الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          فصل : ومن أتلف مالا محترما لغيره ضمنه ، وإن فتح قفصا عن طائره ، أو حل قيد عبده ، أو رباط فرسه أو وكاء زق مائع أو جامد فأذابته الشمس ، أو بقي بعد حله قاعدا ، فألقته الريح فاندفق ، ضمنه ، وقال القاضي : لا يضمن ما ألقته الريح

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          فصل

                                                                                                                          ( ومن أتلف مالا محترما لغيره ضمنه ) إذا كان بغير إذنه بغير خلاف نعلمه [ ص: 190 ] لأنه فوته عليه بالإتلاف فضمنه ، كما لو غصبه فتلف عنده ، وشرطه أن يكون " مالا " احترازا عن الكلب والسرجين النجس " محترما " احترازا عما ليس بمحترم ، وإن كان مالا كآلة اللهو لغيره يحترز به عن نفسه ; لأنه لا يجب الضمان على من هو له ، ويشترط فيه أن يكون معصوما ، صرح به في " الوجيز " ، و " الفروع " ; لأن ما ليس بمعصوم لا يضمن ماله ، وزاد : أو مثله يضمنه يحترز به عن الأب إذا أتلف مال ولده ، والصبي ، والمجنون إذا أتلفا مالا دفعه مالكه إليهما بشرطه ، وما تلف بين أهل العدل والبغاة ، وظاهره لا فرق فيه بين الكبير والصغير ، والمختار والمكره لعموم " من " وهو وجه في المكره ، وفي آخر يضمنه مكرهه كدفعه مكرها ; لأنه ليس إتلافا ، وقيل : المكره كمضطر ، ويرجع في الأصح على من أكرهه إن جهل تحريمه ، وقيل : وعلمه لإباحة إتلافه ، وهل لربه مطالبة مكرهه ؛ فيه وجهان ، فإن طالبه رجع على المتلف إن علم تحريمه ، وإن قلنا : لا ، لم يرجع عليه ، وقيل : الضمان بينهما ، وكالعامد والساهي ، وعلم منه أنه لا ضمان مع إذنه ، وعين ابن عقيل الوجه المأذون فيه مع غرض صحيح ( وإن فتح قفصا عن طائره ) فطار ( أو حل قيد عبده ) فهرب ( أو رباط فرسه ) فشرد ، ضمنه ; لأنه تلف بسبب فعله ، فلزمه الضمان كما لو نفره ، فلو بقي الطائر في محله وكذا الآخرون ، فتلف بآفة سماوية لم يجب الضمان ; لأن التلف لم يحصل بفعله ، وحذفه المؤلف اعتمادا على ظهوره ، فلو بقي الطائر والفرس بحالهما حتى نفرهما آخر وذهبا ، فالضمان على المنفر ; لأن سببه أخص ، فاختص الضمان به كالدافع مع الحافر ، وفي " الفنون " إن كان الطائر متألفا [ ص: 191 ] فلا كذكاة متأنس ومتوحش ; لأن المستأنس في مظنة القدرة عليه ، فالقفص وعدمه سواء .

                                                                                                                          تنبيه : لو دفع مبردا إلى مقيد فبرد قيده ، ففي تضمين دافعه وجهان ، ولا يضمن دافع مفتاح إلى لص ; لأن الدافع سبب واللص مباشر ، فأحيل الحكم عليه ، قال الشيخ تقي الدين : من غرم بسبب كذب عليه عند ولي أمر فله تغريم الكاذب ، وهو المشهور عن المالكية ; لأن السبب يحال عليه الحكم إذا لم يمكن إحالة الحكم على المباشر كمن ألقى شخصا في زبية أسد فقتله الأسد ، أو في بحر فابتلعه حوت ( أو ) حل ( وكاء ) بكسر الواو ممدودا ما يسد به رأس القربة ( زق مائع أو جامد فأذابته الشمس ، أو بقي بعد حله قاعدا فألقته الريح فاندفق ضمنه ) لأن فعله سبب تلفه ، لم يتخلل بينهما ما يمكن إحالة الحكم عليه فلزمه ، كما لو جرح إنسانا فأفضى إلى تلفه ، بخلاف ما لو دفعه إنسان بعد ذلك ، فإنه مباشر يمكن إحالة الحكم عليه ( وقال القاضي : لا يضمن ما ألقته الريح ) وزلزلة الأرض ; لأن فعله غير ملجئ ، فلم يتعلق به ضمان كما لو دفعه إنسان ، وفيه وجه لا يضمن فيما أذابته الشمس ; لأن فعله غير ملجئ مع أن قول القاضي منقوض بما إذا أذابته الشمس ; لأنه لا يقول فيه بعدم الضمان .

                                                                                                                          فرع : لو حبس مالك دواب فتلفت لم يضمن الحابس ، وقيل : بلى ، وينبغي أن يفرق بين الحبس بحق أو غيره .




                                                                                                                          الخدمات العلمية