الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          فصل

                                                          ووافق من أمال بعض القراء على إمالة بعض ذوات الياء فخالفوا أصولهم في إحدى عشرة كلمة ، وهي بلى ، رأى ، مزجاة ، أتى أمر الله ، يلقاه ، أعمى ، سوى ، سدى ، إناه ، نأى ، رأى فأما بلى " فأماله معهم حيث وقع أبو حمدون من جميع طرقه عن يحيى بن آدم عن أبي بكر . وخالفه شعيب والعليمي ففتحه عنه . وانفرد بإمالته أبو الفرج النهرواني عن الأصبهاني عن ورش ، فخالف سائر الرواة عنه " وأما رأى " ، وهو في الأنفال فوافق على إمالته أبو بكر من جميع طرق المغاربة ، ولم يذكره أكثر العراقيين كأبي محمد سبط الخياط ( وأما مزجاة - وهو في يوسف - و أتى أمر الله - وهو أول النحل - و يلقاه منشورا - وهو في سبحان - ) فاختلف عن ابن ذكوان في إمالة هذه الثلاثة فروى عنه إمالة : مزجاة صاحب التجريد من جميع طرقه وصاحب الكمال عن طريق الصوري ، وهو نص الأخفش في كتابه الكبير عن ابن ذكوان فإنه قال : يشم الجيم شيئا من الكسر ، وكذا روى هبة الله عنه والإسكندراني عن ابن ذكوان فروى عنه إمالة أتى أمر الله والصوري ، وهي رواية الداجوني عن ابن ذكوان من جميع طرقه نص على ذلك أبو طاهر بن سوار ، وأبو محمد سبط الخياط ، والحافظ أبو العلاء ، وأبو العز ، وغيرهم ، ولم يذكره الهذلي ولا ابن الفحام في تجريده ولا

                                                          [ ص: 43 ] صاحب المبهج عن المطوعي ، وروى عنه إمالة : يلقاه الصوري عن طريق الرملي ، وهي رواية الداجوني عن أصحابه عن ابن ذكوان . وكذا رواه صاحب التجريد عن النقاش عن الأخفش ، وهي رواية هبة الله عن الأخفش أيضا وكل من الفتح والإمالة صحيح عن ابن ذكوان في الأحرف الثلاثة قرأنا به من الطرق المذكورة ، وبه نأخذ ( وأما أعمى ) ، وهو في موضعي سبحان ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى فوافق على إمالتهما أبو بكر من جميع طرقه . ووافق على إمالة الأول أبو عمرو ويعقوب . وانفرد ابن مهران بفتحها عن روح فخالف سائر الناس ، وانفرد صاحب المبهج عن نفطويه عن يحيى بإمالة أعمى في موضعي طه ، وهو ونحشره يوم القيامة أعمى قال رب لم حشرتني أعمى فخالف الناس عن يحيى ( وأما سوى ، وهو في طه ، و سدى ، وهي في القيامة ) فاختلف فيهما عن أبي بكر فروى المصريون ، والمغاربة قاطبة عن شعيب عنه الإمالة في الوقف مع من أمال ، وهي رواية العجلي والوكيعي عن يحيى بن آدم ورواية ابن أبي أمية ، وعبيد بن نعيم عن أبي بكر ، ولم يذكر سائر الرواة عن أبي بكر من جميع الطرق في ذلك شيئا في الوقف ، والوجهان جميعا عنه صحيحان ، والفتح طريق العراقيين قاطبة لا يعرفون غيره - والله أعلم - .

                                                          . ( وأما : إناه ) ، وهو في الأحزاب فاختلف فيه عن هشام فرواه عنه بالإمالة مع من أمال الجمهور من طريق الحلواني ، وهو الذي لم يذكر المغاربة ، والمصريون ، والشاميون ، وأكثر العراقيين عنه سواه ، ورواه الداجوني عن أصحابه عنه بالفتح ، وبه قطع صاحب المبهج لهشام من طريقيه ، والوجهان عنه صحيحان وبالإمالة آخذ عنه عن طريق الحلواني وبالفتح من طريق غيره . وانفرد الحافظ أبو العلاء عن النهرواني عن عيسى بن وردان عن أبي جعفر بإمالته بين اللفظين لم يروه غيره مع أنه لم يسندها إلا عن أبي العز ، ولم يذكرها أبو العز في شيء من كتبه - والله أعلم - .

                                                          ( وأما نأى ) ، وهو في سبحان وفصلت فوافق على إمالته في سبحان فقط أبو بكر ، وانفرد صاحب المبهج

                                                          [ ص: 44 ] عن أبي عون عن شعيب عن يحيى عنه بفتحه ، وانفرد ابن سوار عن النهرواني عن أبي حمدون عن يحيى عنه بالإمالة في الموضعين ، وانفرد فارس بن أحمد في إحدى وجهيه عن السوسي بالإمالة في الموضعين وتبعه على ذلك الشاطبي . وأجمع الرواة عن السوسي من جميع الطرق على الفتح لا نعلم بينهم في ذلك خلافا ، ولهذا لم يذكره له في المفردات ولا عول عليه . واختلف عن أصحاب الإمالة في إمالة النون فأمال النون مع الهمزة الكسائي وخلف لنفسه ، وعن حمزة ، واختلف عن أبي بكر في حرف سبحان ، فروى عنه العليمي والحمامي ، وابن شاذان عن أبي حمدون عن يحيى بن آدم عنه الإمالة فيهما ، وروى سائر الرواة عن شعيب عن يحيى عنه فتح النون فيصير لأبي بكر أربع طرق أحدها إمالة الهمزة في سبحان فقط ، وهي رواية الجمهور عن شعيب عن يحيى عنه . الثاني إمالة النون والهمزة جميعا في سبحان أيضا ، وهي رواية العليمي عنه ، وأبي حمدون عن يحيى عنه من طريق الحمامي ، وابن شاذان . الثالث إمالة الهمزة فقط في سبحان وفصلت جميعا ، وهي طريق ابن سوار عن النهراني عن أبي حمدون عن يحيى . الرابع الفتح في الموضعين ، وهي طريق صاحب المبهج عن أبي عون عن شعيب عن يحيى عنه ، وكل من هذه الأربعة أيضا عن يحيى بن آدم عنه والله تعالى أعلم .

                                                          " وأما رأى " فمنه ما يكون بعده متحركا ومنه ما يأتي بعده ساكنا فالذي بعده متحرك يكون ظاهرا ومضمرا فالذي بعده ظاهر سبعة مواضع في الأنعام رأى كوكبا ، وفي هود رأى أيديهم ، وفي يوسف رأى قميصه ، رأى برهان ربه ، وفي طه رأى نارا ، وفي النجم : ما رأى ، لقد رأى فأمال الراء تبعا للهمزة : حمزة والكسائي ، وخلف ، ووافقهم أبو بكر في رأى كوكبا في الأنعام . واختلف عنه في الستة الباقية فأمال الراء والهمزة يحيى بن آدم . وفتحها العليمي ، وانفرد صاحب الكمال بهذا عن أبي القاسم بن بابش عن الأصم عن شعيب عن يحيى . وانفرد صاحب المبهج بالفتح في السبعة عن أبي عون عن شعيب عن يحيى ، وعن الرزاز عن العليمي

                                                          [ ص: 45 ] ، وانفرد صاحب العنوان عن القافلائي عن الأصم عن شعيب عن يحيى في أحد الوجهين بفتح الراء وإمالة الهمزة فيصير لأبي بكر أربعة أوجه أحدها رواية الجمهور عن يحيى بإمالة الراء والهمزة جميعا في السبعة المواضع . الثاني : رواية الجمهور عن العليمي إمالتهما في الأنعام وفتحهما في غيرها . الثالث فتحهما في السبعة طريق المبهج عن أبي عون عن يحيى ، وعن الرزاز عن العليمي . الرابع فتح الراء وإمالة الهمزة طريق صاحب العنوان في أحد وجهيه عن شعيب عن يحيى ، ووافق أيضا على إمالة الراء والهمزة جميعا في المواضع السبعة ابن ذكوان ، وانفرد زيد عن الرملي عن الصوري بفتح الراء وإمالة الهمزة فيها ، وانفرد صاحب المبهج عن الصوري بفتح الراء والهمزة ، واختلف عن هشام ، فروى الجمهور عن الحلواني عنه بفتح الراء والهمزة وهذا هو الصحيح عنه ، وكذا روى الحافظ أبو العلاء ، وأبو العز القلانسي ، وابن الفحام الصقلي ، وغيرهم عن الداجوني عنه ، وروى الأكثرون عن الداجوني عنه إمالتهما ، وهو الذي في المبهج ، وكامل الهذلي ، ورواه صاحب المستنير عن المفسر عن الداجوني ، وهذا هو المشهور عن الداجوني ، وقطع به صاحب التجريد عن الحلواني من قراءته على الفارسي في السبعة ، ومن قراءته على عبد الباقي في غير سورة النجم . والوجهان جميعا صحيحان عن هشام - والله أعلم - .

                                                          وانفرد صاحب المبهج عن أبي نشيط عن قالون بإمالة الراء والهمزة جميعا ، وذلك من طريق الشذائي عنه فخالف سائر الرواة . وأمال أبو عمرو الهمزة فقط في المواضع السبعة ، وانفرد أبو القاسم الشاطبي بإمالة الراء أيضا عن السوسي بخلاف عنه فخالف فيه سائر الناس من طرق كتابه ولا أعلم هذا الوجه روي عن السوسي من طريق الشاطبية والتيسير بل ولا من طرق كتابنا أيضا .

                                                          نعم رواه عن السوسي صاحب التجريد من طريق أبي بكر القرشي عن السوسي وليس ذلك في طرقنا ، وقول صاحب التيسير : وقد روى عن أبي شعيب مثل حمزة ، لا يدل على ثبوته من طرقه فإنه قد صرح بخلافه في جامع البيان فقال : إنه قرأ على أبي الفتح في رواية

                                                          [ ص: 46 ] السوسي من غير طريق أبي عمران موسى بن جرير فيما لم يستقبله ساكن ، وفيما استقبله بإمالة فتحة الراء والهمزة معا وأما الذي بعده ضمير ، وهو ثلاث كلمات في تسعة مواضع رآك الذين كفروا في الأنبياء و رآها تهتز في النمل والقصص و رآه في النمل أيضا ، وفي فاطر والصافات والنجم والتكوير والعلق فإن الاختلاف فيه كالاختلاف في الذي قبله عن المنفردين ، وغيرهم إلا أن العليمي عن أبي بكر فتح الراء والهمزة جميعا منه وأمالهما يحيى عنه على ما تقدم ، واختلف فيه عن ابن ذكوان على غير ما تقدم فأمال الراء والهمزة جميعا عنه المغاربة قاطبة ، وجمهور المصريين ، وهو الذي لم يذكر صاحب التيسير ، والحافظ أبو العلاء عن الأخفش من طريق النقاش سواه ، وبه قطع أبو الحسن بن فارس في جامعه لابن ذكوان من طريقي الأخفش والرملي وفتحهما جميعا عن ابن ذكوان جمهور العراقيين ، وهو طريق ابن الأخرم عن الأخفش وفتح الراء وأمال الهمزة الجمهور عن الصوري ، وهو الذي لم يذكر أبو العز ، والحافظ أبو العلاء عنه سواه وبالفتح قطع أبو العز للأخفش من جميع طرقه ، وابن مهران ، وسبط الخياط ، وغيرهم وأمال الأزرق عن ورش فتحة الراء والهمزة جميعا من هذه التسعة الأفعال التي وقع بعدها الضمير ، ومن الأفعال السبعة المتقدمة التي لم يقع بعدها ضمير بين بين ، وأخلص الباقون الفتح في ذلك كله . وأما الذي بعده ساكن وهو في ستة مواضع ، أولها رأى القمر في الأنعام ، وفيها رأى الشمس ، وفي النحل رأى الذين ظلموا ، وفيها وإذا رأى الذين أشركوا ، وفي الكهف ورأى المجرمون ، وفي الأحزاب ولما رأى المؤمنون الأحزاب فأمال الراء منه وفتح الهمزة حمزة وخلف ، وأبو بكر ، وانفرد الشاطبي عن أبي بكر بالخلاف في إمالة الهمزة أيضا . وعن السوسي بالخلاف أيضا في إمالة فتحة الراء وفتحة الهمزة جميعا . فأما إمالة الهمزة عن أبي بكر فإنما رواه خلف عن يحيى بن آدم عن أبي بكر حسبما نص عليه في جامعه حيث سوى في ذلك بين ما بعده متحرك وما بعده ساكن ونص في مجرده عن يحيى عن أبي بكر الباب كله بكسر [ ص: 47 ] الراء ، ولم يذكر الهمزة وكان ابن مجاهد يأخذ من طريق خلف عن يحيى بإمالتهما ونص على ذلك في كتابه ، وخالفه سائر الناس فلم يأخذوا لأبي بكر من جميع طرقه إلا بإمالة الراء وفتح الهمزة ، وقد صحح أبو عمرو والداني الإمالة فيهما يعني من طريق خلف حسبما نص عليه في التيسير ، فحسب الشاطبي أن ذلك من طريق كتابه فحكى فيه خلافا عنه ، والصواب الاقتصار على إمالة الراء دون الهمزة من جميع الطرق التي ذكرناها في كتابنا ، وهي التي من جملتها طرق الشاطبية ، والتيسير .

                                                          وأما من غير هذه الطرق فإن إمالتهما لم تصح عندنا إلا من طريق خلف حسبما حكاه الداني ، وابن مجاهد فقط وإلا فسائر من ذكر رواية أبي بكر من طريق خلف عن يحيى لم يذكر غير إمالة الراء وفتح الهمزة ، ولم يأخذ بسوى ذلك وأما إمالة الراء والهمزة عن السوسي فهو مما قرأ به الداني على شيخه أبي الفتح ، وقد تقدم آنفا أنه إنما قرأ عليه بذلك من غير طريق أبي عمران موسى بن جرير وإذا كان الأمر كذلك فليس إلى الأخذ به من طريق الشاطبية ، ولا من طريق التيسير ، ولا من طرق كتابنا سبيل .

                                                          على أن ذلك مما انفرد به فارس بن أحمد من الطرق التي ذكرها عنه سوى طريق ابن جرير ، وهي طريق أبي بكر القرشي ، وأبي الحسن الرقي ، وأبي عثمان النحوي ، ومن طريق أبي بكر القرشي ذكره صاحب التجريد من قراءته على عبد الباقي بن فارس عن أبيه ، وبعض أصحابنا ممن يعمل بظاهر الشاطبية يأخذ للسوسي في ذلك بأربعة أوجه ، وهي فتحهما وإمالتهما وبفتح الراء وإمالة الهمزة وبعكسه ، وهو إمالة الراء وفتح الهمزة ، ولا يصح منها من طريق الشاطبية ، والتيسير سوى الأول ، وأما الثاني فمن طريق من قدمنا ، وأما الثالث فلا يصح من طريق السوسي ألبتة ، وإنما روي من طريق أبي حمدون ، وأبي عبد الرحمن وإبراهيم بن اليزيدي عن اليزيدي ، ومن طريقيهما حكاه في التيسير وصححه ، على أن أحمد بن حفص الخشاب وأبا العباس الرافعي حكيا أيضا عن السوسي - والله أعلم - .

                                                          وأما الرابع فحكاه ابن سعدون ،

                                                          [ ص: 48 ] وابن جبير عن اليزيدي ، ولا نعلمه ورد عن السوسي ألبتة بطريق من الطرق - والله أعلم - .

                                                          وهذا حكم اختلافهم في القسم حالة الوصل فأما حالة الوقف فإن كلا من القراء يعود إلى أصله في القسم الأول الذي ليس بعده ضمير ، ولا ساكن من الإمالة والفتح بين وبين فاعلم ذلك .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية