الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب في صلاة المريض والصلاة في المحمل

                                                                                                                                                                                        وإذا كان بالمصلي ما يمنعه من الركوع والسجود دون القيام والجلوس، فإنه يستفتح الصلاة قائما فيقرأ ثم يومئ للركوع ثم يجلس ثم يومئ للسجود .

                                                                                                                                                                                        وإن كان يشق عليه إذا استوى قائما أن يجلس صلى جميع صلاته قائما ، ويومئ للركوع والسجود، وإن كان يقدر إذا صلى جالسا على السجود صلى جالسا، وليس كالأول إذا كان عاجزا عن الركوع والسجود، فكان الواجب أن يأتي بالقيام ولا يخل به، وفي المسألة الثانية فيمن هو قادر على أن يأتي بالسجود، فهو إن أتى بالقيام أخل بالسجود، وإن أتى بالسجود أخل بالقيام، فكان الإتيان بالسجود أولى; لأنه مجمع عليه أنه فرض، والقيام مختلف فيه هل هو فرض أو لا; ولأن السجود أعظم أركان الصلاة; لأنه يعفر وجهه في الأرض ، وهو أقرب حالات العبد إلى الله عز وجل إلا أنه يستفتح الصلاة قائما ويومئ للركوع، ثم يجلس ويسجد، ثم يتم صلاته جالسا.

                                                                                                                                                                                        وإن كان لا يقدر إذا قام أن يقرأ إلا بأم القرآن وحدها فعل ذلك وصلى قائما وركع، ثم يجلس ويسجد، ثم يقوم فيركع; لأن الركوع فرض مجمع عليه، [ ص: 304 ] والإيماء ليس بركوع في الحقيقة، والقراءة مختلف فيها، ولا يصلي جالسا ليقرأ بأم القرآن وسورة; لأن القيام فرض، وقراءة السورة ليست بفرض، فإن كان يقدر على القيام دون القراءة- صلى جالسا وقرأ، وإذا أومأ للسجود يومئ بيديه إلى الأرض، وإن كانت صلاته جالسا فعل في الركوع مثل ذلك; يجعل يديه على ركبتيه في حين إيمائه إلى الركوع، فإذا رفع أزالهما، فإذا أومأ للسجود جعل يديه على الأرض، وإذا رفع جعلهما على ركبتيه، والإيماء بالرأس والظهر جميعا .

                                                                                                                                                                                        واختلف هل يجزئه ما يكون إيماء مع القدرة على أكثر منه أم لا؟

                                                                                                                                                                                        وقال في الكتاب : إذا صلى قائما يجعل إيماءه للسجود أخفض من إيمائه للركوع . فكان في هذا بيان أنه ليس عليه أن يأتي بغاية مقدرته.

                                                                                                                                                                                        وقال في مختصر ما ليس في المختصر فيمن رفع إليه شيء فيسجد عليه قال: إذا أومأ إلى حد طاقته وسجد على ما رفع إليه أجزأه، وإن سجد عليه وهو يطيق من الانحطاط إلى الإيماء أكثر من ذلك فسدت صلاته.

                                                                                                                                                                                        وهذا راجع إلى الاختلاف في الحركة إلى الركوع والسجود هل هما فرض ، مقصودتان في أنفسهما أو ليستا بفرض، وأن الفرض الركوع والسجود؟ فقيل: إذا سلم من ركعتين وانصرف- أنه لا يرجع إلى الجلوس، ولم يجعل الحركة إلى القيام فرضا. فعلى القول إنه فرض في نفسه أتى بأكثر [ ص: 305 ] المقدور عليه، وعلى القول الآخر ليس ذلك عليه.

                                                                                                                                                                                        وإن رفع إليه وسادة أو غيرها لم يسجد عليها، ولا خلاف في ذلك، واختلف في ذلك إن فعل، فقال في الكتاب : تجزئه صلاته .

                                                                                                                                                                                        وقال أشهب في مدونته: لا تجزئه، إلا أن يكون أومأ برأسه.

                                                                                                                                                                                        وتقدم قول مالك أنه لا تجزئه إلا أن يومئ غاية ما يقدر عليه.

                                                                                                                                                                                        قال الشيخ -رحمه الله-: والقياس ألا يجزئه شيء من ذلك إذا كانت نيته ذلك الإيماء خاصة حتى ينوي في حين إيمائه الأرض فيقصدها بالإيماء، فإذا كانت نيته الإشارة إلى الوسادة التي رفعت إليه دون الأرض- لم تجزئه; لأن المراد بالإيماء إلى الأرض أن هذا مطيع غير مستكبر عما دعي إليه من ذلك، ويؤيد ذلك قول مالك أنه يحسر العمامة عن جبهته في حال إيمائه.

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية