الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      [ ص: 188 ] قال المصنف رحمه الله تعالى ( فإن صلى عريانا ثم وجد السترة لم يلزمه الإعادة ; لأن العري عذر عام وربما اتصل ودام ، فلو أوجبنا الإعادة لشق [ وضاق ] فإن دخل في الصلاة وهو عريان ثم وجد السترة في أثنائها فإن كانت بقربه ستر العورة وبنى على صلاته ; لأنه عمل قليل فلا يمنع البناء ، وإن كانت بعيدة بطلت صلاته ; لأنه يحتاج إلى عمل كثير ، وإن دخلت الأمة في الصلاة وهي مكشوفة الرأس فأعتقت في أثنائها فإن كانت السترة قريبة منها سترت وأتمت صلاتها ، وإن كانت بعيدة بطلت صلاتها ، وإن أعتقت ولم تعلم حتى فرغت من الصلاة ففيها قولان كما قلنا فيمن صلى بنجاسة لم يعلم بها حتى فرغ من الصلاة ) .

                                      التالي السابق


                                      ( الشرح ) في هذه القطعة مسائل ( إحداها ) إذا عدم السترة الواجبة فصلى عاريا أو ستر بعض العورة وعجز عن الباقي وصلى فلا إعادة عليه . سواء كان من قوم يعتادون العري أم غيرهم ، وحكى الخراسانيون فيمن لا يعتادون العري وجها أنه يجب الإعادة ، وهذا الوجه سبق بيانه في آخر باب التيمم وهو ضعيف ليس بشيء ، وقد قال الشيخ أبو حامد في التعليق : لا أعلم خلافا يعني بين المسلمين أنه لا يجب الإعادة على من صلى عاريا للعجز عن السترة .



                                      ( الثانية ) إذا وجد السترة في أثناء صلاته لزمه الستر بلا خلاف ; لأنه شرط لم يأت عنه ببدل ، بخلاف من صلى بالتيمم ، ثم رأى الماء في أثناء صلاته قال أصحابنا : فإن كانت قريبة ستر وبنى ، وإلا وجب الاستئناف على المذهب ، وبه قطع العراقيون ، وقال الخراسانيون : في جواز البناء مع البعد القولان فيمن سبقه الحدث ، قالوا : فإن قلنا بالقديم : أنه يبني ، فله السعي في طلب السترة ، كما يسعى في طلب الماء ، وإن وقف حتى أتاه غيره بالسترة نظر إن وصلته في المدة التي لو سعى لوصلها فيها أجزأه وإن زاد فوجهان الأصح : لا يجوز وتبطل صلاته ، ولو كانت السترة قريبة ولا يمكن تناولها إلا باستدبار القبلة بطلت صلاته إذا لم يناوله غيره ، ذكره القاضي أبو الطيب وابن الصباغ وغيرهما ، ولو كانت السترة بقربه ولم يعلمها فصلى عاريا ثم علمها بعد الفراغ أو في أثناء الصلاة ففي صحة صلاته طريقان ، حكاهما القاضي أبو الطيب وابن الصباغ وغيرهما ( أحدهما ) وبه قطع المصنف [ ص: 189 ] وآخرون : فيه القولان فيمن صلى بنجاسة جاهلا بها ( والثاني ) تجب الإعادة هنا قولا واحدا ; لأنه لم يأت ببدل ، ولأنه نادر ، وبهذا الطريق قطع الشيخ أبو حامد والمحاملي .



                                      ( الثالثة ) يستحب للأمة أن تستر في صلاتها ما تستره الحرة فلو صلت مكشوفة الرأس فعتقت في أثناء صلاتها بإعتاق السيد أو بموته إذا كانت مدبرة أو مستولدة فإن كانت عاجزة عن الستر مضت في صلاتها وأجزأتها بلا خلاف ، وإلا فهي كمن وجد السترة في أثناء صلاته في كل ما ذكرنا ، ولو جهلت العتق فهي كجهلها وجود السترة فتكون على الطريقين والله أعلم .



                                      ( فرع ) إذا قال لأمته : إذا صليت صلاة صحيحة فأنت حرة قبلا ، فصلت مكشوفة الرأس إن كان في حال عجزها عن سترة صحت صلاتها وعتقت ، وإن كانت قادرة على السترة صحت صلاتها ولا تعتق ; لأنها لو عتقت لصارت حرة قبل الصلاة وحينئذ لا تصح صلاتها مكشوفة الرأس ، وإذا لم تصح لا تعتق فإثبات العتق يؤدي إلى بطلانه وبطلان الصلاة فبطل وصحت الصلاة ذكر المسألة جماعة منهم القاضي أبو الطيب وابن الصباغ فيمن قال : إن صليت مكشوفة الرأس فأنت حرة الآن .




                                      الخدمات العلمية