الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        ولو تقول علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين فما منكم من أحد عنه حاجزين وإنه لتذكرة للمتقين وإنا لنعلم أن منكم مكذبين وإنه لحسرة على الكافرين وإنه لحق اليقين فسبح باسم ربك العظيم

                                                                                                                                                                                                                                        ولو تقول علينا بعض الأقاويل أي تكلف علينا بعض الأكاذيب ، حكاه عن كفار قريش أنهم قالوا ذلك في النبي صلى الله عليه وسلم . لأخذنا منه باليمين فيه خمسة تأويلات : أحدها : لأخذنا منه قوته كلها ، قاله الربيع .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني : لأخذنا منه بالحق ، قاله السدي والحكم ، ومنه قول الشاعر


                                                                                                                                                                                                                                        إذا ما راية رفعت لمجد تلقاها عرابة باليمين



                                                                                                                                                                                                                                        اي بالاستحقاق .

                                                                                                                                                                                                                                        الثالث : لأخذنا منه بالقدرة ، قاله مجاهد .

                                                                                                                                                                                                                                        الرابع : لقطعنا يده اليمنى ، قاله الحسن .

                                                                                                                                                                                                                                        [ ص: 87 ]

                                                                                                                                                                                                                                        الخامس : معناه لأخذنا بيمينه إذلالا له واستخفافا به ، كما يقال لما يراد به الهوان ، خذوا بيده ، حكاه أبو جعفر الطبري . ثم لقطعنا منه الوتين فيه أربعة أقاويل : أحدها : أنه نياط القلب ويسمى حبل القلب ، وهو الذي القلب معلق به ، قاله ابن عباس .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني : أنه القلب ومراقه وما يليه ، قاله محمد بن كعب .

                                                                                                                                                                                                                                        الثالث : أنه الحبل الذي في الظهر ، قاله مجاهد .

                                                                                                                                                                                                                                        الرابع : أنه عرق بين العلباء والحلقوم ، قاله الكلبي . وفي الإشارة إلى قطع ذلك وجهان :

                                                                                                                                                                                                                                        أحدهما : إرادة لقتله وتلفه ، كما قال الشاعر


                                                                                                                                                                                                                                        إذا بلغتني وحملت رحلي     عرابة فاشربي بدم الوتين



                                                                                                                                                                                                                                        الثاني : ما قاله عكرمة أن الوتين إذا قطع لا إن جاع عرق ، ولا إن شبع عرق . وإنه لتذكرة للمتقين يعني القرآن ، وفي التذكرة أربعة أوجه :

                                                                                                                                                                                                                                        أحدها : رحمة .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني : ثبات .

                                                                                                                                                                                                                                        الثالث : موعظة .

                                                                                                                                                                                                                                        الرابع : نجاة . وإنا لنعلم أن منكم مكذبين قال الربيع : يعني بالقرآن . وإنه يعني القرآن . لحسرة على الكافرين يعني ندامة يوم القيامة . ويحتمل وجها ثانيا : أن يزيد حسرتهم في الدنيا حين لم يقدروا على معارضته عند تحديهم أن يأتوا بمثله .

                                                                                                                                                                                                                                        [ ص: 88 ]

                                                                                                                                                                                                                                        وإنه لحق اليقين فيه وجهان :

                                                                                                                                                                                                                                        أحدهما : أي حقا ويقينا ليكونن الكفر حسرة على الكافرين يوم القيامة ، قاله الكلبي .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني : يعني القرآن عند جميع الخلق أنه حق ، قال قتادة : إلا أن المؤمن أيقن به في الدنيا فنفعه ، والكافر أيقن به في الآخرة فلم ينفعه . فسبح باسم ربك العظيم فيه وجهان :

                                                                                                                                                                                                                                        أحدهما : فصل لربك ، قاله ابن عباس .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني : فنزهه بلسانك عن كل قبيح .

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية