الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب ما يجوز للمحرم أكله من الصيد

                                                                                                          حدثني يحيى عن مالك عن أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله التيمي عن نافع مولى أبي قتادة الأنصاري عن أبي قتادة أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كانوا ببعض طريق مكة تخلف مع أصحاب له محرمين وهو غير محرم فرأى حمارا وحشيا فاستوى على فرسه فسأل أصحابه أن يناولوه سوطه فأبوا عليه فسألهم رمحه فأبوا فأخذه ثم شد على الحمار فقتله فأكل منه بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبى بعضهم فلما أدركوا رسول الله صلى الله عليه وسلم سألوه عن ذلك فقال إنما هي طعمة أطعمكموها الله

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          24 - باب ما يجوز للمحرم أكله من الصيد

                                                                                                          786 776 - ( مالك عن أبي النضر ) - بفتح النون ، وإسكان الضاد المعجمة - سالم بن أبي أمية مولى عمر بن عبيد الله التيمي تيم قريش ، ( عن نافع ) بن عباس - بموحدة ، ومهملة ، أو تحتانية ، ومعجمة - أبي محمد الأقرع المدني الثقة ( مولى أبي قتادة الأنصاري ) ، حقيقة كما ذكره النسائي ، والعجلي ، وغيرهما .

                                                                                                          وقال ابن حبان ، وغيره ، قيل : له ذلك ، للزومه له إنما هو مولى عقيلة بنت طلق الغفارية ، ( عن أبي قتادة ) الحارث بن ربعي الأنصاري السلمي : ( أنه كان مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ) وفي الصحيحين : من رواية عبد الله بن أبي قتادة ، عن أبيه : " انطلقنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - عام الحديبية ، فأحرم أصحابه ، ولم أحرم " ( حتى إذا كانوا ببعض طريق مكة ) ، وفي الصحيحين من رواية صالح بن كيسان ، وعمرو بن الحارث ، عن أبي النضر بسنده : " كنت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - بالقاحة " قال عمرو : فيما بين مكة والمدينة ، ولفظ صالح : من المدينة على ثلاثة [ ص: 413 ] أميال ، ووقع عند ابن حبان ، وغيره في حديث أبي سعيد أن ذلك بعسفان ، وفيه نظر ، والصحيح بالقاحة ، وهي بالقاف ، والحاء المهملة الخفيفة .

                                                                                                          ( تخلف مع أصحاب له محرمين ، وهو غير محرم ) ، وفي البخاري من طريق عمرو بن الحارث : " وهم محرمون ، وأنا رجل حل على فرسي ، وكنت رقاء على الجبال ، فبينا أنا على ذلك ، إذ رأيت الناس متشوقين ، فذهبت أنظر ، ( فرأى حمارا وحشيا ، فاستوى على فرسه ) في رواية عمرو : " وكنت نسيت سوطي " وفي رواية عبد الله بن أبي قتادة : " ثم ركبته ، فسقط مني سوطي " ، فلعله أطلق النسيان على السقوط ، أو عكسه تجوزا ، ( فسأل أصحابه أن يناولوه سوطه ، فأبوا عليه ) ، في رواية عمرو : " قالوا : لا نعينك عليه " ، ( فسألهم رمحه ، فأبوا ، فأخذه ، ثم شد على الحمار ، فقتله ) ، في رواية عبد الله بن أبي قتادة : " قلت : ناولوني السوط ، قالوا : والله لا نعينك عليه بشيء ، فنزلت ، فتناولته ، ثم ركبت ، فأدركت الحمار من خلفه ، وهو وراء أكمة ، فطعنته برمحي فعقرته " ، أو في رواية عمرو : " فأتيت إليهم ، فقلت لهم : قوموا فاحتملوا ، قالوا : لا نمسه ، فحملته حتى جئتهم به " ، ( فأكل منه بعض أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبى بعضهم ) من الأكل ، وفيه جواز الاجتهاد في الفروع ، والاختلاف فيها إذا استند كل إلى دليل في ظنه ، وفي رواية : " ثم أنهم شكوا في أكلهم إياه وهم حرم " ، وفي أخرى : " فقلنا : إنا نأكل لحم صيد ونحن محرمون " ، ( فلما أدركوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سألوه عن ذلك ) ، أي ذكروا له القصة على ما هي عليه ، وأن أصحابه لم يعينوه بمناولة سوط ، ولا رمح ، ولا غيرهما ، وفي رواية عمرو : " وأبى بعضهم ، فقلت لهم : أنا أستوقف لكم النبي - صلى الله عليه وسلم - فأدركته ، فحدثته " ، الحديث .

                                                                                                          وفي رواية عبد الله بن أبي قتادة : " فقلنا : نأكل لحم صيد ونحن محرمون ، فحملنا ما بقي من لحمها ، فقال - صلى الله عليه وسلم - : هل منكم أحد أمره ، أو أشار إليه بشيء ؟ وفي أخرى : أو أعانه ؟ قالوا : لا ، ( فقال ) : فكلوا ما بقي من لحمها ( إنما هي طعمة ) - بضم الطاء ، وسكون العين - أي طعام ( أطعمكموها الله ) ، عز وجل .

                                                                                                          وفيه جواز أكل المحرم لحم الصيد إذا لم يكن منه دلالة ، أو إعانة عليه ، أو إشارة إليه ، فإن صاده ، أو صيد لأجله بإذنه ، أم بغير إذنه حرم عند الجمهور ، لحديث جابر ، مرفوعا : " صيد البر لكم حلال ما لم تصيدوه ، أو يصاد لكم " ، رواه أبو داود ، والترمذي ، والنسائي ، وإلى هذا ذهب الجمهور ، ومالك ، والشافعي ، وأحمد

                                                                                                          وقال أبو حنيفة ، وطائفة : يجوز أكل ما صيد لأجله لظاهر حديث أبي قتادة أنه صاده لأجلهم ، وتعقب بأنه يحتاج إلى نقل أنه صاده لأجلهم ، [ ص: 414 ] والجمع بينه وبين حديث جابر بما ذهب إليه الجمهور أولى من طرح حديث جابر ، فإن قيل : كيف لم يحرم أبو قتادة مع مجاوزته الميقات ، وذلك لا يجوز ؟ أجاب عياض بأن المواقيت لم تكن وقتت بعد ، وقيل : لأنه - صلى الله عليه وسلم - بعث أبا قتادة ، ورفقته لكشف عدو لهم بجهة الساحل ، كما في الصحيحين ، وقيل : إنه خرج معهم ، ولم ينو حجا ، ولا عمرة ، قال عياض : وهذا بعيد ، وقيل : إنه لم يخرج معه - صلى الله عليه وسلم - من المدينة ، بل بعثه أهلها إليه ليعلمه أن بعض العرب يقصدون الإغارة على المدينة ، ورد بقوله في الحديث أنه كان مع رسول الله حتى إذا كان ببعض طريق مكة تخلف مع أصحاب له ، وأخرجه البخاري في الجهاد ، عن عبد الله بن يوسف ، وفي كتاب الصيد عن إسماعيل ، ومسلم عن يحيى ، وقتيبة بن سعيد ، وأبو داود عن القعنبي ، والترمذي عن قتيبة الخمسة عن مالك به ، وله متابعات وطرق كثيرة في الصحيحين وغيرهما ، قال ابن عبد البر : لا تختلف علماء الحديث في ثبوته ، وصحته .




                                                                                                          الخدمات العلمية