الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
والطهارة .

التالي السابق


(و) الثاني (الطهارة) أي: من الحدث والخبث في الثوب والبدن والمكان الذي يصلي فيه، فلا تصح صلاته مع عدمها، ولو مع جهله بوجوده أو بكونه مبطلا، ولو رأينا في ثوب من يريد الصلاة نجاسة لا يعلم بها وجب إعلامه، واستثني من المكان ما لو كثر زرق الطير فيه، فإنه يعفى عنه للمشقة في الاحتراز منه، وقيد في المطلب العفو بما إذا لم يتعمد المشي عليه. قال الزركشي: وهو قيد معتبر، وقال الشهاب الرملي: وأن لا يكون رطبا أو رجله مبلولة، ولو تنجس ثوبه بما لا يعفى عنه ولم يجد ما يغسله به وجب قطع موضعها إن لم تنقص قيمته بالقطع أكثر من أجرة ثوب يصلي فيه، لو اكتراه، قاله المتولي، وقال الإسنوي: يعتبر أكثر الأمرين من ذلك، ومن ثمن الماء لو اشتراه مع أجرة غسله عند الحاجة؛ لأن كلا منهما لو انفرد وجب تحصيله اهـ .

ولو اشتبه عليه طاهر من ثوبين اجتهد فيهما للصلاة كما في الأواني، كذا في المحرر، ولو اجتهد في الثوبين، فلم يظهر له شيء صلى عاريا لحرمة الوقت، وأعاد لتقصيره بعدم إدراك العلامة، ولو غسل أحد الثوبين بالاجتهاد صحت الصلاة فيهما ولو جمعهما عليه ولو تنجس بعض ثوب أو بدن أو مكان ضيق وجهل ذلك، وجب غسل كله لتصح الصلاة فيه، إذ الأصل بقاء النجاسة ما بقي جزء منه، فإن كان المكان واسعا لم يجب عليه الاجتهاد، ولكن يسن، فله أن يصلي فيه بلا اجتهاد، والوسع والضيق راجعان إلى العرف .



" (فصل)

قال أصحابنا: الأصل في لزوم تطهير الثوب قوله تعالى: وثيابك فطهر ، وإذا لزم التطهير في الثوب لزم في البدن والمكان بطريق الأولى؛ لأنهما ألزم للمصلي من الثوب إذ لا وجود للصلاة بدون مكان، وقد توجد بدون ثوب كما في صلاة العاري، فالوارد في الثوب عبارة، والوارد في البدن والمكان دلالة؛ لأن الصلاة مناجاة مع الرب، فيجب أن يكون المصلي على أحسن الأحوال، وذا في طهارته وطهارة ما يتصل به من الثوب والمكان، ولو صلى على مكان طاهر إلا أنه إذا سجد تقع ثيابه على أرض نجسة إن كانت لا تلوث ثيابه جازت صلاته، ويشترط طهارة موضع القدمين، فلو وضع واحدة منهما على نجس لا تصح صلاته على الأصح، وإن وضع واحدة فقط على طهارة ورفع الأخرى صحت مع كراهة، ولو افترش نعليه على نجس وقام عليهما جازت بمنزلة ما لو بسط الثوب الطاهر على الأرض النجسة وصلى عليه، وإن افتتح الصلاة على مكان طاهر ثم انتقل إلى مكان نجس ولم يمكث مقدار ركن صحت اتفاقا، وإن كان مقدار [ ص: 134 ] ركن من غير أدائه، فسدت عند أبي يوسف احتياطا كما لو أدى ركنا مع المكث، وحكم الانكشاف كذلك إذا كان بغير صنعه، ويشترط طهارة موضع اليدين والركبتين على الصحيح، واختاره الفقيه أبو الليث، ومخالفته في المسألة شذوذ، ويشترط طهارة موضع الجبهة على الأصح من الروايتين عن أبي حنيفة، وهو قولهما، وإذا صلى في خيمة وصار سقفها على رأسه لتمام قيامه جاز إن كانت طاهرة، وإلا فلا، ولو كان في يده حبل مربوط بنجس إن سقط على الأرض ولم يتحرك بحركته صحت صلاته، والصبي إذا جلس في حجر المصلي وهو يستمسك وبه نجاسة على بدنه أو ثوبه، أو جلس طير متنجس على رأس المصلي جازت صلاته إذا لم ينفصل إليه من النجاسة ما لا يعفى عنه؛ لأن الشرط خلو الجسد والثوب والمكان عنه، والله أعلم .




الخدمات العلمية