الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                          صفحة جزء
                          148 - فصل

                          [ ولاية المسلم على الكافرة ] .

                          ولا يلي المسلم نكاح الكافرة ، لما تقدم من قطع الموالاة بين المسلمين ، والكفار ، إلا أن يكون سلطانا ، أو سيدا لأمة ، فإن ولاية السلطان عامة .

                          وأما سيد الأمة فإن له أن يزوجها من كافر ، وإن لم يملك تزويج ابنته الكافرة من كافر ، والفرق بينهما أنه يزوجها بحكم الملك ، فجاز ذلك كما لو باعها من كافر ، بخلاف ابنته ، فإنه يزوجها بحكم الولاية ، وقد انقطعت باختلاف الدين كما انقطع التوارث والإنفاق .

                          فإن قيل : فما تقولون في أم ولد الذمي إذا أسلمت ، هل يلي نكاحها ؟

                          قيل : فيه وجهان لأصحابنا :

                          [ ص: 787 ] أحدهما : يليه ، لأنها مملوكته ، فيلي نكاحها كالمسلم ، ولأنه عقد على منافعها ، فيليه كما يلي إجارتها .

                          والثاني : لا يليه لقوله تعالى : ( والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض ) ، ولأنها مسلمة ، فلا يلي نكاحها كابنته .

                          قال الشيخ في " المغني " : وهذا أولى لما ذكرنا من الإجماع ، يعني قول ابن المنذر : أجمع كل من يحفظ عنه من أهل العلم أن الكافر لا ولاية له على مسلم بحال .

                          وقد قال في " المحرر " : ولا يلي مسلم نكاح كافرة إلا بالملك ، أو السلطنة .

                          ولا يلي كافر نكاح مسلمة إلا بملك يقر له عليها كمن أسلمت أم ولده ، أو مكاتبته ، أو مدبرته في وجه ، ويلي الكافر نكاح مولاته الكافرة من كافر ومسلم .

                          وهل يباشر تزويج المسلم في المسألتين ، أو بشرط أن يباشره بإذن مسلم ، أو الحاكم خاصة ؟ فيه ثلاثة أوجه :

                          قلت : في المسألة الأولى ، الزوجة هي المسلمة والولي كافر ، وفي المسألة الثانية ، المولاة كافرة والزوج مسلم .

                          وقلت : على الأوجه الثلاثة في المسألتين ، فالصواب أن يقرأ : " وهل [ ص: 788 ] يباشر تزويج المسلم " في المسألتين ليعم الصورتين ( أي الشخص المسلم ) . وأما على ما رأيته في النسخ : " وهل يباشر تزويج المسلمة ؟ فإنه يختص بالمسألة الأولى ، إلا أن يقال : أراد النفس المسلمة ، وبكل حال فمن قال : يباشر تزويج المسلم ، فحجته أنه يزوجها بحكم الملك في المسألة الأولى ، ويزوج الكافر بحكم الولاية في المسألة الثانية ، وهي ولاية على كافرة ، ولا ولاية له على الزوج ، فلا يمتنع تزويج الكافرة له .

                          ومن قال : يعقده الحاكم خاصة فحجته انقطاع الولاية بين الكافر ، والمسلم ، فهذه المرأة في حكم من لا ولي لها في الصورة الأولى .

                          وأما في الثانية فلما كان الزوج مسلما وللولي عليه ولاية ما فإنه هو الذي يوجب له عقد النكاح ، والكافر ليس أهلا لذلك ، فكانت الولاية للحاكم .

                          ومن قال نأذن لمسلم يباشر العقد فلأنه ولي في الحقيقة ، ولكن اتصال هذا العقد بمسلم يمنع من مباشرة الكافر له فيباشره مسلم بإذن الولي جمعا بين الحقين حق الولي ، وحق المسلم .

                          التالي السابق


                          الخدمات العلمية