الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                                                                                          1555 - مسألة : وجائز لمن أتى السوق من أهله ، أو من غير أهله ، أن يبيع سلعته بأقل من سعرها في السوق ، وبأكثر - ولا اعتراض لأهل السوق عليه في ذلك ، ولا للسلطان .

                                                                                                                                                                                          وقال المالكيون : ليس له أن يبيع بأقل من سعرها ، ويمنع من ذلك وله أن يبيع بأكثر .

                                                                                                                                                                                          قال علي : وهذا عجب جدا أن يمنعوه من الترخيص على المسلمين ، ويبيحون له التغلية ؟ إن هذا لعجب وما نعلم قولهم هذا عن أحد قبل مالك .

                                                                                                                                                                                          ثم زادوا في العجب واحتجوا بالذي روينا من طريق مالك عن يونس بن يوسف عن سعيد بن المسيب : أن عمر مر بحاطب بن أبي بلتعة وهو يبيع زبيبا له بالسوق ، فقال له عمر : إما أن تزيد في السعر ، وإما أن ترفع عن سوقنا .

                                                                                                                                                                                          [ ص: 538 ] قال علي : هذا لا حجة لهم فيه لوجوه - : أحدها : أنه لا حجة في أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                                                                                          والثاني : أنهم كم قصة خالفوا فيها عمر كإجباره بني عم على النفقة على ابن عمهم ، وكعتقه كل ذي رحم محرمة إذا ملك ، وغير ذلك .

                                                                                                                                                                                          والثالث : أنه لا يصح عن عمر ; لأن سعيد بن المسيب لم يسمع من عمر إلا نعيه النعمان بن مقرن فقط .

                                                                                                                                                                                          والرابع : أنه لو صح لكانوا قد أخطئوا فيه على عمر ، فتأولوه بما لا يجوز ، وإنما أراد عمر بذلك لو صح عنه بقوله إما أن تزيد في السعر ، يريد أن تبيع من المكاييل أكثر مما تبيع بهذا الثمن ، وهذا خلاف قولهم - هذا الذي لا يجوز أن يظن بعمر غيره ، فكيف وقد جاء عن عمر مبينا .

                                                                                                                                                                                          كما روينا هذا الخبر عنه من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج عن عمرو بن شعيب قال : وجد عمر حاطب بن أبي بلتعة يبيع الزبيب بالمدينة فقال : كيف تبيع يا حاطب ؟ فقال : مدين ، فقال عمر : تبتاعون بأبوابنا ، وأفنيتنا ، وأسواقنا ، تقطعون في رقابنا . ثم تبيعون كيف شئتم ، بع صاعا ، وإلا فلا تبع في أسواقنا ، وإلا فسيبوا في الأرض ثم اجلبوا ثم بيعوا كيف شئتم .

                                                                                                                                                                                          فهذا خبر عمر مع حاطب في الزبيب كما يجب أن يظن بعمر .

                                                                                                                                                                                          فإن قالوا : في هذا ضرر على أهل السوق ؟ قلنا : هذا باطل ، بل في قولكم أنتم الضرر على أهل البلد كلهم ، وعلى المساكين ، وعلى هذا المحسن إلى الناس ، ولا ضرر في ذلك على أهل السوق ; لأنهم إن شاءوا أن يرخصوا كما فعل هذا فليفعلوا ، وإلا فهم أملك بأموالهم كما هذا أملك بماله .

                                                                                                                                                                                          والحجة القاطعة في هذا قول الله - تعالى - : { إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم } وقوله تعالى : { وأحل الله البيع } .

                                                                                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                                                                                          الخدمات العلمية