الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        يوم تكون السماء كالمهل وتكون الجبال كالعهن ولا يسأل حميم حميما يبصرونهم يود المجرم لو يفتدي من عذاب يومئذ ببنيه وصاحبته وأخيه وفصيلته التي تؤويه ومن في الأرض جميعا ثم ينجيه كلا إنها لظى نزاعة للشوى تدعو من أدبر وتولى وجمع فأوعى

                                                                                                                                                                                                                                        يوم تكون السماء كالمهل فيه ثلاثة أوجه :

                                                                                                                                                                                                                                        أحدها : كدردي الزيت ، قاله ابن عباس .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني : كمذاب الرصاص والنحاس والفضة ، قاله ابن مسعود .

                                                                                                                                                                                                                                        الثالث : كقيح من دم ، قاله مجاهد . وتكون الجبال كالعهن يعني كالصوف المصبوغ ، والمعنى أنها تلين بعد الشدة ، وتتفرق بعد الاجتماع . يبصرونهم فيه أربعة أوجه :

                                                                                                                                                                                                                                        أحدها : أنه يبصر بعضهم بعضا فيتعارفون ، قاله قتادة .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني : أن المؤمنين يبصرون الكافرين ، قاله مجاهد .

                                                                                                                                                                                                                                        الثالث : أن الكافرين يبصرون الذين أضلوهم في النار ، قاله ابن زيد .

                                                                                                                                                                                                                                        الرابع : أنه يبصر المظلوم ظالمه ، والمقتول قاتله . يود المجرم فيه وجهان :

                                                                                                                                                                                                                                        أحدهما : يحب .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني : يتمنى ، والمجرم هو الكافر . لو يفتدي من عذاب يومئذ يعني يفتدي من عذاب جهنم بأعز من كان عليه في الدنيا من أقاربه ، فلا يقدر . ثم ذكرهم فقال : ببنيه وصاحبته يعني زوجته : وأخيه وفصيلته فيه وجهان :

                                                                                                                                                                                                                                        أحدهما : عشيرته التي تنصره ، قاله ابن زيد .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني : أنها أمه التي تربيه ، قاله مالك ، وقال أبو عبيدة : الفصيلة دون القبيلة . التي تؤويه فيه وجهان :

                                                                                                                                                                                                                                        [ ص: 93 ]

                                                                                                                                                                                                                                        أحدهما : التي يأوي إليها في نسبه ، قاله الضحاك .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني : يأوي إليها في خوفه . كلا إنها لظى فيه وجهان :

                                                                                                                                                                                                                                        أحدهما : أنها اسم من أسماء جهنم ، سميت بذلك لأنها التي تتلظى ، وهو اشتداد حرها .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني : أنه اسم الدرك الثامن في جهنم ، قاله الضحاك . نزاعة للشوى فيه خمسة تأويلات : أحدها : أنها أطراف اليدين والرجلين ، قاله أبو صالح ، قال الشاعر


                                                                                                                                                                                                                                        إذا نظرت عرفت الفخر منها وعينيها ولم تعرف شواها .



                                                                                                                                                                                                                                        الثاني : قال الضحاك : هي جهنم تفري اللحم والجلد عن العظم ، وقال مجاهد : جلدة الرأس ومنه قول الأعشى


                                                                                                                                                                                                                                        قالت قتيلة ما له     قد جللت شيبا شواته .



                                                                                                                                                                                                                                        الثالث : أنه العصب والعقب ، قاله ابن جبير .

                                                                                                                                                                                                                                        الرابع : أنه مكارم وجهه ، قاله الحسن .

                                                                                                                                                                                                                                        الخامس : أنه اللحم والجلد الذي على العظم ، لأن النار تشويه ، قاله الضحاك . تدعو من أدبر وتولى وفي دعائها ثلاثة أوجه :

                                                                                                                                                                                                                                        أحدها : أنها تدعوهم بأسمائهم فتقول للكافر : يا كافر إلي ، وللمنافق : يا منافق إلي ، قاله الفراء .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني : أن مصير من أدبر وتولى إليها ، فكأنها الداعية لهم ، ومثله قول الشاعر


                                                                                                                                                                                                                                        ولقد هبطنا الواديين فواديا     يدعو الأنيس به العضيض الأبكم .



                                                                                                                                                                                                                                        العضيض الأبكم : الذباب ، وهو لا يدعو وإنما طنينه ينبه عليه ، فدعا إليه .

                                                                                                                                                                                                                                        [ ص: 94 ]

                                                                                                                                                                                                                                        الثالث : الداعي خزنة جهنم أضيف دعاؤهم إليها ، لأنهم يدعون إليها . وفي ما أدبر وتولى عنه أربعة أوجه :

                                                                                                                                                                                                                                        أحدها : أدبر عن الطاعة وتولى عن الحق ، قاله مجاهد .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني : أدبر عن الإيمان وتولى إلى الكفر ، قاله مقاتل .

                                                                                                                                                                                                                                        الثالث : أدبر عن أمر الله وتولى عن كتاب الله ، قاله قتادة .

                                                                                                                                                                                                                                        الرابع : أدبر عن القبول وتولى عن العمل . وجمع فأوعى يعني الذي أدبر وتولى جمع المال فأوعى ، بأن جعله في وعاء حفظا له ومنعا لحق الله منه ، قال قتادة : فكان جموعا منوعا .

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية