الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
من مقدمة في ( معجم القرآن )

أما (المقدمة) فقد تم لي بعون الله وضعها، وأما (المعجم) فهو حديث النفس منذ أكثر من ثلاثين سنة. وكنت كلما نفضت عني عبء السنين شعرت أن بضاعتي مزجاة، وأن الإقدام على شيء من هـذا كان من شطحات عرام الشباب، حتى إذا استيقنت الجد، وأدركت ما الذي يقتضيني من ذلك، أقبلت على الأمر، وفي نفسي من التردد والحيرة أكثر مما أدخره من الاطمئنان واليقين.

وقد توجهت إلى الله- عزت كلمته- أن يتقبل مني عملا خلصت فيه النية ابتغاء ما أرجو حسن العقبى وخير المثوبة.

وكأني أدركت أن أهل عصرنا هـذا، قد قصروا في هـذا الأمر، فلم يكن لهم فيما دأبوا عليه شيء من هـذا، فقد شرع في شيء منه أحد أعضاء مجمع اللغة العربية في القاهرة ، فلم يؤت عمله إلا ثمرة فجة لم ترض أهل العلم. وقد كثرت المحاولات في درس لغة القرآن، ولكنها في الأغلب الأعم قد تجنبت هـذا السبيل المعجمي الذي تنوء به العصبة أولو القوة.

لقد أدرك اللغويون القدامى أن لغة التنزيل هـي لغة الخالق الأعظم، وأنها ليست كلغة العرب أهل اللسن والفصاحة، وأن لها خصائص عالية اكتسبت بها (الإعجاز) ، وإنه لكتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد.

ولقد أقبلوا على التنزيل العزيز مستفيدين معتبرين، مبينين أفانين شتى من وجوه القول، فكان ذلك مؤذنا أن القرآن قد أقام درس العربية على أنماط جديدة لم يهتد إليها العرب قبل أن يتأدبوا بأدب القرآن. لقد اهتدوا إلى أفانين [ ص: 35 ] بديعة في مادة (النقد الأدبي) ، ثم كانت نماذج بلاغية يهتدى بها.

ولقد أدى الدرس القرآني إلى أن توصل أهل العلم إلى جملة من العلوم، وليس (علوم العربية) إلا شيئا من هـذا الفيض العميم الذي تم للدارسين المسلمين. ومن (علوم العربية) هـذه علم النحو، فقد نشأ بعد الاطلاع على هـذا الدرس القرآني. وكأني في هـذا أريد أن أقول: أن ليس شيوع اللحن هـو السبب الذي دعا إلى أن يهرع أهل العلم لوضع ضوابط تعين المعربين على دفع غائلة هـذا الذي تسرب في اللسان العربي.

وكأن هـذه المقوله صادفت هـوى لدى الدارسين فدرجوا عليها وأعادوها على أنها في زعمهم الحافز الأول الذي حدا أهل العلم إلى وضع شيء يعصم الألسن مما أصابها من غائلة اللحن. وقد صح لدي في النظر أن النحو كسائر العلوم قد وصلت إليه الأمم في مسيرتها الحضارية، وهكذا كان للعرب حين أظلهم الإسلام بظله فشملهم بحضارته الزاهرة التي وجدوا أصولها وتطبيقها في الإسلام عقيدة ورأيا وسلوكا كما أفصحت عنه الآيات البينات في الكتاب العزيز.

وإذا كنت قد استبعدت أن يكون اللحن سببا في وضع النحو، فذاك أني أعرف، كما يعرف غيري من الدارسين، أن (اللحن) قد تقدم الحقبة التي قال الباحثون في تاريخ النحو، إنها تلك التي شهدت البدايات النحوية، وهي خلافة أمير المؤمنين على بن أبي طالب- رضي الله عنه - أو بعد ذلك بقليل.

وقد رووا في ذلك أخبارا تتصل بأبي الأسود الدؤلي، وقد اختلفت صيغ تلك الأخبار. إن جميع تلك الأخبار ينتهي إلى أبي الأسود الذي أفاد مما أخذه من الإمام علي كما تقول تلك الأخبار. وقد عرفنا أن اللحن كان قد عرف في [ ص: 36 ] عهد الرسول الكريم كما عرف في الجاهلية.

لقد وجد الدارسون في لغة القرآن أنماطا من وجوه القول وقفوا عليها فقالوا فيها أقوالا عدة، إن هـذه وأمثالها كانت دافعا لأهل العلم أن يضعوا أوائل الضوابط النحوية، ثم توسعوا فكان النحو القديم كما سجل في المظان المعروفة.

ألا ترى أن المشكل النحوي في القرآن قد حفز الدارسين إلى أن يصنفوا جملة كتب في (إعراب القرآن) ؟ إن (إعراب القرآن) ينتظم طائفة من الكتب المطولة التي اضطلع النحاة الأولون، ولو كان النحو علاجا يقصد به دفع اللحن فقط، لتم لهم ذلك بوضع جملة ضوابط يسيرة ... فأين هـذا مما كان لهم؟

وليس هـذا الذي قدمناه من (علوم العربية) التي استفيدت من لغة التنزيل كل ما يشغل الدارس في الدرس القرآني، ذلك أن الوقوف على (المشكل) في القرآن، و (تأويله) كان مادة علم لغوي تاريخي ينصرف إلى مواد أشكلت على الدارسين فذهبوا إلى معرفة أصولها وما آلت إليه في الكلم الشريف، وكان لنا من هـذا الدرس جملة كتب في (تأويل المشكل) في القرآن والحديث.

وقد تجاوز الدرس اللغوي القرآني مادة (المشكل) إلى مادة (المجاز) والمراد بـ (المجاز) في كتب الفن، مسألة (الدلالة) . وهذه الدلالة في هـذا النوع من الكتب القديمة شيء مما ندعوه في عصرنا (التطور اللغوي) ، ومن هـنا كان هـذا المجاز بهذا المعنى غير المجاز لدى علماء البيان.

ثم إن لغة التنزيل العزيز قد نقلت العربية من كونها لغة أدب نتبينها في الشعر القديم إلى لغة علم دقيق لها (مصطلحها الشريف) .

إن ما ندعوه (الألفاظ الإسلامية) هـو شيء من هـذه اللغة الفنية [ ص: 37 ] الاصطلاحية، وإن هـذه المصطلحات قد أمدت العربية بالركائز التي قامت عليها جملة هـذه العلوم الإسلامية، فعلم المنطق، وعلم الكلام، قد أفادا من هـذه الذخيرة الفنية التي وردت في لغة التنزيل.

وليس هـذا كله ما أفاده الدارسون من لغة التنزيل، ذلك أن سائر علوم الإسلام قد اتخذت لها قواعد وأصولا استمدتها من هـذه اللغة الشريفة.

وقد يكون لي أن أخلص إلى أن الدارس ليجد معالم حضارة الإسلام واضحة كل الوضوح في هـذا البيان المعجز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. وإذا كان القدماء قد توسعوا في الدراسات القرآنية، فصنفوا في فوائد لغة القرآن وخصائصها ومعانيها ونحوها وبلاغتها، المصنفات الكثيرة، فإن المحدثين من أهل عصرنا، لم يتموا هـذه المسيرة المباركة، فيأتوا بما لم يأت به المتقدمون.. ألا ترى أن العصر يفرض علينا أن يكون لنا في صناعة المعجم، (معجم تاريخي) للقرآن، تستوفى فيه اللآلئ الفرائد في الكلم الشريف؟

وقد ينصرف ذهن القارئ إلى أنني برأت المتقدمين مما يؤخذ عليهم في مصنفاتهم في علوم القرآن، وأنحيت باللائمة على أهل عصرنا، ولكني لم أرد هـذا، ذلك أن إحسان المتقدمين لا ينفي عنهم أنهم أخطأوا في مسائل، وفاتهم من ذلك علم نافع.

وسأقف على جملة مسائل أضعها بين يدي الدارسين لأشير إلى أن المتقدمين قد أضنتهم المسيرة، وأظلم عليهم السبيل، فأضاعوا، الدليل إلى المحجة البيضاء، ولو أنهم صبروا وشقوا بما صبروا عليه لكان لنا من مسيرتهم خير كثير. وقد كنت قد استوفيت هـذه المسائل فجمعتها لتكون شيئا من مواد (معجم للقرآن) ، وها أنا أجتزئ بالقليل في هـذا الموجز الذي أختص به (الرسالة الإسلامية) . [ ص: 38 ]

قلت: لم يتهيأ لنا نحن أهل العصر أن نصنع معجما نأتي فيه على دلالات الألفاظ وتاريخها وتطورها، ولم نحط خبرا في أن للمادة الواحدة في القرآن أفانين من الاستعمال، كما لم ينجز الأوائل ما كان ينبغي لهم أن ينجزوه في هـذا الشأن على عظيم ما كان لهم من نظر ثابت في كتاب الله العزيز.

وقد بدا لي أن أقف وقفات عجلى على خمسة نماذج من ألفاظ القرآن لأقول شيئا، لعلي أشير به إلى أن شيئا كثيرا ما زال معوزا إلى زيادة إيضاح، ومن هـنا يكون صنع لمعجم جديد يفرضه علينا فرض العناية بالتنزيل العزيز.

وإليكم هـذه النماذج التي أردت من عرضها أن أقف على فائدة واحدة من كل نموذج أجتزئ به للتمثيل، تاركا جملة الفوائد الأخرى، وهي كثيرة، إلى المعجم الذي أضطلع به:-

1- أتـي

قال تعالى: ( اذهبوا بقميصي هـذا فألقوه على وجه أبي يأت بصيرا ) (يوسف:93) .

أقول: وقوله تعالى: (يأت) بمعنى يصير أو ينقلب أو يصبح.

تعليق:

إذا كان النحاة القدماء قد فرغوا الأفعال: ظل، وأصبح، وأمسى، وبات، من دلالاتها، الأصيل وهي النهار، والصباح، والمساء، والليل، ليحملوها على (النواسخ) في العمل باقتضاء الاسم والخبر، فلم أغفلوا الفعل (أتى) في المعنى المتقدم، ولم لم يحملوا عليها الفعل (انقلب) . وكان من المفيد أن يقفوا على هـذا الفعل (يأت) في الآية المتقدمة ليشيروا أنها استعملت استعمالا خاصا غير المعروف المشهور، وهو أحد الاستعمالات الكثيرة في هـذا الفعل الذي لم يبق منه في العربية المعاصرة غير دلالة (المجيء) ؟

قلت: لم يحمل النحاة هـذا الفعل على النواسخ، وذلك لأنه في معناها [ ص: 39 ] وعملها الإعرابي، لأشير إلى أنهم أغفلوا الوقف عليه، كما أغفله اللغويون في المعجمات، وإني لا أريد، من ذلك، أن أشارك النحاة في أن هـذا الفعل وسائر الأفعال التي أشرت إليها، وهي:ظل، وأصبح، وأمسى، وبات، هـي من النواسخ في العمل، وهذا يعني أنها كسائر الأفعال الأخرى اللازمة التي تقتضي الفاعل على المرفوع، وأما المنصوب فزيادة تفيد ما تفيده (الحال) ، ولا أريد أن أدخل في اعتراض من يعترض على هـذا بقوله: إن (الحال) فضلة، ومجيء المنصوب بعد هـذه الأفعال ليس (فضلة) ، وهذه مسألة لا يعسر الرد عليها، والبقاء في حيز المشهور الواضح من لغة العرب أو عائده.

2- أراد (رود)

وقال تعالى: ( فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض فأقامه ) (الكهف:93) .

تعليق:

إن الفعل (يريد) في الآية، ذو دلالة خاصة، فهو لايعني (الإرادة) كقولك: أريد أن أعمل خيرا، بل إنه يدل على ما يدل عليه الفعلان: يكاد أو يوشك. وهذان الفعلان مع فعل ثالث هـو (كرب) ، من الأفعال التي ألحقها النحاة القدماء بالأفعال النواسخ، فهي مثل (كان) في العمل في اقتضاء الاسم والخبر، غير أنهم ميزوا هـذه الأفعال في كون (الخبر) فعلا مضارعا مسبوقا بـ (أن) المصدرية غالبا، وقد يجرد منها، وفي كلا الحالين كلام وتوجيه، وسآتي على قول النحاة هـذا. غير أني أرى أن الفعل (يريد) في الآية من حيث الدلالة شيء ومن هـذه الأفعال التي أسماها النحاة (أفعال المقاربة، ودلالة (المقاربة) من الناحية المعجمية تتحقق في الفعل (يريد) أيضا كما في الآية ولكنهم غفلوا عنه، ولم يشيروا إلى هـذه الدلالة الخاصة في استعماله فيلحقوه بنظائره وهي: كاد، وأوشك، وكرب. [ ص: 40 ]

وعندي أن الفعل الأخير (كرب) من الأفعال النادرة، أو قل: هـو شيء من أوابد هـذه اللغة، ولا تكاد تظفر به إلا في ثلاثة شواهد نحوية لا نطمئن إلى صحتها ونسبتها. وكأن هـذا الفعل صورة خاصة قديمة هـجرها المعربون فذهبوا إلى نظيرتها وهي (قرب) ، وفي بعض استعمال (قرب) نقف على شيء من هـذه (المقاربة) النحوية.

ثم أن الفعل (يريد) بدلالته على القرب كما في الآية، وأنه نظير (كاد) و (أوشك) ، كثير الورود في الألسن الدارجة، ولا نجد في الألسن الدارجة غيره لأداء (المقاربة) ، فالعامة لا تعرف (كاد) أو (أوشك) .

ولنعد إلى قول النحاة في حمل هـذه الأفعال على النواسخ فنقول: إنها أفعال خاصة، ومعناها المقاربة، والذي أراه أن مرفوعها فاعل كسائر الأفعال في العربية، وأما التالي له وهو (أن والفعل) فزيادة يقتضيها معنى المقاربة، وهذا لا يختلف عن (أن والفعل) بعد أفعال الطلب نحو:طلب ورغب وأراد ونحو ذلك، نقول: طلب الرجل أن يشارك في العمل، ورغب زيد أن يلعب...

أخلص إلى الفعل (أراد) وهو مادة البحث لأقول: إنه لم ينل العناية المطلوبة من اللغويين كما قصر فيه النحاة.

3- عمـي

وقال تعالى: ( ومن كان في هـذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا ) (الإسراء:72) .

تعليق:

لا أريد أن أظلم النحاة المتقدمين، ومعاذ الله أن أسعى لظلم قوم خدموا كتاب الله وسنة نبيه، وأنهم اجتهدوا وجاهدوا وأخلصوا فكان لهم ما كان من [ ص: 41 ] علم النحو. غير أني لا أقول: ما ترك الأول للآخر، فقد جاء في مقررات النحويين في صوغ (أفعل) التفضيل:

يصاغ من الثلاثي المتصرف التام مبنيا للمعلوم...... ومما لا يأتي الوصف منه على (أفعل فعلاء) ، وهذا الشرط الأخير يعني أن الفعل مثل (حمر) و (سود) لا يعنى منه (أفعل) للتفضيل فلا يقال: هـذا أسود من هـذا، وذاك أحمر من صاحبه. وقد ذهب الكوفيون إلى جوازه في السواد والبياض دون سائر الألوان، وربما وجد النقاد في هـذا رخصة للمتنبي في قوله:

لأنت أسود في عيني من الظلم

وإذا أخذنا بهذا الذي ذكره النحويون في عدم الجواز، ورجعنا إلى الآية وجدنا فيها كلمة (أعمى) قد وردت مرتين: الأولى جاءت صفة من العمى نظير الأعرج من العراج، والأقنى من القنا، غير أن (الأعمى) الثانية قد أفادت التفضيل، أي أنه أشد عمى، وذلك بدلالة المعطوف بعده وهو قوله تعالى: (وأضل سبيلا ) .

وهذا يعني أن هـذا البناء قد يتأتى إن حسن في موضعه، وأقول: (إن حسن) وأريد به ليجيء مشاكلا للمعطوف بعده، وفي ذلك ما فيه من إجادة القول وحسن البناء.

ومن المفيد أن نشير إلى لطائف العربية مما ورد في لغة التنزيل في مادة (عمه) في قوله تعالى: ( ونذرهم في طغيانهم يعمهون ) (الأنعام:110) والعمه في البصيرة كالعمى في البصر، وقالوا: رجل عمه وعامه: أي يتردد متحيرا لا يهتدي إلى طريقه ومذهبه، والجمع عمهون وعمه.

تعليق:

ليس عجيبا أن يشترك العمى والعمه في العين والميم ويختلفان في الثالث، [ ص: 42 ] والاختلاف مؤذن باختلاف يسير في المعنى إراده التخصيص وهذا شيء من بديع العربية.

4- غـزو

وقال تعالى: ( إذا ضربوا في الأرض أو كانوا غزى ) (آل عمران:156) .

تعليق:

درجت العربية على أبنية لها خصائصها وصفاتها، وممن هـذه أبنية التكسير فقد قالوا مثلا: إن ما جاء على فعل) جاء على (أفعال) ، وما جاء على (فعال) أو (فعيل) جاء جمعه على (أفعلة) . وهذه الأقوال ليست قواعد لا يفلت منها شيء ففي العربية غرائب وشواذ، ولكن الكثير يتبع الأوزان المعروفة التي أيدها السماع وجرى عليها القياس.

وقوله تعالى: (غزى) في الآية جمع لـ (غاز) وهذا ما لم يسمع إلا في لغة التنزيل العزيز، وذلك لأن بناء (فعل) من أبنية التكسير لا يتأتى إلا لما كان صحيح الآخر نحو: ساجد وسجد، وراكع وركع. غير أن وروده في (غاز) هـو شيء من خصائص العربية التي شرفها الله فجعلها لسان قرآنه، وبسط أمام الدارسين صفحات لرصد تاريخ هـذه اللغة وتطورها لو كانوا يدركون.

وفي القرآن من هـذه الفرائد الكثير فإذا نظرنا إلى قوله تعالى: ( ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط ) (الأعراف:40) .

وجدنا (الجمل) وقيل في تفسيره ما قيل، ومن ذلك أنه الحبل...... ووجدناه في القراءات أنه الجمل، والجمل بضم فسكون، والجمل على وزن (فعل) وهذه القراءة الأخيرة في بناء الجمع، والمفرد (جمل) . وهذا يعني أن الذي شاع في بناء (فعل) من أبنية التكسير ومفردها فاعل لا يندرج على [ ص: 43 ] المأثور من هـذا الجمع في العربية وذلك أن فيها مواد تخرج عن الكثير المشهور.

5- غلـب

وقال تعالى: ( غلبت الروم * في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون ) (الروم:2-3) .

تعليق:

أقول: الفعل (غلبت) مبني للمفعول، ثم جاء الفعل (سيغلبون) في آخر الآية الثالثة مبنيا للمعلوم أي الفاعل، وقبله المصدر (غلبهم) وكأن المصدر يشير إلى الفعل الأول المبني للمفعول، وعلى هـذا يكون (الغلب) عليهم لا لهم، أي أنهم غلبوا.

وهذا شيء من دقائق هـذه العربية الشريفة التي حفلت بها لغة التنزيل العزيز، فقد خصت المصدر بالفعل في الآية، وهذا شيء يستفاد من الآية وحدها ليس غير.

وبعد فهذه جملة مواد أتيت فيها على شيء يسير مما اشتملت عليه من فوائد نسغية، عرضت فيها لما ينبغي أن يشمله معجم جديد لألفاظ القرآن، فإن من الله علي ونسأ في الأجل، وكان في العمر فسحة فإن، ذاك مما آمل أن آتي به، وهو دين ليس إلى النكال عنه سبيل، فإن أصبت فنعما هـي، وإن لم أصل إلى المراد فعذيري أني قاصر في جنب الله.

والله أسأل أن ينفع بعملي هـذا إنه نعم المولى ونعم النصير. [ ص: 44 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية