] بضم أوائلها . وقرأ حمزة والكسائي بكسر أوائلها، وافقهما حفص عن عاصم، إلا في قوله: ( بكيا ) فإنه ضم أوله . وقرأ ابن عباس ومجاهد: ( عسيا ) بالسين . قال مجاهد: ( عتيا ): هو قحول العظم . وقال ابن قتيبة ; أي: يبسا، يقال: عتا وعسا بمعنى واحد . قال الزجاج: كل شيء انتهى فقد عتا يعتو عتيا، وعتوا وعسوا وعسيا .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: " قال كذلك " ; أي: الأمر كما قيل لك من هبة الولد على الكبر، " قال ربك هو علي هين " ; أي: خلق يحيى علي سهل . [ ص: 212 ] وقرأ معاذ القارئ وعاصم الجحدري: ( هين ) بإسكان الياء . " وقد خلقتك من قبل " ; أي: أوجدتك . قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو ، وعاصم، وابن عامر: ( خلقتك ) . وقرأ حمزة والكسائي: ( خلقناك ) بالنون والألف . " ولم تك شيئا " المعنى: فخلق الولد كخلقك . وما بعد هذا مفسر في ( آل عمران: 39 ) إلى قوله: " ثلاث ليال سويا " . قال الزجاج: " سويا " منصوب على الحال، والمعنى: تمنع عن الكلام وأنت سوي . قال ابن قتيبة ; أي: سليما غير أخرس .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: " فخرج على قومه " وهذا في صبيحة الليلة التي حملت فيها امرأته، " من المحراب " ; أي: من مصلاه، وقد ذكرناه في ( آل عمران: 39 ) .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: " فأوحى إليهم " فيه قولان:

                                                                                                                                                                                                                                      أحدهما: أنه كتب إليهم في كتاب، قاله ابن عباس .

                                                                                                                                                                                                                                      والثاني: أومأ برأسه ويديه، قاله مجاهد .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: " أن سبحوا " ; أي: صلوا، " بكرة وعشيا " قد شرحناه في ( آل عمران: 39 )، والمعنى: أنه كان يخرج إلى قومه فيأمرهم بالصلاة بكرة وعشيا، فلما حملت امرأته أمرهم بالصلاة إشارة .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية