الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                            صفحة جزء
                                                            باب الحوالة

                                                            عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: مطل الغني ظلم وإذا أتبع أحدكم على مليء فليتبع وعن همام عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن من الظلم فذكره وفي رواية للبيهقي وإذا أحيل أحدكم على مليء فليحتل .

                                                            التالي السابق


                                                            (باب الحوالة)

                                                            (الحديث الأول)

                                                            عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال مطل [ ص: 161 ] الغني ظلم، وإذا أتبع أحدكم على مليء فليتبع وعن همام عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن من الظلم فذكره.

                                                            (فيه) فوائد:

                                                            (الأولى) أخرجه من الطريق الأولى البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي من هذا الوجه من طريق مالك وأخرجه البخاري أيضا والترمذي من طريق سفيان الثوري وأخرجه النسائي وابن ماجه من طريق سفيان بن عيينة ورواه البيهقي من رواية معلى بن منصور عن أبي الزناد بلفظ (وإذا أحيل أحدكم على مليء فليحتل) أربعتهم عن أبي الزناد وأخرجه من الطريق الثانية مسلم من طريق عبد الرزاق وعيسى بن يونس كلاهما عن معمر وأحال به على الطريق الأول فقال إنه مثله ولفظه عند البيهقي إن من الظلم مطل الغني وإذا أتبع أحدكم على مليء فليتبع وروى البخاري الجملة الأولى فقط من طريق عبد الأعلى بن عبد الأعلى بن معمر .

                                                            (الثانية) المشهور في قوله عليه الصلاة والسلام (مطل الغني ظلم) أنه من إضافة المصدر إلى الفاعل، والمراد أنه يحرم على الغني القادر على وفاء الدين أنه يمطل به ويمتنع من قضائه بعد استحقاقه بخلاف العاجز عن الوفاء فإنه غير ظالم بالامتناع، وذكر بعضهم أنه من إضافة المصدر للمفعول، والمعنى أنه يجب وفاء الدين، وإن كان مستحقه غنيا غير محتاج إليه فمن طريق الأولى وجوب وفائه فيما إذا كان مستحقه محتاجا إليه فهو من مفهوم الموافقة وعلى الأول هو من مفهوم المخالفة. وقال والدي في شرح الترمذي إن هذا الثاني تعسف وتكلف.

                                                            (الثالثة) قد عرفت أن المراد بالغنى القدرة على وفاء الدين وبضده العجز عن ذلك فلو كان من عليه الدين غنيا إلا أنه غير متمكن من الأداء لغيبة المال أو لغير ذلك فإنه يجوز له التأخير [ ص: 162 ] إلى الإمكان ثم يحتمل أن يقال: إنه مخصوص من مطل الغني، ويحتمل أن يقال: المراد بالغني المتمكن من الأداء فلا يدخل هذا، ذكرهما النووي في شرح مسلم وقوة كلامه تقتضي ترجيح الأول والظاهر الثاني ؛ لأن من هو بهذه الصفة يجوز له الأخذ من الزكاة، ولو كان غنيا لم يأخذ منها ؛ لأنها للفقراء ومن ذكر معهم دون الأغنياء. .

                                                            (الرابعة) لو لم يكن له مال لكنه قادر على التكسب فهل يجب عليه ذلك لوفاء الدين أطلق أكثر أصحابنا ومنهم الرافعي والنووي أنه ليس عليه ذلك وفصل أبو عبد الله محمد بن الفضل الفراوي فيما حكاه ابن الصلاح في فوائد الرحلة بين أن يلزمه الدين بسبب هو عاص به فيجب عليه الاكتساب لوفائه أو غير عاص فلا. قال شيخنا الإمام جمال الدين الإسنوي وهو واضح ؛ لأن التوبة فيما فعله واجبة وهي متوقفة في حقوق الآدميين على الرد. انتهى. ولو قيل بوجوب التكسب مطلقا لم يبعد كالتكسب لنفقة الزوجة والقريب وكما أن القدرة على الكسب كالمال في منع أخذ الزكاة يبقى النظر في أن لفظ هذا الحديث هل يتناوله إن فسرنا الغنى بالمال فلا، وإن فسرناه بالقدرة على وفاء الدين فنعم وكلامهم فيمن له مال غائب يوافق الثاني، والله أعلم .



                                                            (الخامسة) هل يتوقف وجوب أداء الدين على مطالبة مستحقه أم لا اختلف فيه الشافعية فممن قال: إنه لا يجب الأداء إلا بعد الطلب إمام الحرمين في الوكالة من النهاية وأبو المظفر السمعاني في القواطع في أصول الفقه والشيخ عز الدين بن عبد السلام في القواعد الكبرى وهو مفهوم تقييد النووي في التفليس بالطلب وبحث الإمام في النهاية في كتاب القاضي وجوب الأداء من غير طلب، وقال الماوردي : إذا كان على المحجور دين وجب على الولي قضاؤه إذا طالب به صاحبه أو لم يطالب، ولكن كان مال المحجور ناضا خشية التلف، وإن كان أرضا أو عقارا تركهم على خياره في المطالبة إذا شاءوا وذكر الرافعي والنووي في الحجر أن الولي يخرج من ماله الزكوات وأروش الجنايات، وإن لم تطلب ونفقة القريب بعد الطلب وقال الشيخ عز الدين بعد ذكره عدم الوجوب عند عدم الطلب: فإن ظهرت قرائن حالية تشعر بالطلب ففي وجوبه احتمال وتردد [ ص: 163 ] وقال ابن الرفعة في الكفاية: قال صاحب البحر في كتاب الغصب: يحتمل أن يقال إن كان وجوبه برضا المالك فهو على التراضي ويتعين أداؤه بالمطالبة أو لخوف منه على ماله أن يفوت، وإن كان وجوبه بغير رضا المالك فالقضاء على الفور ؛ لأنه صاحبه لم يرض بوجوبه في ذمته ويحتمل فيما إذا كان وجوبه بغير رضاه أن يكون على التراخي أيضا إذا كان بغير تعد وكان المستحق عالما به. انتهى.

                                                            وينبغي وجوب الأداء من غير طلب فيما إذا كان الدين لمحجور ذكره في المهمات وقال أصحابنا في الجنائز: إنه تجب المبادرة إلى وفاء دين الميت تبرئة لذمته وخوفا من تلف ماله، وقد تحصل من ذلك وجوب الوفاء في صور.

                                                            (أحدها) المطالبة الصريحة أو ما يقوم مقامها.

                                                            (الثاني) أن يكون الدين لمحجور.

                                                            (الثالث) أن يكون على محجور يخشى تلف ماله.

                                                            (الرابع) أن يكون على ميت.

                                                            (الخامس) أن يكون وجوبه بغير رضا مستحقه إما مطلقا أو بشرط أن يكون متعديا والمستحق غير عالم على ما تقدم بيانه، وهذا الحديث لا يدل على وجوب الأداء إلا في صورة المطالبة خاصة ؛ لأن لفظ المطل يشعر بتقدم الطلب.

                                                            وأما الوجوب في غيرها إذا قيل به فبدليل آخر .



                                                            (السادسة) استدل به سحنون وأصبغ من المالكية على أن المماطل فاسق مردود الشهادة ونازعهما غيرهما في ذلك، وقالوا لا يلزم من تسميته ظلما أن يكون كبيرة فإن الظلم يطلق على كل معصية كبرت أو صغرت فلا ترد شهادته حتى يتكرر ذلك منه ويصير عادة له والخلاف في ذلك عند المالكية وقال النووي في شرح مسلم : مقتضى مذهبنا اشتراط التكرار .



                                                            (السابعة) يستدل بتسمية المطل ظلما على إلزام الماطل بدفع الدين والتوصل إلى ذلك بكل طريق من إكراهه على الإعطاء، وأخذه منه قهرا وحبسه وملازمته فإن الأخذ على يد الظالم واجب وهو كذلك، وحكى شريح والروياني من أصحابنا وجهين في تقييد المحبوس إذا كان لحوحا صبورا على الحبس .



                                                            (الثامنة) استدل به على أن المعسر لا تجوز مطالبته حتى يوسر ولا يجوز حبسه ولا ملازمته وهو مذهب مالك والشافعي والجمهور قال الله تعالى وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة وحكي عن ابن شريح حبسه حتى يقضي [ ص: 164 ] الدين، وإن ثبت إعساره، وعن أبي حنيفة أن الحاكم لا يمنع غرماءه من ملازمته .



                                                            (التاسعة) لو اختلف مستحق الدين ومن هو عليه في أن الذي عليه الدين موسر أو معسر ففي المصدق منهما خلاف مبني على أن الأصل في الناس اليسار أو الإعسار، وقد ذهب إلى الأول أكثر المالكية كما حكاه ابن عبد البر وذهب الشافعية والجمهور إلى الثاني فصدق المالكية من له الدين حتى يقيم غريمه البينة على الإعسار.

                                                            وقال الشافعية : إن لزمه الدين في مقابلة مال بأن اشترى أو اقترض أو باع سلما فعليه البينة، وإن لزمه لا في مقابلة مال ففيه ثلاثة أوجه (أصحها) أنه يقبل قوله بيمينه.

                                                            و (الثاني): يحتاج إلى البينة. و (الثالث) إن لزمه باختياره كالصداق والضمان لم يقبل واحتاج إلى البينة، وإن لزمه لا باختياره كأرش الجنايات وغرامة المتلف قبل قوله بيمينه ؛ لأن الظاهر أنه لا يشغل ذمته إلا بما يقدر عليه وهذا الاختلاف بين بين العلماء سببه اختلافهم في الغنى ظاهرا وأما في نفس الأمر فالمطل حرام على الغني دون غيره، والله أعلم .



                                                            (العاشرة) قوله وإذا (أتبع أحدكم على مليء فليتبع) هو بإسكان التاء في أتبع وفي فليتبع مثل أعلم فليعلم قال النووي في شرح مسلم : هذا الصواب المشهور في الروايات والمعروف في كتب اللغة وكتب الغريب ونقل القاضي عياض وغيره عن كتب المحدثين أنه بتشديدها في الكلمة الثانية والصواب الأول ومعناه إذا أحيل بالدين الذي له على موسر فليحتل يقال منه تبعت الرجل بحقي أتبعه تباعا فأنا تبيع إذا طلبته. قال الله تعالى ثم لا تجدوا لكم علينا به تبيعا انتهى.

                                                            وقال الخطابي أصحاب الحديث يقولون إذا اتبع بتشديد التاء وهو غلط وصوابه أتبع ساكنة التاء على وزن أفعل.

                                                            (الحادية عشرة) فيه الأمر بقبول الحوالة على المليء واختلف العلماء في ذلك على ثلاثة مذاهب:

                                                            (أحدها) أنه محمول على الاستحباب والندب دون الوجوب وبهذا قال مالك والشافعي وأبو حنيفة والجمهور. .

                                                            و (الثاني) أنه واجب كما هو ظاهر الحديث، وهو مذهب داود وابن حزم وغيرهما من أهل الظاهر وقال به أبو ثور ومحمد بن جرير الطبري قال ابن جرير ولست، وإن أوجبت ذلك فيما بينه وبين الله تعالى بمجبره حكما على [ ص: 165 ] قبول الحوالة للإجماع على أنه غير مجبر على ذلك حكما. انتهى.

                                                            وقال بالوجوب أيضا الحنابلة وعبارة ابن تيمية في المحرر، وإن لم يرض لم يجبر على قبولها إلا على مليء بماله وقوله وندبه فيجبر وهل تبرأ ذمة محيله قبل أن يجبره الحاكم على روايتين، ونقل ابن العربي إجماع أهل القرون الثلاثة السابقة على خلاف هذا المذهب وهو الوجوب.

                                                            (الثالث) أن ذلك على طريق الإباحة دون الوجوب والاستحباب فأعلم الشارع بهذا الكلام صحة هذه المعاملة وجوازها، ولم يطلب تحصيلها.

                                                            (الثانية عشرة) استدل به ابن حزم على أنه لا تجوز الحوالة إلا على مليء فلو أحاله على غير مليء فهو فاسد وحقه باق على المحيل كما كان سواء درى أنه غير مليء أم لا، وفيه نظر فإنه لم يمنع في الحديث من الحوالة على غير المليء، وإنما أمر بقبول الحوالة على المليء وسكت عن الحوالة على غيره فلم يأمر بقبولها ولم ينه عنه بل الأمر فيها إلى خيرة المحال والله أعلم.

                                                            (الثالثة عشرة) الحكمة في الجمع بين هاتين الجملتين من وجهين:

                                                            (أحدهما) وهو الأظهر أنه لما ذكر أن مطل الغني ظلم عقبه بأنه ينبغي قبول الحوالة على المليء ؛ لما في قبولها من دفع الظلم الحاصل بالمطل فإنه قد تكون مطالبة المحال عليه سهلة على المحتال دون المحيل ففي قبول الحوالة عليه إعانة له على ترك الظلم.

                                                            (ثانيهما) أنه عقب كون مطل الغني ظلما بأنه ينبغي أن يحتال على المليء فإنه لا ضرر عليه في ذلك ؛ لأن الظاهر من حال المسلم الاحتراز عن الظلم أو لأن المليء لا يتعذر استيفاء الحق منه عند الامتناع بل يأخذه منه الحاكم قهرا ويوفيه فيحصل الغرض بقبول الحوالة من غير مفسدة بقاء الحق وأورد الشيخ تقي الدين في شرح العمدة لفظ الحديث (فإذا أتبع أحدكم) بالفاء وقال: في الحديث إشعار بأن الأمر بقبول الحوالة على المليء معلل بكون مطل الغني ظلما ولعل السبب فيه، فذكر هذين المعنيين اللذين ذكرتهما آنفا في الوجه الثاني. ثم قال: والمعنى الأول أرجح لما فيه من بقاء معنى التعليل بكون المطل ظلما وعلى المعنى الثاني تكون العلة عدم توى الحق لا الظلم. ا هـ.

                                                            وذكر الرافعي أن الأشهر في الرواية بالواو ويروى بالفاء قال: فعلى الأول هو مع قوله مطل الغني ظلم جملتان لا تعلق للثانية بالأولى وعلى الثاني [ ص: 166 ] يجوز أن يكون المعنى أنه إذا كان المطل ظلما من الغني فليقبل الحوالة عليه فإن الظاهر أنه يتحرز عن الظلم ولا يمطل. انتهى. وقد بينا ما بين الجملتين من التعلق والارتباط مع عطفها عليها بالواو والله أعلم .



                                                            (الرابعة عشرة) ظاهره أن المعتبر في صحة الحوالة رضا المحيل والمحتال فقط ؛ لأنهما اللذان اعتبر الشرع فعلهما ذاك بالإحالة، وهذا بقبولها دون المحال عليه فإنه لا ذكر له في الحديث، وبهذا قال مالك وأحمد وهو الأصح عند الشافعية وذهب الإصطخري والزبيري منهم إلى أنه يشترط رضاه أيضا فإنه أحد أركان الحوالة فأشبه المحيل والمحتال وبهذا قال أبو حنيفة وذكر صاحب الهداية من الحنفية أن الحوالة تصح بدون رضا المحيل وعلله بأن التزام الدين من المحال عليه تصرف في حق نفسه وهو لا يتضرر به بل فيه نفعه ؛ لأنه لم يرجع عليه إذا لم يكن بأمره.

                                                            (الخامسة عشرة) ظاهره انتقال الدين من ذمة المحيل إلى ذمة المحال عليه فإنه لولا ذلك لما قيد الأمر بقبولها بكون المحال عليه مليئا فإنه لا ضرر حينئذ عليه في الحوالة على المعسر لبقاء حقه في ذمة المحيل بحاله وبهذا قال الأئمة الأربعة في الجملة، وقال زفر والقاسم بن معين لا يبرئ المحيل كالضمان وقال عثمان البتي لا يبرأ إلا إن اشترط البراءة وكانت الحوالة على موسر أو على معسر وأعلمه بإعساره فإن لم يعلمه بإعساره فلا براءة ولو شرطها.

                                                            (السادسة عشرة) يترتب على انتقال الدين وبراءة المحيل أن المحتال لا يرجع عليه بحال وبهذا قال الشافعي والليث بن سعد وغيرهما حتى لو أفلس المحال عليه ومات أو لم يمت أو جحد وحلف لم يكن للمحتال الرجوع على المحيل كما لو تعوض عن الدين ثم تلف العوض في يده فلو شرط في الحوالة الرجوع بتقدير الإفلاس أو الجحود فهل تصح الحوالة والشرط أم الحوالة فقط أم لا يصحان ؟ فيه ثلاثة أوجه عند الشافعية هذا إذا طرأ الإفلاس فلو كان مفلسا حال الحوالة فالصحيح الذي نص عليه الشافعي وقال به جمهور أصحابه أنه لا خيار للمحتال سواء شرط يساره أم أطلق.

                                                            وقال بعضهم يثبت الخيار في الحالتين واختاره الغزالي وقال بعضهم يثبت إن شرط فقط.

                                                            وقال الحنابلة [ ص: 167 ] يرجع على المحيل إذا شرط ملاءة المحال عليه فتبين مفلسا. وقال المالكية : يرجع عليه فيما إذا حصل منه غرور بأن يكون إفلاس المحال عليه مقترنا بالحوالة وهو جاهل به مع علم المحيل به.

                                                            وقال الحنفية يرجع عليه فيما إذا توى حقه والتوى عند أبي حنيفة أحد أمرين إما أن يجحد الحوالة ويحلف ولا بينة عليه أو يموت مفلسا، وقال أبو يوسف ومحمد يحصل التوى بأمر ثالث وهو أن يحكم الحاكم بإفلاسه في حال حياته قال صاحب الهداية: وهذا بناء على أن الإفلاس لا يتحقق بحكم القاضي عنده ؛ لأن مال الله غاد ورائح. انتهى.

                                                            ومن العجيب قول الخطابي أن ابن المنذر حكى قولا لا أحفظه أنه لا يرجع بإفلاسه حيا بل بموته مفلسا وقد عرفت أنه مذهب أبي حنيفة قال الشافعي : واحتج محمد بن الحسن بأن عثمان بن عفان قال في الحوالة أو الكفالة يرجع صاحبها لا توى على مال مسلم فسألته عن هذا الحديث فزعم أنه عن رجل مجهول عن رجل معروف منقطع عن عثمان فهو في أصل قوله يبطل من وجهين، ولو كان ثابتا عن عثمان لم يكن فيه حجة ؛ لأنه لا يدري أقال ذلك في الحوالة أو الكفالة قال البيهقي هذا حديث رواه شعبة عن خليد بن جعفر عن أبي إياس معاوية بن قرة عن عثمان وأراد بالرجل المجهول خليد بن جعفر وليس بالمعروف جدا ولم يحتج به البخاري في كتابه.

                                                            وأما مسلم فإنه أخرجه مع المستمر بن الريان في الحديث الذي يرويانه عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري في المسك وغيره وكان شعبة يروي عنه ويثني عليه خيرا وأراد بالرجل المعروف معاوية بن قرة وهو منقطع كما قال الشافعي فهو من الطبقة الثالثة من تابعي أهل البصرة ولم يدرك عثمان ولا كان في زمانه انتهى.

                                                            وقال سفيان الثوري إذا أحاله على رجل وأفلس فليس له أن يرجع على المحيل إلا بمحضرهما، وإن مات وله ورثة ولم يترك شيئا رجع حضروا أو لم يحضروا وحكى ابن حزم عن علي وشريح والحسن والنخعي والشعبي أنه يرجع على المحيل إذا أفلس المحال عليه أو مات، وعن الحكم لا يرجع إلا أن يموت.

                                                            (السابعة عشرة) لم يعتبر أصحابنا في [ ص: 168 ] صحة الحوالة اعتراف المحال عليه ولا قيام بينة عليه بذلك بل صححوها مع جحوده واعتبر مالك ثبوته بالإقرار فقط واعتبر آخرون بثبوته ولو بالبينة، وإطلاق الحديث يدل على أنه لا يعتبر ثبوته، والله أعلم .




                                                            الخدمات العلمية