الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          فصل صوم رمضان فرض ( ع ) فرض في السنة الثانية من الهجرة ( ع ) فصام رسول الله صلى الله عليه وسلم تسع رمضانات ( ع ) ويجب صومه برؤية هلاله ، فإن لم ير مع الصحو ليلة الثلاثين من شعبان أكملوه ثلاثين ثم صاموا وصلوا التراويح ( و ) كما لو رأوه ، وإن حال دون مطلعه غيم أو قتر أو غيرهما ليلة الثلاثين من شعبان وجب صومه بنية رمضان ، اختاره الأصحاب ، وذكروه ظاهر المذهب ، وأن نصوص [ ص: 7 ] أحمد عليه ، كذا قالوا ، ولم أجد عن أحمد أنه صرح بالوجوب ولا أمر به ، فلا تتوجه إضافته إليه ، ولهذا قال شيخنا : لا أصل للوجوب في كلام أحمد ولا في كلام أحد من الصحابة رضي الله عنهم ، واحتج الأصحاب بحديث ابن عمر وفعله ، وليس بظاهر في الوجوب ، وإنما هو احتياط قد عورض بنهي ، واحتجوا بأقيسة تدل على أن العبادات يحتاط لها ، واستشهدوا بمسائل ، وهي إنما تدل على الاحتياط فيما ثبت وجوبه أو كان الأصل ، كثلاثين رمضان ، وفي مسألتنا لم يثبت الوجوب ، والأصل بقاء الشهر . ومما ذكروه : الشك في انقضاء مدة المسح يمنع المسح ، وإنما كان لأن الأصل الغسل ، فمع الشك يعمل به . ويأتي : هل يتسحر مع الشك في طلوع الفجر ؟ قال القاضي وغيره : وإنما لم تجب الطهارة مع الشك احتياطا للعبادة ، لأنه حق لآدمي ، فلا يبطله بالشك ، فيقال : وجواز الأكل والجماع حق لآدمي فلا يحرمه بالشك .

                                                                                                          وقال القاضي وابن شهاب : وغيرهما لأن الطهارة غير مقصودة في نفسها ، وقد قال القاضي وغيره في أنه لا يلزم النفل بالشروع : الطهارة مقصودة ؟ في نفسها ، ولهذا يستحب تجديدها ، بخلاف إزالة النجاسة ، وتأتي فيما يفعل عن الميت ، وقيل لمن نصر من الأصحاب في كتب الخلاف : صوم يوم الغيم يلزم عليه نذر صوم رجب أو شعبان : فإنه إذا غم أوله لم يلزم ، فقال : كذلك [ ص: 8 ] قال أصحابنا : والنذور لا تبنى إلا على أصولها من الفروض ، كذا قال ويتوجه : يلزم ، لأنه فرض شرعي عندهم ، فعلى هذا يصومه حكما ظنيا بوجوبه احتياطا ، ويجزئه . وقيل للقاضي : لا يصح إلا بالنية ومع الشك فيها لا يجزم بها ، فقال : لا يمتنع التردد فيها للحاجة ، كالأسير وصلاة من خمس ، كذا قال . وذكر في الانتصار أنه يجزئه إن لم تعتبر نية التعيين ، وإلا فلا ، كذا قال ، وتصلى التراويح ليلتئذ ، في اختيار ابن حامد والقاضي وجماعة ، قال صاحب المحرر : وهو أشبه بكلام أحمد في رواية الفضل : القيام قبل الصيام احتياطا لسنة قيامه ولا يتضمن محذورا ، والصوم نهي عن تقدمه ، واختار أبو حفص العكبري والتميميون وغيرهم لا تصلى ، اقتصارا على النص ( م 1 ) ولا تثبت بقية الأحكام من حلول الآجال ووقوع المعلقات وانقضاء العدة ومدة الإيلاء وغير ذلك . [ ص: 9 ] وذكر القاضي احتمالا : تثبت كما يثبت الصوم وتوابعه من النية وتبييتها ووجوب الكفارة بالوطء فيه ونحو ذلك ، والأول أشهر ، عملا بالأصل خولف للنص واحتياطا لعبادة عامة ، وعنه : ينويه حكما جازما بوجوبه ، وذكره ابن أبي موسى عن بعض أصحابنا ، فيصلي التراويح إذن ، وقيل : لا ، وعنه : لا يجب صومه قبل رؤية هلاله أو إكمال شعبان ، اختاره صاحب التبصرة وشيخنا .

                                                                                                          وقال : هو مذهب أحمد المنصوص الصريح عنه ، وفاقا لأبي حنيفة ، وأوجب طلب الهلال ليلتئذ ، وعنه : الناس تبع للإمام ، فإن صام وجب الصوم وإلا فلا ، فيتحرى في كثرة كمال الشهور قبله ونقصها ، وإخباره بمن لا يكتفى به وغير ذلك من القرائن ، ويعمل بظنه ، ويأتي : المنفرد برؤيته هل يصومه ؟ وعنه : صومه منهي عنه ، اختاره أبو القاسم بن منده الأصفهاني وأبو الخطاب وابن عقيل وغيرهم ، فقيل : يكره ، وذكره ابن عقيل رواية ، وعمل أيضا في موضع من الفنون بعادة غالبة ، كمضي شهرين كاملين فالثالث ناقص ، وأنه معني التقدير .

                                                                                                          وقال أيضا : البعد مانع كالغيم ، فيجب على كل حنبلي يصوم مع الغيم أن يصوم مع البعد ، لاحتماله ، والشهور [ ص: 10 ] كلها مع رمضان في حق المطمور كاليوم الذي يشك فيه من الشهر في التحرز وطلب التحقيق ، ولا أحد قال بوجوب الصوم عليه ، بل بالتأخير ، ليقع أداء أو قضاء .

                                                                                                          [ ص: 8 ]

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          [ ص: 8 ] كتاب الصيام ( مسألة 1 ) قوله : ويصلي التراويح ليلتئذ في اختيار ابن حامد والقاضي وجماعة ، قال صاحب المحرر : وهو أشبه بكلام أحمد واختار أبو حفص العكبري والميموني وغيرهم : لا تصلى ، اقتصارا على النص ، انتهى .

                                                                                                          القول الأول هو الصحيح ، قال في المستوعب في صلاة التطوع ، والحاوي الكبير : هذا الأقوى عندي قال في تجريد العناية : وتصلي التراويح ليلتئذ في الأظهر . قال ابن تميم : فعلت في أصح الوجهين ، قال ابن الجوزي : هذا ظاهر كلام الإمام أحمد واختيار أكثر مشايخنا المتقدمين ، ذكره في كتاب ( درء الضيم في صوم يوم الغيم ) واختاره القاضي أبو الحسين ، واختاره أيضا ابن حامد والقاضي وغيرهما ، كما قال [ ص: 9 ] المصنف : والقول الثاني جزم به ابن عبدوس في تذكرته وصاحب المنور ، قال في التلخيص : وهو أظهر ، قال الناظم : وهو أشهر القولين ، وصححه في تصحيح المحرر ، واختاره أيضا من ذكره المصنف ، وأطلقهما المجد في شرحه ومحرره ، وصاحب الرعايتين والحاوي الصغير والفائق والقواعد الفقهية والزركشي وغيرهم .




                                                                                                          الخدمات العلمية