الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                              السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

                                                                                                                              صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              2462 باب في المدينة، حين يتركها أهلها

                                                                                                                              وقال النووي: (باب إخباره صلى الله عليه وآله وسلم، بترك الناس المدينة على خير ما كانت ).

                                                                                                                              حديث الباب

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم \ النووي ص160 ج9 المطبعة المصرية

                                                                                                                              [عن ابن شهاب ; أنه قال: أخبرني سعيد بن المسيب ; أن أبا هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يتركون المدينة على خير ما كانت. لا يغشاها إلا العوافي (يريد عوافي السباع والطير ) ثم يخرج [ ص: 79 ] راعيان من مزينة، يريدان المدينة، ينعقان بغنمهما، فيجدانها وحشا. حتى إذا بلغا ثنية الوداع، خرا على وجوههما" . ].

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              (الشرح)

                                                                                                                              ) عن أبي هريرة ) رضي الله عنه ; (قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يتركون المدينة على خير ما كانت. لا يغشاها إلا العوافي - يريد عوافي السباع والطير -" ).

                                                                                                                              فسرها في الحديث بهذا. وهو صحيح في اللغة. مأخوذ من "عفوته" إذا أتيته تطلب معروفه.

                                                                                                                              وفي الرواية الأخرى: ( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للمدينة "ليتركنها أهلها على خير ما كانت مذللة للعوافي" ). يعني: السباع، والطير.

                                                                                                                              قال عياض: هذا ما جرى في العصر الأول وانقضى.

                                                                                                                              قال: وهذا من معجزاته صلى الله عليه وآله وسلم، فقد تركت المدينة على أحسن ما كانت، حين انتقلت الخلافة عنها إلى الشام والعراق.

                                                                                                                              وذلك الوقت أحسن الدين والدنيا.

                                                                                                                              أما الدين ; فلكثرة العلماء وكمالهم.

                                                                                                                              [ ص: 80 ] وأما الدنيا، فلعمارتها وغرسها، واتساع حال أهلها.

                                                                                                                              قال: وذكر الإخباريون في بعض الفتن، التي جرت بالمدينة، وخاف أهلها: أنه رحل عنها أكثر الناس. وبقيت ثمارها أو أكثرها، للعوافي. وخلت مدة، ثم تراجع الناس إليها.

                                                                                                                              قال: وحالها اليوم، قريب من هذا. وقد خربت أطرافها.

                                                                                                                              هذا كلام القاضي الحاكي عن زمانه.

                                                                                                                              وأما زماننا هذا، فقد خربت إلى غاية، وقل أهلها، وزادت لأواؤها وشدتها على ساكنيها، وعلى من حل بها ونزل إليها.

                                                                                                                              (ثم يخرج راعيان من مزينة، يريدان المدينة، ينعقان ) أي: يصيحان (بغنمهما، فيجدانها وحشا ).

                                                                                                                              وفي رواية البخاري: (وحوشا ).

                                                                                                                              قيل: معناه: خلاء. أي: خالية ليس بها أحد.

                                                                                                                              قال إبراهيم الحربي: الوحش من الأرض: هو الخلاء.

                                                                                                                              قال النووي: والصحيح أن معناه: يجدانها ذات وحوش. كما في رواية البخاري. وكما قال صلى الله عليه وآله وسلم: "لا يغشاها إلا العوافي". ويكون "وحشا" بمعنى وحوشا.

                                                                                                                              [ ص: 81 ] وأصل الوحش: كل شيء توحش من الحيوان. وجمعه: وحوش. وقد يعبر بواحده عن جمعه، كما في غيره.

                                                                                                                              وحكى القاضي عن ابن المرابط ; معناه: أن غنمهما تصير وحوشا، إما أن تنقلب ذاتها فتصير وحوشا. وإما أن تتوحش وتنفر من أصواتها. وأنكر القاضي هذا، واختار: أن الضمير في يجدانها، عائد إلى المدينة، لا إلى الغنم.

                                                                                                                              قال النووي: وهذا هو الصواب. وقول ابن المرابط غلط.

                                                                                                                              (حتى إذا بلغا ثنية الوداع، خرا على وجوههما ).

                                                                                                                              قال النووي: الظاهر المختار: أن هذا الترك للمدينة، يكون في آخر الزمان عند قيام الساعة. وتوضحه قصة الراعيين هذه، فإنهما يخران على وجوههما، حين تدركهما الساعة. وهما آخر من يحشر، كما ثبت في صحيح البخاري.

                                                                                                                              قال: فهذا هو الظاهر والمختار.




                                                                                                                              الخدمات العلمية