الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                                                                                          1565 - مسألة : وبيع الكلأ جائز في أرض وبعد قلعه ; لأنه مال من مال صاحب الأرض ، وكل ما تولد من مال المرء فهو من ماله ، كالولد من الحيوان ، والثمر ، والنبات واللبن ، والصوف ، وغير ذلك : { وأحل الله البيع } ولم يأت نص بتحريم بيع شيء من ذلك كله : { وما كان ربك نسيا } ، { وقد فصل لكم ما حرم عليكم } .

                                                                                                                                                                                          وقال أبو حنيفة : لا يحل بيع الكلأ إلا بعد قلعه .

                                                                                                                                                                                          قال علي : وما نعلم لهذا القول حجة أصلا وإنما هو تقسيم فاسد ، ودعوى ساقطة - فإن ذكر ذاكر - : [ ص: 558 ] ما روينا من طريق حريز بن عثمان أنا أبو خداش " أنه سمع { رجلا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إنه غزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث غزوات فسمعه يقول : المسلمون شركاء في ثلاث الماء والكلأ والنار } .

                                                                                                                                                                                          ورواه أيضا حريز بن عثمان عن حبان بن زيد الشرعبي - وهو أبو خداش نفسه - عن رجل من قرن .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق الحذافي أخبرني يزيد بن مسلم الجريري قال لي وهب بن منبه : قال النبي صلى الله عليه وسلم : { اتقوا السحت بيع الشجر وإجارة الأمة المسافحة وثمن الخمر } .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق أبي داود أنا عبيد الله بن معاذ العنبري أنا أبي كهمس عن سيار بن منظور الفزاري عن أبيه عن بهيسة عن أبيها { سأل النبي صلى الله عليه وسلم ما الذي لا يحل بيعه ؟ فأجابه : الماء ، والملح } .

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد : هذا كله لا شيء - أبو خداش هو حبان بن زيد الشرعبي نفسه - وهو مجهول - .

                                                                                                                                                                                          وأيضا : فإنه مخالف لقول الحنفيين ; لأنهم لا يختلفون في أن صاحب الماء أولى به لا يشاركه فيه غيره ، وكذلك صاحب النار - فبطل تعلقهم بهذا الخبر .

                                                                                                                                                                                          وأيضا : فإنهم لا يختلفون في أن من أخذ ماء في إناء أو كلأ فجمعه ، فإنه يبيعهما ولا يشاركه فيهما أحد - وهذا خلاف عموم الخبر فعاد حجة عليهم .

                                                                                                                                                                                          فإن قالوا : إنما عنى به الكلأ قبل أن يجمع ؟ قلنا : بل الكلأ الثابت في الأرض غير المملوكة - وهذا التأويل متفق عليه وتأويلكم دعوى مختلف فيها لا برهان على صحته .

                                                                                                                                                                                          وأما حديث وهب بن منبه فمنقطع ، ثم القول فيه وفي خلافهم له كالقول في حديث حريز بن عثمان ولا فرق - وحديث بهيسة مجهول عن مجهول عن مجهولة - ثم [ ص: 559 ] ليس فيه ذكر الكلأ أصلا - وكان يلزم المالكيين القائلين بالمرسل الأخذ بهذه المراسيل ، لكنهم تناقضوا فتركوها .

                                                                                                                                                                                          وروينا عن عبد الرزاق عن معمر عن عبد الله بن طاوس عن أبيه أنه لم يجز لصاحب الأرض بيع كلأ أرضه وأباح له أن يحميه لدوابه .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق عبد الرزاق عن وهب بن نافع أنه سمع عكرمة يقول : لا تأكلوا ثمن الشجر فإنه سحت - وعن الحسن أنه كره بيع الكلأ كله

                                                                                                                                                                                          حدثنا محمد بن سعيد بن نبات أنا إسماعيل بن إسحاق النصري أنا عيسى بن حبيب أنا عبد الرحمن بن عبد الله بن محمد أنا جدي محمد بن عبد الله بن يزيد المقري قال : قال لنا سفيان بن عيينة : ثلاث لا يمنعن : الماء والكلأ ، والنار .

                                                                                                                                                                                          فهؤلاء أخذوا بعموم هذه المراسيل فمن ادعى من أصحاب أبي حنيفة الخصوم فقد كذب ، ولهذا أوردناها .

                                                                                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                                                                                          الخدمات العلمية