(
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=5ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما وارزقوهم فيها واكسوهم وقولوا لهم قولا معروفا ) .
قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=5ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما وارزقوهم فيها واكسوهم وقولوا لهم قولا معروفا ) .
واعلم أن هذا هو النوع الثالث من الأحكام المذكورة في هذه السورة .
واعلم أن تعلق هذه الآية بما قبلها هو كأنه تعالى يقول : إني وإن كنت أمرتكم بإيتاء اليتامى أموالهم وبدفع صدقات النساء إليهن ، فإنما قلت ذلك إذا كانوا عاقلين بالغين متمكنين من حفظ أموالهم ، فأما إذا كانوا غير بالغين ، أو غير عقلاء ، أو إن كانوا بالغين عقلاء إلا أنهم كانوا سفهاء مسرفين ، فلا تدفعوا إليهم أموالهم وأمسكوها لأجلهم إلى أن يزول عنهم السفه ، والمقصود من كل ذلك الاحتياط في حفظ أموال الضعفاء والعاجزين .
وفي الآية مسائل :
المسألة الأولى : في الآية قولان : الأول : أنها خطاب الأولياء فكأنه تعالى قال : أيها الأولياء لا تؤتوا
[ ص: 150 ] الذين يكونون تحت ولايتكم وكانوا سفهاء أموالهم . والدليل على أنه خطاب الأولياء قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=5وارزقوهم فيها واكسوهم ) وأيضا فعلى هذا القول يحسن تعلق الآية بما قبلها كما قررناه .
فإن قيل : فعلى هذا الوجه كان يجب أن يقال : ولا تؤتوا السفهاء أموالهم ، فلم قال أموالكم ؟
قلنا : في الجواب وجهان :
الأول : أنه تعالى أضاف المال إليهم لا لأنهم ملكوه ، لكن من حيث ملكوا التصرف فيه ، ويكفي في حسن الإضافة أدنى سبب .
الثاني : إنما حسنت هذه الإضافة إجراء للوحدة بالنوع مجرى الوحدة بالشخص ، ونظيره قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=128لقد جاءكم رسول من أنفسكم ) [ التوبة : 128 ] وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=25ما ملكت أيمانكم ) [ النساء : 25 ] وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=54فاقتلوا أنفسكم ) [ البقرة : 54 ] وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=85ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم ) [ البقرة : 85 ] ومعلوم أن الرجل منهم ما كان يقتل نفسه ، ولكن كان بعضهم يقتل بعضا ، وكان الكل من نوع واحد ، فكذا ههنا المال شيء ينتفع به نوع الإنسان ويحتاج إليه . فلأجل هذه الوحدة النوعية حسنت إضافة أموال السفهاء إلى أوليائهم .
والقول الثاني : أن هذه الآية خطاب الآباء فنهاهم الله تعالى إذا كان أولادهم سفهاء لا يستقلون بحفظ المال وإصلاحه أن يدفعوا أموالهم أو بعضها إليهم ، لما كان في ذلك من الإفساد ، فعلى هذا الوجه يكون إضافة الأموال إليهم حقيقة ، وعلى هذا القول يكون الغرض من الآية الحث على
nindex.php?page=treesubj&link=33644_33307حفظ المال والسعي في أن لا يضيع ولا يهلك ، وذلك يدل على أنه ليس له أن يأكل جميع أمواله ويهلكها ، وإذا قرب أجله فإنه يجب عليه أن يوصي بماله إلى أمين يحفظ ذلك المال على ورثته ، وقد ذكرنا أن القول الأول أرجح لوجهين ، ومما يدل على هذا الترجيح أن ظاهر النهي للتحريم ، وأجمعت الأمة على أنه لا يحرم عليه أن يهب من أولاده الصغار ومن النسوان ما شاء من ماله ، وأجمعوا على أنه
nindex.php?page=treesubj&link=23557_33644يحرم على الولي أن يدفع إلى السفهاء أموالهم ، وإذا كان كذلك وجب حمل الآية على القول الأول لا على هذا القول الثاني والله أعلم .
الثاني : أنه قال في آخر الآية : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=5وقولوا لهم قولا معروفا ) ولا شك أن هذه الوصية بالأيتام أشبه ، لأن المرء مشفق بطبعه على ولده ، فلا يقول له إلا المعروف ، وإنما يحتاج إلى هذه الوصية مع الأيتام الأجانب ، ولا يمتنع أيضا حمل الآية على كلا الوجهين . قال القاضي : هذا بعيد لأنه يقتضي حمل قوله : ( أموالكم ) على الحقيقة والمجاز جميعا ، ويمكن أن يجاب عنه بأن قوله : ( أموالكم ) يفيد كون تلك الأموال مختصة بهم اختصاصا يمكنه التصرف فيها ، ثم إن الاختصاص حاصل في المال الذي يكون مملوكا له ، وفي المال الذي يكون مملوكا للصبي ، إلا أنه يجب تصرفه ، فهذا التفاوت واقع في مفهوم خارج من المفهوم المستفاد من قوله : ( أموالكم ) وإذا كان كذلك لم يبعد حمل اللفظ عليهما من حيث إن اللفظ أفاد معنى واحدا مشتركا بينهما .
المسألة الثانية : ذكروا في المراد بالسفهاء أوجها :
الأول : قال
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد وجويبر عن
الضحاك السفهاء ههنا النساء سواء كن أزواجا أو أمهات أو بنات . وهذا مذهب
ابن عمر ، ويدل على هذا ما روى
أبو أمامة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16012271ألا إنما خلقت النار للسفهاء يقولها ثلاثا ألا وإن السفهاء النساء إلا امرأة أطاعت قيمها " .
فإن قيل : لو كان المراد بالسفهاء النساء لقال : السفائه . أو السفيهات في جمع السفيهة نحو غرائب وغريبات في جمع الغريبة .
[ ص: 151 ]
أجاب
الزجاج : بأن السفهاء في جمع السفيهة جائز كما أن الفقراء في جمع الفقيرة جائز .
والقول الثاني : قال
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري وابن زيد : عنى بالسفهاء ههنا السفهاء من الأولاد ، يقول : لا تعط مالك - الذي هو قيامك - ولدك السفيه فيفسده .
القول الثالث : المراد بالسفهاء هم النساء والصبيان في قول
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس والحسن وقتادة nindex.php?page=showalam&ids=15992وسعيد بن جبير ، قالوا إذا علم الرجل أن امرأته سفيهة مفسدة ، وأن ولده سفيه مفسد فلا ينبغي له أن يسلط واحدا منهما على ماله فيفسده .
والقول الرابع : أن المراد بالسفهاء كل من لم يكن له عقل يفي بحفظ المال ، ويدخل فيه النساء والصبيان والأيتام وكل من كان موصوفا بهذه الصفة ، وهذا القول أولى لأن التخصيص بغير دليل لا يجوز ، وقد ذكرنا في سورة البقرة أن السفه خفة العقل ، ولذلك سمي الفاسق سفيها لأنه لا وزن له عند أهل الدين والعلم ، ويسمى الناقص العقل سفيها لخفة عقله .
المسألة الثالثة : أنه ليس السفه في هؤلاء صفة ذم ، ولا يفيد معنى العصيان لله تعالى ، وإنما سموا سفهاء لخفة عقولهم ونقصان تمييزهم عن القيام بحفظ الأموال .
المسألة الرابعة : اعلم أنه تعالى أمر المكلفين في مواضع من كتابه بحفظ الأموال ، قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=26ولا تبذر تبذيرا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=27إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين ) [ الإسراء : 26 ] وقال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=29ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا ) [ الإسراء : 29 ] وقال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=67والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا ) [ الفرقان : 67 ] وقد رغب الله في حفظ المال في آية المداينة حيث أمر بالكتابة والإشهاد والرهن ، والعقل أيضا يؤيد ذلك ؛ لأن الإنسان ما لم يكن فارغ البال لا يمكنه القيام بتحصيل مصالح الدنيا والآخرة ، ولا يكون فارغ البال إلا بواسطة المال ؛ لأن به يتمكن من جلب المنافع ودفع المضار ، فمن أراد الدنيا بهذا الغرض كانت الدنيا في حقه من أعظم الأسباب المعينة له على اكتساب سعادة الآخرة ، أما من أرادها لنفسها ولعينها كانت من أعظم المعوقات عن كسب سعادة الآخرة .
المسألة الخامسة : قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=5التي جعل الله لكم قياما ) معناه أنه لا يحصل قيامكم ولا معاشكم إلا بهذا المال ، فلما كان المال سببا للقيام والاستقلال سماه بالقيام إطلاقا لاسم المسبب على السبب على سبيل المبالغة ، يعني كان هذا المال نفس قيامكم وابتغاء معاشكم ، وقرأ
نافع وابن عامر ( التي جعل الله لكم قيما ) وقد يقال : هذا قيم وقيم ، كما قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=161دينا قيما ملة إبراهيم ) [ الأنعام : 161 ] وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=12عبد الله بن عمر ( قواما ) بالواو ، وقوام الشيء ما يقام به كقولك : ملاك الأمر لما يملك به .
المسألة السادسة : قال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رحمه الله : البالغ إذا كان مبذرا للمال مفسدا له يحجر عليه وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة رضي الله عنه : لا يحجر عليه . حجة
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : أنه سفيه ، فوجب أن يحجر عليه ، إنما قلنا إنه سفيه ؛ لأن السفيه في اللغة ، هو من خف وزنه . ولا شك أن من كان مبذرا للمال مفسدا له من غير فائدة ، فإنه لا يكون له في القلب وقع عند العقلاء ، فكان خفيف الوزن عندهم ، فوجب أن يسمى بالسفيه ، وإذا ثبت هذا لزم اندراجه تحت قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=5ولا تؤتوا السفهاء أموالكم ) .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=5وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا ) .
قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=5وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا ) .
وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا هُوَ النَّوْعُ الثَّالِثُ مِنَ الْأَحْكَامِ الْمَذْكُورَةِ فِي هَذِهِ السُّورَةِ .
وَاعْلَمْ أَنَّ تَعَلُّقَ هَذِهِ الْآيَةِ بِمَا قَبْلَهَا هُوَ كَأَنَّهُ تَعَالَى يَقُولُ : إِنِّي وَإِنْ كُنْتُ أَمَرْتُكُمْ بِإِيتَاءِ الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَبِدَفْعِ صَدُقَاتِ النِّسَاءِ إِلَيْهِنَّ ، فَإِنَّمَا قُلْتُ ذَلِكَ إِذَا كَانُوا عَاقِلِينَ بَالِغِينَ مُتَمَكِّنِينَ مِنْ حِفْظِ أَمْوَالِهِمْ ، فَأَمَّا إِذَا كَانُوا غَيْرَ بَالِغِينَ ، أَوْ غَيْرَ عُقَلَاءَ ، أَوْ إِنْ كَانُوا بَالِغِينَ عُقَلَاءَ إِلَّا أَنَّهُمْ كَانُوا سُفَهَاءَ مُسْرِفِينَ ، فَلَا تَدْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَأَمْسِكُوهَا لِأَجْلِهِمْ إِلَى أَنْ يَزُولَ عَنْهُمُ السَّفَهُ ، وَالْمَقْصُودُ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ الِاحْتِيَاطُ فِي حِفْظِ أَمْوَالِ الضُّعَفَاءِ وَالْعَاجِزِينَ .
وَفِي الْآيَةِ مَسَائِلُ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : فِي الْآيَةِ قَوْلَانِ : الْأَوَّلُ : أَنَّهَا خِطَابُ الْأَوْلِيَاءِ فَكَأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ : أَيُّهَا الْأَوْلِيَاءُ لَا تُؤْتُوا
[ ص: 150 ] الَّذِينَ يَكُونُونَ تَحْتَ وِلَايَتِكُمْ وَكَانُوا سُفَهَاءَ أَمْوَالَهُمْ . وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ خِطَابُ الْأَوْلِيَاءِ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=5وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ ) وَأَيْضًا فَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ يَحْسُنُ تَعَلُّقُ الْآيَةِ بِمَا قَبْلَهَا كَمَا قَرَّرْنَاهُ .
فَإِنْ قِيلَ : فَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ كَانَ يَجِبُ أَنْ يُقَالَ : وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَهُمْ ، فَلِمَ قَالَ أَمْوَالَكُمْ ؟
قُلْنَا : فِي الْجَوَابِ وَجْهَانِ :
الْأَوَّلُ : أَنَّهُ تَعَالَى أَضَافَ الْمَالَ إِلَيْهِمْ لَا لِأَنَّهُمْ مَلَكُوهُ ، لَكِنْ مِنْ حَيْثُ مَلَكُوا التَّصَرُّفَ فِيهِ ، وَيَكْفِي فِي حُسْنِ الْإِضَافَةِ أَدْنَى سَبَبٍ .
الثَّانِي : إِنَّمَا حَسُنَتْ هَذِهِ الْإِضَافَةُ إِجْرَاءً لِلْوَحْدَةِ بِالنَّوْعِ مَجْرَى الْوَحْدَةِ بِالشَّخْصِ ، وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=128لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ ) [ التَّوْبَةِ : 128 ] وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=25مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ) [ النِّسَاءِ : 25 ] وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=54فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ) [ الْبَقَرَةِ : 54 ] وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=85ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ ) [ الْبَقَرَةِ : 85 ] وَمَعْلُومٌ أَنَّ الرَّجُلَ مِنْهُمْ مَا كَانَ يَقْتُلُ نَفْسَهُ ، وَلَكِنْ كَانَ بَعْضُهُمْ يَقْتُلُ بَعْضًا ، وَكَانَ الْكُلُّ مِنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ ، فَكَذَا هَهُنَا الْمَالُ شَيْءٌ يَنْتَفِعُ بِهِ نَوْعُ الْإِنْسَانِ وَيَحْتَاجُ إِلَيْهِ . فَلِأَجْلِ هَذِهِ الْوَحْدَةِ النَّوْعِيَّةِ حَسُنَتْ إِضَافَةُ أَمْوَالِ السُّفَهَاءِ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ .
وَالْقَوْلُ الثَّانِي : أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ خِطَابُ الْآبَاءِ فَنَهَاهُمُ اللَّهُ تَعَالَى إِذَا كَانَ أَوْلَادُهُمْ سُفَهَاءَ لَا يَسْتَقِلُّونَ بِحِفْظِ الْمَالِ وَإِصْلَاحِهِ أَنْ يَدْفَعُوا أَمْوَالَهُمْ أَوْ بَعْضَهَا إِلَيْهِمْ ، لِمَا كَانَ فِي ذَلِكَ مِنَ الْإِفْسَادِ ، فَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ يَكُونُ إِضَافَةُ الْأَمْوَالِ إِلَيْهِمْ حَقِيقَةً ، وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ يَكُونُ الْغَرَضُ مِنَ الْآيَةِ الْحَثَّ عَلَى
nindex.php?page=treesubj&link=33644_33307حِفْظِ الْمَالِ وَالسَّعْيَ فِي أَنْ لَا يَضِيعَ وَلَا يَهْلِكَ ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ جَمِيعَ أَمْوَالِهِ وَيُهْلِكَهَا ، وَإِذَا قَرُبَ أَجَلُهُ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُوصِيَ بِمَالِهِ إِلَى أَمِينٍ يَحْفَظُ ذَلِكَ الْمَالَ عَلَى وَرَثَتِهِ ، وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ أَرْجَحُ لِوَجْهَيْنِ ، وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى هَذَا التَّرْجِيحِ أَنَّ ظَاهِرَ النَّهْيِ لِلتَّحْرِيمِ ، وَأَجْمَعَتِ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ أَنْ يَهَبَ مِنْ أَوْلَادِهِ الصِّغَارِ وَمِنَ النِّسْوَانِ مَا شَاءَ مِنْ مَالِهِ ، وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ
nindex.php?page=treesubj&link=23557_33644يَحْرُمُ عَلَى الْوَلِيِّ أَنْ يَدْفَعَ إِلَى السُّفَهَاءِ أَمْوَالَهُمْ ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ وَجَبَ حَمْلُ الْآيَةِ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ لَا عَلَى هَذَا الْقَوْلِ الثَّانِي وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
الثَّانِي : أَنَّهُ قَالَ فِي آخِرِ الْآيَةِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=5وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا ) وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذِهِ الْوَصِيَّةَ بِالْأَيْتَامِ أَشْبَهُ ، لِأَنَّ الْمَرْءَ مُشْفِقٌ بِطَبْعِهِ عَلَى وَلَدِهِ ، فَلَا يَقُولُ لَهُ إِلَّا الْمَعْرُوفَ ، وَإِنَّمَا يَحْتَاجُ إِلَى هَذِهِ الْوَصِيَّةِ مَعَ الْأَيْتَامِ الْأَجَانِبِ ، وَلَا يَمْتَنِعُ أَيْضًا حَمْلُ الْآيَةِ عَلَى كِلَا الْوَجْهَيْنِ . قَالَ الْقَاضِي : هَذَا بَعِيدٌ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي حَمْلَ قَوْلِهِ : ( أَمْوَالَكُمْ ) عَلَى الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ جَمِيعًا ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِأَنَّ قَوْلَهُ : ( أَمْوَالَكُمْ ) يُفِيدُ كَوْنَ تِلْكَ الْأَمْوَالِ مُخْتَصَّةً بِهِمُ اخْتِصَاصًا يُمْكِنُهُ التَّصَرُّفُ فِيهَا ، ثُمَّ إِنَّ الِاخْتِصَاصَ حَاصِلٌ فِي الْمَالِ الَّذِي يَكُونُ مَمْلُوكًا لَهُ ، وَفِي الْمَالِ الَّذِي يَكُونُ مَمْلُوكًا لِلصَّبِيِّ ، إِلَّا أَنَّهُ يَجِبُ تَصَرُّفُهُ ، فَهَذَا التَّفَاوُتُ وَاقِعٌ فِي مَفْهُومٍ خَارِجٍ مِنَ الْمَفْهُومِ الْمُسْتَفَادِ مِنْ قَوْلِهِ : ( أَمْوَالَكُمْ ) وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَبْعُدْ حَمْلُ اللَّفْظِ عَلَيْهِمَا مِنْ حَيْثُ إِنَّ اللَّفْظَ أَفَادَ مَعْنًى وَاحِدًا مُشْتَرِكًا بَيْنَهُمَا .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : ذَكَرُوا فِي الْمُرَادِ بِالسُّفَهَاءِ أَوْجُهًا :
الْأَوَّلُ : قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16879مُجَاهِدٌ وَجُوَيْبِرٌ عَنِ
الضَّحَّاكِ السُّفَهَاءُ هَهُنَا النِّسَاءُ سَوَاءً كُنَّ أَزْوَاجًا أَوْ أُمَّهَاتٍ أَوْ بَنَاتٍ . وَهَذَا مَذْهَبُ
ابْنِ عُمَرَ ، وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا مَا رَوَى
أَبُو أُمَامَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16012271أَلَا إِنَّمَا خُلِقَتِ النَّارُ لِلسُّفَهَاءِ يَقُولُهَا ثَلَاثًا أَلَا وَإِنَّ السُّفَهَاءَ النِّسَاءُ إِلَّا امْرَأَةً أَطَاعَتْ قَيِّمَهَا " .
فَإِنْ قِيلَ : لَوْ كَانَ الْمُرَادُ بِالسُّفَهَاءِ النِّسَاءَ لَقَالَ : السَّفَائِهَ . أَوِ السَّفِيهَاتِ فِي جَمْعِ السَّفِيهَةِ نَحْوُ غَرَائِبَ وَغَرِيبَاتٍ فِي جَمْعِ الْغَرِيبَةِ .
[ ص: 151 ]
أَجَابَ
الزَّجَّاجُ : بِأَنَّ السُّفَهَاءَ فِي جَمْعِ السَّفِيهَةِ جَائِزٌ كَمَا أَنَّ الْفُقَرَاءَ فِي جَمْعِ الْفَقِيرَةِ جَائِزٌ .
وَالْقَوْلُ الثَّانِي : قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزُّهْرِيُّ وَابْنُ زَيْدٍ : عَنَى بِالسُّفَهَاءِ هَهُنَا السُّفَهَاءَ مِنَ الْأَوْلَادِ ، يَقُولُ : لَا تُعْطِ مَالَكَ - الَّذِي هُوَ قِيَامُكَ - وَلَدَكَ السَّفِيهَ فَيُفْسِدَهُ .
الْقَوْلُ الثَّالِثُ : الْمُرَادُ بِالسُّفَهَاءِ هُمُ النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ فِي قَوْلِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنِ وَقَتَادَةَ nindex.php?page=showalam&ids=15992وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، قَالُوا إِذَا عَلِمَ الرَّجُلُ أَنَّ امْرَأَتَهُ سَفِيهَةٌ مُفْسِدَةٌ ، وَأَنَّ وَلَدَهُ سَفِيهٌ مُفْسِدٌ فَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُسَلِّطَ وَاحِدًا مِنْهُمَا عَلَى مَالِهِ فَيُفْسِدَهُ .
وَالْقَوْلُ الرَّابِعُ : أَنَّ الْمُرَادَ بِالسُّفَهَاءِ كُلُّ مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَقْلٌ يَفِي بِحِفْظِ الْمَالِ ، وَيَدْخُلُ فِيهِ النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ وَالْأَيْتَامُ وَكُلُّ مَنْ كَانَ مَوْصُوفًا بِهَذِهِ الصِّفَةِ ، وَهَذَا الْقَوْلُ أَوْلَى لِأَنَّ التَّخْصِيصَ بِغَيْرِ دَلِيلٍ لَا يَجُوزُ ، وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ أَنَّ السَّفَهَ خِفَّةُ الْعَقْلِ ، وَلِذَلِكَ سُمِّيَ الْفَاسِقُ سَفِيهًا لِأَنَّهُ لَا وَزْنَ لَهُ عِنْدَ أَهْلِ الدِّينِ وَالْعِلْمِ ، وَيُسَمَّى النَّاقِصُ الْعَقْلِ سَفِيهًا لِخِفَّةِ عَقْلِهِ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : أَنَّهُ لَيْسَ السَّفَهُ فِي هَؤُلَاءِ صِفَةَ ذَمٍّ ، وَلَا يُفِيدُ مَعْنَى الْعِصْيَانِ لِلَّهِ تَعَالَى ، وَإِنَّمَا سُمُّوا سُفَهَاءَ لِخِفَّةِ عُقُولِهِمْ وَنُقْصَانِ تَمْيِيزِهِمْ عَنِ الْقِيَامِ بِحِفْظِ الْأَمْوَالِ .
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ : اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى أَمَرَ الْمُكَلَّفِينَ فِي مَوَاضِعَ مِنْ كِتَابِهِ بِحِفْظِ الْأَمْوَالِ ، قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=26وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=27إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ ) [ الْإِسْرَاءِ : 26 ] وَقَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=29وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا ) [ الْإِسْرَاءِ : 29 ] وَقَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=67وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا ) [ الْفُرْقَانِ : 67 ] وَقَدْ رَغَّبَ اللَّهُ فِي حِفْظِ الْمَالِ فِي آيَةِ الْمُدَايَنَةِ حَيْثُ أَمَرَ بِالْكِتَابَةِ وَالْإِشْهَادِ وَالرَّهْنِ ، وَالْعَقْلُ أَيْضًا يُؤَيِّدُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَكُنْ فَارِغَ الْبَالِ لَا يُمْكِنُهُ الْقِيَامُ بِتَحْصِيلِ مَصَالِحِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ، وَلَا يَكُونُ فَارِغَ الْبَالِ إِلَّا بِوَاسِطَةِ الْمَالِ ؛ لِأَنَّ بِهِ يَتَمَكَّنُ مَنْ جَلْبِ الْمَنَافِعِ وَدَفْعِ الْمَضَارِّ ، فَمَنْ أَرَادَ الدُّنْيَا بِهَذَا الْغَرَضِ كَانَتِ الدُّنْيَا فِي حَقِّهِ مِنْ أَعْظَمِ الْأَسْبَابِ الْمُعِينَةِ لَهُ عَلَى اكْتِسَابِ سَعَادَةِ الْآخِرَةِ ، أَمَّا مَنْ أَرَادَهَا لِنَفْسِهَا وَلِعَيْنِهَا كَانَتْ مِنْ أَعْظَمِ الْمُعَوِّقَاتِ عَنْ كَسْبِ سَعَادَةِ الْآخِرَةِ .
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ : قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=5الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا ) مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ قِيَامُكُمْ وَلَا مَعَاشُكُمْ إِلَّا بِهَذَا الْمَالِ ، فَلَمَّا كَانَ الْمَالُ سَبَبًا لِلْقِيَامِ وَالِاسْتِقْلَالِ سَمَّاهُ بِالْقِيَامِ إِطْلَاقًا لِاسْمِ الْمُسَبَّبِ عَلَى السَّبَبِ عَلَى سَبِيلِ الْمُبَالَغَةِ ، يَعْنِي كَانَ هَذَا الْمَالُ نَفْسَ قِيَامِكُمْ وَابْتِغَاءَ مَعَاشِكُمْ ، وَقَرَأَ
نَافِعٌ وَابْنُ عَامِرٍ ( الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَمًا ) وَقَدْ يُقَالُ : هَذَا قَيِّمٌ وَقِيَمٌ ، كَمَا قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=161دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ ) [ الْأَنْعَامِ : 161 ] وَقَرَأَ
nindex.php?page=showalam&ids=12عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ ( قِوَامًا ) بِالْوَاوِ ، وَقِوَامُ الشَّيْءِ مَا يُقَامُ بِهِ كَقَوْلِكَ : مِلَاكُ الْأَمْرِ لِمَا يُمْلَكُ بِهِ .
الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ : قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ : الْبَالِغُ إِذَا كَانَ مُبَذِّرًا لِلْمَالِ مُفْسِدًا لَهُ يُحْجَرُ عَلَيْهِ وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11990أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : لَا يُحْجَرُ عَلَيْهِ . حُجَّةُ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ : أَنَّهُ سَفِيهٌ ، فَوَجَبَ أَنْ يُحْجَرَ عَلَيْهِ ، إِنَّمَا قُلْنَا إِنَّهُ سَفِيهٌ ؛ لِأَنَّ السَّفِيهَ فِي اللُّغَةِ ، هُوَ مَنْ خَفَّ وَزْنُهُ . وَلَا شَكَّ أَنَّ مَنْ كَانَ مُبَذِّرًا لِلْمَالِ مُفْسِدًا لَهُ مِنْ غَيْرِ فَائِدَةٍ ، فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ لَهُ فِي الْقَلْبِ وَقْعٌ عِنْدَ الْعُقَلَاءِ ، فَكَانَ خَفِيفَ الْوَزْنِ عِنْدَهُمْ ، فَوَجَبَ أَنْ يُسَمَّى بِالسَّفِيهِ ، وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا لَزِمَ انْدِرَاجُهُ تَحْتَ قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=5وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ ) .