الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          فصل : وتصرفات الغاصب الحكمية ، كالحج وسائر العبادات والعقود كالبيع ، والنكاح ، ونحوها باطلة في إحدى الروايتين ، والأخرى صحيحة ، فإن اتجر بالدراهم فالربح لمالكها ، وإن اشترى في ذمته ثم نقدها فكذلك ، وعنه : الربح للمشتري ، وإن اختلفا في قيمة المغصوب أو قدره أو صناعة فيه ، فالقول قول الغاصب ، وإن اختلفا في رده أو عيب فالقول قول المالك ، وإن بقيت في يده غصوب لا يعرف أربابها ، تصدق بها عنهم بشرط الضمان كاللقطة .

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          فصل

                                                                                                                          ( وتصرفات الغاصب الحكمية ) هي بالرفع صفة لتصرفات ، والحكمية : ما كان لها حكم في الصحة والفساد ، فالصحيح من العبادة ما أجزأ فاعله أو أسقط عنه القضاء ، وفي العقود ما ترتب أثره عليه من الانتفاع في البيع والاستمتاع في النكاح ، والفاسد وهو الباطل ما ليس كذلك ( كالحج وسائر العبادات ) كالطهارة ، والصلاة [ ص: 187 ] والزكاة ( والعقود كالبيع ، والنكاح ، ونحوها ) كالإجارة ( باطلة في إحدى الروايتين ) وهي ظاهر المذهب ; لأن ذلك التصرف تصرف الفضولي ، والصحيح من المذهب أنه باطل ، وقد تقدم ( والأخرى صحيحة ) مطلقا ، ذكرهأبو الخطاب ; لأن الغاصب تطول مدته غالبا ، وتكثر تصرفاته ، ففي إبطالها ضرر كبير ، وربما عاد بعض الضرر على المالك ، فإن الحكم بصحتها يكون الربح للمالك والعوض بنمائه وزيادته له ، والحكم ببطلانها يمنع من ذلك ، وقال في " الشرح " : وينبغي أن يتقيد في العقود بما لم يبطله المالك ، فأما إن اختار إبطاله بأخذ المعقود عليه فلا نعلم فيه خلافا ( وإن اتجر بالدراهم ) بأن غصبها واتجر بها ، أو عروضا فباعها واتجر بثمنها ، ولو قال : بالنقد ، لعم ( فالربح لمالكها ) نقله الجماعة ، واحتج بخبر عروة بن الجعد ، وهذا حيث تعذر رد المغصوب إلى مالكه ورد الثمن إلى المشتري ، قال جماعة منهم صاحب " الفنون " ، و " الترغيب " : إن صح الشراء ، وقال الشريف وأبو الخطاب : إن كان الشراء بعين المال فعلى الأول هو له ، سواء قلنا : يصح الشراء أو لا ، وسواء اشتراه بعين المال ، أو في الذمة ، ونقل حرب في خبر عروة إنما جاز ; لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - جوزه له ، وحيث تعين جعل الربح للغاصب أو المغصوب منه فجعله للمالك أولى ; لأنه في مقابلة ماله الذي فاته بمنعه ، ولم يجعل للغاصب شيء منعا للغصب ، وعنه : يتصدق به ، نقلها الشريف لوقوع الخلاف فيه ( وإن اشترى في ذمته ثم نقدها فكذلك ) أي ، فالربح لربه ، هذا هو المشهور ; لأنه نماء ملكه ، أشبه ما لو اشتراه بعينه ، وفي " المحرر " ، و " المستوعب " بنية نقده الثمن من مال الغصب ( وعنه : الربح للمشتري ) لأنه اشترى لنفسه في ذمته ، فكان الشراء له ، والربح له ، وعليه [ ص: 188 ] بدل المغصوب ، وهذا قياس قول الخرقي ، وله الوطء ، نقله المروذي ، فعلى هذا إن أراد التخلص من شبهة بيده ، اشترى في ذمته ، ثم ينقد من مال الشبهة ، ولا يشتري بعين المال ، قاله القاضي ، وابن عقيل ، وذكره عن أحمد .

                                                                                                                          فرع : لو دفع المال مضاربة ، فربحه على ما ذكرنا ، وليس على المالك شيء من أجر العامل ; لأنه لم يأذن فيه ، ثم إن كان المضارب عالما بالغصب فلا أجر له لتعديه بالعمل ، وإن لم يعلم فعلى الغاصب أجر مثله ; لأنه استعمله بعوض لم يسلم له ، فلزمته أجرته كالعقد الفاسد .

                                                                                                                          ( وإن اختلفا في قيمة المغصوب أو قدره ) بأن قال : غصبتك ثوبا ، قال : بل ثوبين ( أو صناعة فيه ) بأن قال المالك : كان كاتبا ، أو ذا صنعة ( فالقول قول الغاصب ) لأن الأصل براءة الذمة ، فلا يلزمه ما لم تقم عليه حجة ، كما لو ادعى عليه دينا فأقر بعضه ( وإن اختلفا في رده أو عيب ) بأن قال : كانت فيه إصبع زائدة أو نحوها ( فالقول قول المالك ) لأن الأصل عدم الرد والعيب ، فلو زادت قيمة المغصوب ، واختلفا في وقت الزيادة قدم قول الغاصب ; لأن الأصل براءة ذمته ، وإن شاهدت البينة المغصوب معيبا ، فقال الغاصب : كان معيبا قبل غصبه ، وقال المالك : تعيب عندك ، قدم قول الغاصب ; لأنه غارم ، والظاهر أن صفة العبد لم تتغير ، وقبل قول المالك كاختلاف المتبايعين في حدوث العيب .

                                                                                                                          مسألة : لو اختلفا في الثياب التي على العبد فهي للغاصب ; لأنها في يده ، ولم تثبت أنها لمالك العبد .

                                                                                                                          [ ص: 189 ] ( وإن بقيت في يده غصوب لا يعرف أربابها ) فسلمها إلى حاكم برئ من عهدتها ويلزمه قبولها ، وله أن ( يتصدق بها عنهم ) على الأصح ( بشرط الضمان كاللقطة ) لأنه عاجز عن ردها إلى مالكها ، فإذا تصدق بها عنهم كان ثوابها لأربابها ، فيسقط عنه إثم غصبها ، ففي ذلك جمع بين مصلحته ومصلحة المالك ، لكن بشرط الضمان ; لأن الصدقة بدون ما ذكر إضاعة لمال المالك ، لا على وجه بدل ، وهو غير جائز ، وفي " الغنية " عليه ذلك ، ونقل أيضا على فقراء مكانه إن عرفه ; لأن دية قتيل تؤخذ عليهم ، ولم يذكر أصحابنا غير الصدقة ، لكن نقل إبراهيم بن هانئ : يتصدق أو يشتري به كراعا أو سلاحا يوقف هو مصلحة للمسلمين ، وسأله جعفر عمن بيده أرض ، أو كرم ليس أصله طيبا ، ولا يعرف ربه ؛ قال : يوقفه على المساكين ، وذكر في " الفروع " توجيها على أفضل البر ، وقال الشيخ تقي الدين : يصرفه في المصالح ، وقاله في وديعة ، ونقله عن العلماء ، وعنه : لا يجوز التصدق بالمغصوب ، كالرواية في اللقطة فعلى هذا له دفعه إلى نائب الإمام كالضوال ، ونقل الأثرم وغيره : إذا علم ربه وشق دفعه وهو يسير كحبة ، فسلمه إلى حاكم برئ .

                                                                                                                          فائدة : رهن وديعة كغصب ، قاله الحارثي وغيره ، وليس لمن هي عنده أخذ شيء منها ولو كان فقيرا ، نص عليه .




                                                                                                                          الخدمات العلمية