الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        فصل

                                                                                                                                                                        عدة الطلاق ونحوه ، ثلاثة أنواع : الأقراء ، والأشهر ، والحمل ، ولا مدخل للأقراء في عدة الوفاة ، ويدخل النوعان الأخريان .

                                                                                                                                                                        النوع الأول : الأقراء ، وواحدها قرء بفتح القاف ، ويقال بضمها ، وزعم بعضهم ، أنه بالفتح الطهر ، وبالضم الحيض . والصحيح أنهما يقعان على الحيض والطهر لغة ، ثم فيه وجهان للأصحاب . أحدهما : أنه حقيقة في الطهر ، مجاز في الحيض . وأصحهما : أنه حقيقة فيهما ، هذا أصله في اللغة ، والمراد بالأقراء في العدة : الأطهار . وفي المراد بالطهر هنا ، قولان . أحدهما : الانتقال إلى الحيض دون عكسه . وأظهرهما : أنه الطهر المحتوش بدمين ، لا مجرد الانتقال إلى الحيض ، ممن نص على ترجيح هذا القول - البغوي والروياني وغيرهما ، وفيه مخالفة لما سبق في الطلاق ، أن الأكثرين أوقعوا الطلاق في الحال وإذا قال للتي لم تحض : أنت طالق في كل قرء ، ويجوز أن يجعل ترجيحهم لوقوع الطلاق لمعنى يختص بتلك الصورة ، لا لرجحان القول ، بأن الطهر الانتقال ، ثم إذا طلقها وقد بقي من الطهر بقية ، حسبت تلك البقية قرءا ، سواء كان جامعها في تلك البقية أم لا ، فإذا طلقها وهي طاهر فحاضت ، ثم طهرت ، ثم حاضت ، ثم طهرت ، ثم شرعت في الحيض ، انقضت عدتها ، وإن طلقها في الحيض ، فإذا شرعت في الحيضة الرابعة ، انقضت عدتها . وهل تنقضي العدة برؤية الدم للحيضة الثالثة أو [ ص: 367 ] الرابعة ، أم يعتبر مضي يوم وليلة بعد رؤية الدم ليعلم أنه حيض ؟ فيه قولان . أظهرهما : الأول ، لأن الظاهر أنه دم حيض ، ولئلا تزيد العدة على ثلاثة أقراء . وقيل : إن رأت الدم لعادتها ، انقضت برؤيته ، وإن رأته على خلافها ، اعتبر يوم وليلة . وإذا حكمنا بانقضائها بالرؤية ، فانقطع الدم لدون يوم وليلة ، ولم يعد حتى مضت خمسة عشر يوما ، تبينا أن العدة لم تنقض ، ثم لحظة رؤية الدم أو اليوم والليلة إذا اعتبرناهما ، هل هما من نفس العدة ، أم يتبين بهما انقضاؤها وليسا منها ؟ وجهان . أصحهما : الثاني .

                                                                                                                                                                        قلت : قال أصحابنا : إن جعلناه من العدة ، صحت فيه الرجعة ، ولا يصح نكاحها لأجنبي فيه ، وإلا فينعكس . وقد سبق هذا ، ولكن لا يليق إخلاء هذا الموضع منه . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        قال : أنت طالق في آخر طهرك ، أو في آخر جزء من أجزاء طهرك . فإن قلنا : القرء الانتقال ، اعتد بذلك الجزء ، وإلا فلا .

                                                                                                                                                                        ولو طلق من لم تحض أصلا ، إن قلنا : الطهر الانتقال ، حسب طهرها قرءا ، وإلا فلا .

                                                                                                                                                                        واعلم أن قولهم : القرء هو الطهر المحتوش ، أو الانتقال ، ليس مرادهم الطهر بتمامه ، لأنه لا خلاف أن بقية الطهر تحسب قرءا ، وإنما مرادهم أنه هل يعتبر من الطهر المحتوش شيء ، أم يكفي الانتقال ؟ والمكتفون بالانتقال قالوا : الانتقال وحده قرء ، فإن وجد قبله شيء من الطهر ، أدخلوه في اسم القرء . ولهذا قالوا : لو قال للتي لم تحض : أنت طالق في كل قرء طلقة ، طلقت في الحال تفريعا على هذا القول ، ولم يؤخروا الوقوع إلى الحيض للانتقال . [ ص: 368 ]

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية