الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم [ 7 ] .

                                                                                                                                                                                                                                        أي الثواب لكم ، وهو شرط وجوابه ، ( وإن أسأتم فلها ) أي يحصل العقاب لها ، و " لها " بمعنى " عليها " لا يقوله النحويون الحذاق ، وهو قلب المعنى ، وليس احتجاجهم بالحديث : " اشترطي الولاء لهم " بشيء ، وقد اختلف في هذا الحديث ؛ فرواه جماعة على هذا اللفظ من حديث مالك بن أنس ، وهو رواية الشافعي [ ص: 416 ] عنه : " واشترطي الولاء لهم " ، وهذا معنى صحيح بين . يقال : اشترط الشيء ؛ إذا بينه ، كما قال :


                                                                                                                                                                                                                                        فأشرط فيها نفسه وهو معصم



                                                                                                                                                                                                                                        وعلى الرواية الأخرى يكون المعنى " واشترطي الولاء لهم " أي من أجلهم ، كما تقول : أنا أكرم فلانا لك . وفيه قول آخر : يكون بمعنى النهي على التهديد والوعيد ( فإذا جاء وعد الآخرة ) أي وعد المرة الآخرة ، وأقيمت الصفة مقام الموصوف . قرأ أهل المدينة ، وأهل البصرة : ( ليسوءوا ) على الجمع . وقرأ أهل الكوفة : ( ليسوء وجوهكم ) على التوحيد ، إلا الكسائي فإنه قرأ : ( لنسوء وجوهكم ) ، وزعم أنها قراءة علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - . وعن أبي بن كعب روايتان : إحداهما أنه قرأ : ( لنسوءن وجوهكم ) اللام مفتوحة وهي لام قسم بالنون الخفيفة ، والوقف عليها بالألف فرقا بين الخفيفة والثقيلة . وروي عنه : ( ليسيء وجوهكم ) بياءين وهمزة . قال أبو جعفر : القراءة الأولى على الجمع يدل عليها : ( وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا ) . والقراءة الثانية فيها ثلاثة أقوال : يكون المعنى : ليسوء الله - جل وعز - . وقال الفراء : ليسوء العذاب . قال أبو إسحاق : ليسوء الوعد ، واللام فيهما لام كي . وكذا القراءة الثالثة . وفي الكلام حذف ، والمعنى : فإذا جاء وعد الآخرة بعثناهم ، فهذا الفعل جواب " إذا " ، ولام كي متعلقة به . وفي معنى " بعثناهم " قولان : أحدهما : خلينا بينكم [ ص: 417 ] وبينهم ، ولم نخوفهم منكم ، فكان هذا مجازا جعل التخلية ، وترك التخويف بعثا ، ومثله : ( أنا أرسلنا الشياطين على الكافرين ) . والقول الآخر : معنى بعثنا عليكم أمرناهم بغزوكم لما عصيتم وأفسدتم ، وهذا حقيقة لا مجاز . وزعم الفراء أن من قرأ ( ليسوءا وجوهكم ) فهو الجواب عنده بغير حذف ، ولكنه أضمر فعلا في " وليتبروا " قال قتادة : المعنى : وليتبروا ما علوا عليه . وقال غيره : وليتبروا ما داموا عالين ، وحقيقته في العربية : وليتبروا وقت علوهم ، كما تقول : فلان يؤذيك ما ولي .

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية