الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              صفحة جزء
              405 - أبو معاوية الأسود

              ومنهم المعرض عن الأرذل ، والباحث على الأفضل ، اليمان أبو معاوية الأسود .

              حدثنا أبو محمد بن حيان ، ثنا إبراهيم بن محمد بن الحسن ، ثنا أحمد بن فضيل العكي ، قال : غزا أبو معاوية الأسود فحصر المسلمون حصنا ، فيه علج ، لا يرمي حجرا لإنسان إلا أصابه ، فشكوا إلى أبي معاوية ، فقرأ : ( وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى ) . اشتروني منه فلما وقف ، قال : أين تريدون بإذن الله ؟ قال : المذاكير ، فقال : أي رب سمعت ما سألوني فأعطني ما سألوني ، بسم الله . ثم رمى المذاكير بإذن الله ، فمر السهم حتى إذا قرب من حائط الحرس ارتفع حتى إذا أخذ العلج في مذاكيره فوقع وقال : شأنكم به .

              قال : ومر أبو معاوية [ ص: 272 ] يوما فوجد خمس عشرة حبة فول - يعني باقلا مسلوقا - قال : فلقطها ثم ولى وجهه إلى القبلة ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : " أي رب ارزقني شكر ما رزقتني فإني لو حمدتك من يوم خلقت الدنيا إلى أن تقوم الساعة ما أديت شكر هذا اليوم " .

              حدثنا إسحاق بن أحمد ، ثنا إبراهيم بن يوسف ، ثنا أحمد بن أبي الحواري ، قال : قلت لأبي معاوية الأسود : يا أبا معاوية ما أعظم النعمة علينا في التوحيد ، نسأل الله أن لا يسلبناه ، قال : " يحق على المنعم أن يتم على من أنعم عليه " .

              حدثنا أبو محمد بن حيان ، ثنا إبراهيم بن محمد بن الحسن ، ثنا محمد بن إسحاق ، ثنا أحمد بن أبي الحواري ، سمعت أحمد بن وديع ، يقول : قال أبو معاوية الأسود : " إخواني كلهم خير مني ، قيل له : كيف ذاك يا أبا معاوية ؟ قال : كلهم يرى الفضل لي على نفسه ومن فضلني على نفسه فهو خير مني " .

              حدثنا عمر بن أحمد بن شاهين ، سمعت عبد الله بن داود ، سمعت أبي ، يقول : لما مات علي بن فضيل خرج أبو معاوية الأسود من طرسوس إلى مكة يعزي أباه فضيل بن عياض ولم يحج حتى رجع ، فقال فضيل : " ما وافى مكة رجل أغبط عندي من أبي معاوية ، ولكلب ميت يجر برجله أغبط عندي منه " .

              حدثنا علي بن الفضيل الفقيه البغدادي ، إملاء ، ثنا أحمد بن جعفر بن محمويه ، ثنا ابن أبي العوام ، ح . وحدثنا أبي ، ثنا أحمد بن محمد بن السكن ، ثنا إبراهيم بن الجنيد ، ثنا عبد الصمد بن يزيد ، قالا : ثنا أبو بكر بن عبد الرحمن بن عنان العوفي ، سمعت أبا معاوية الأسود ، يقول في جوف الليل : " من كانت الدنيا أكبر همه طال غدا في القبر غمه ، ومن خاف ما بين يديه ضاق ذرعه ، ومن خاف الوعيد ، لها في الدنيا عما يريد . يا مسكين ، إن كنت تريد لنفسك فلا تنامن الليل إلا القليل ، اقبل من الدين الناصح إذا أتاك بأمر واضح ، لا تهتم بأرزاق من تخلف ، فليست أرزاقهم تكلف ، وطن نفسك للمقال إذا وقفت بين يدي رب العزة للسؤال ، قدم صالح الأعمال عند كثرة الاستعمال ، بادر ثم بادر قبل نزول ما تحاذر ، إذا بلغت روحك التراقي وانقطع عنك من أحببت أن تلاقي ، كأنا بها إذا بلغت الحلقوم وأنت في سكرات الموت مغموم ، إذا [ ص: 273 ] انقطعت حاجتك إلى أهلك ، وأنت تراهم حولك وقد بقيت مرتهنا بعملك ، فالصبر ملاك الأمر ، وفيه أعظم الأجر ، فاجعل ذكر الله من أجل نياتك ، واملك فيما ينوي ذلك لسانك . ثم بكى أبو معاوية بكاء شديدا ، ثم قال : أوه من يوم يتغير فيه لوني ، ويتلجلج فيه لساني ، ويقل فيه زادي . فقيل : يا أبا معاوية ، من قال هذا الكلام الحسن الجميل ؟ قال : حكيم من الحكماء . المساق لعلي بن الفضيل .

              حدثنا أحمد بن جعفر أبو معبد ، ثنا أحمد بن مهدي ، حدثني أبو موسى العارفي ، قال : كنت أسمع أبا معاوية الأسود إذا قام من الليل يستقي الماء ، يقول : " ما ضرهم ما أصابهم في الدنيا ، جبر الله لهم كل مصيبة بالجنة " .

              حدثنا محمد بن عمر بن سلم ، إملاء ، ثنا عبد الله بن بشر بن صالح ، ثنا يوسف بن سعيد ، ثنا إبراهيم بن مهدي ، سمعت أبا معاوية الأسود ، يقول : " ما ضرهم ما أصابهم في دنياهم ، جبر الله لهم كل مصيبة بالجنة " .

              حدثنا محمد بن أحمد بن شاهين ، سمعت عبد الله بن أبي داود ، سمعت أبا حمزة نصر بن الفرج - وكان خادم أبي معاوية الأسود - يقال له : أي شيء كان يتكلم به أبو معاوية ويتمثل ؟ فقال : كان يجيء ويذهب ، ويقول : " ما ضرهم ما نالهم في الدنيا ، جبر الله لهم كل مصيبة بالجنة " .

              حدثنا أبو محمد بن حيان ، ثنا إبراهيم بن محمد بن الحسن ، قال : كتب إلي أبو موسى بن المثنى ، حدثني عمرو بن أسلم ، ثنا أبو معاوية الأسود ، قال : " شمروا طلابا وشمروا هدابا ، لم يضرهم ما أصابهم في الدنيا ، جبر الله لهم كل مصيبة بالجنة " .

              حدثنا أبي ، ثنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن عمر ، ثنا أبو بكر بن عبيد ، حدثني حسين بن عبد الرحمن ، قال : قال أبو معاوية الأسود : " الخلق كلهم برهم وفاجرهم يسعون في أقل من جناح ذباب ، فقال له رجل : ما أقل من جناح ذباب ؟ قال : الدنيا " .

              حدثنا أبي ، ثنا أحمد ، ثنا عبد الله بن محمد بن سفيان ، حدثني هارون بن الحسن ، قال : سمعت أبا معاوية الأسود ، يقول : " القلب المعني بأمر الله في علو من الله " .

              التالي السابق


              الخدمات العلمية