الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                      صفحة جزء
                                                                      باب في صلاة القاعد

                                                                      950 حدثنا محمد بن قدامة بن أعين حدثنا جرير عن منصور عن هلال يعني ابن يساف عن أبي يحيى عن عبد الله بن عمرو قال حدثت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال صلاة الرجل قاعدا نصف الصلاة فأتيته فوجدته يصلي جالسا فوضعت يدي على رأسي فقال ما لك يا عبد الله بن عمرو قلت حدثت يا رسول الله أنك قلت صلاة الرجل قاعدا نصف الصلاة وأنت تصلي قاعدا قال أجل ولكني لست كأحد منكم

                                                                      التالي السابق


                                                                      ( قال حدثت ) على البناء للمجهول أي حدثني الناس من الصحابة ( صلاة الرجل قاعدا نصف الصلاة ) أي قائما .

                                                                      [ ص: 171 ] قال النووي : معناه أن ثواب القاعد فيها نصف ثواب القائم ، فيتضمن صحتها ونقصان أجرها . قال : وهذا الحديث محمول علىصلاة النفل قاعدا مع القدرة على القيام فهذا له نصف ثواب القائم ، وأما إذا صلى النفل قاعدا لعجزه عن القيام فلا ينقص ثوابه بل يكون كثوابه قائما ، وأما الفرض فإن الصلاة قاعدا مع قدرته على القيام لم يصح فلا يكون فيه ثواب بل يأثم . قال أصحابنا وإن استحله كفر وجرت عليه أحكام المرتدين كما لو استحل الربا والزنا أو غيره من المحرمات الشائعة التحريم ، وإن صلى الفرض قاعدا لعجزه عن القيام ، أو مضطجعا لعجزه عن القيام والقعود فثوابه كثوابه قائما لا ينقص باتفاق أصحابنا فيتعين حمل الحديث في تنصيف الثواب على من صلى النفل قاعدا مع قدرته على القيام . هذا تفصيل مذهبنا وبه قال الجمهور في تفسير هذا الحديث ، وحكاه القاضي عياض عن جماعة منهم الثوري وابن الماجشون ، وحكي عن الباجي من أئمة المالكية أنه حمله على المصلي فريضة لعذر أو نافلة لعذر أو لغير عذر . قال : وحمله بعضهم على من له عذر يرخص في القعود في الفرض والنفل ويمكنه القيام بمشقة . انتهى ( فوضعت يدي على رأسي ) أي بالتعجب ، وفي رواية مسلم : " فوضعت يدي على رأسه " قال علي القاري : أي ليتوجه إليه وكأنه كان هناك مانع من أن يحضر بين يديه ، ومثل هذا لا يسمي خلاف الأدب عند طائفة العرب لعدم تكلفهم وكمال تألفهم ( ولكني لست كأحد منكم ) قال النووي : هو عند أصحابنا من خصائص النبي - صلى الله عليه وسلم - فجعلت نافلته قاعدا مع القدرة على القيام كنافلته قائما تشريفا له كما خص بأشياء معروفة في كتب أصحابنا وغيرهم . وقال القاضي عياض : معناه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لحقه مشقة من القيام بحطم الناس وللسن فكان أجره تاما بخلاف غيره من لا عذر له هذا كلامه وهو ضعيف أو باطل لأن غيره - صلى الله عليه وسلم - إن كان معذورا فثوابه أيضا كامل ، وإن كان قادرا على القيام فليس هو كالمعذور فلا يبقى فيه تخصيص ، فلا يحسن على هذا التقدير لست كأحد منكم وإطلاق هذا القول ، فالصواب ما قاله أصحابنا إن نافلته - صلى الله عليه وسلم - قاعدا مع القدرة على القيام ثوابها كثوابه قائما وهو من الخصائص والله أعلم . انتهى .

                                                                      قال المنذري : وأخرجه مسلم والنسائي .




                                                                      الخدمات العلمية