الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
والنية .

التالي السابق


(و) السادس (النية) اعلم أنه اختلف فيها فقيل: هي واجبة في بعض الصلاة، وهو أولها لا في جميعها، فكانت ركنا كالتكبير والركوع، وهو المعتمد، وقيل: هي شرط؛ لأنها عبارة عن قصد فعل الصلاة، فتكون خارج الصلاة، وعليه جرى المصنف هنا، وتظهر فائدة الاختلاف فيما لو افتتح النية مع مقارنة مفسد من نجاسة أو غيرها، وتمت بلا مانع إن قلنا: إنها ركن لم تصح، أو شرط: صحت، ومحلها القلب؛ لأنها القصد، فلا يكفي النطق مع غفلة القلب بالإجماع، ويندب النطق بالمنوي قبل التكبير ليساعد اللسان القلب. وقال الأذرعي: لا دليل على الندب، وقال الخطيب: وهو ممنوع، بل قيل بوجوب التلفظ بالنية في كل عبادة، ولو عقب النية بلفظ: إن شاء الله تعالى أو نواها، وقصد بذلك التبرك، أو أن الفعل واقع بالمشيئة لم يضر، أو التعليق أو أطلق لم يصح للمنافاة، ولو قال شخص لآخر: صل فرضك ولك علي دينار، فصلى بهذه النية لم يستحق الدينار، وأجزأته صلاته، ولو قال: أصلي لثواب الله تعالى وللهرب من عقابه صحت صلاته؛ خلافا للفخر الرازي، وفي النية مسائل تقدم ذكرها آنفا .



(فصل)

وقال أصحابنا: النية هي الإرادة المرجحة لأحد الطرفين المتساويين لا مطلق العلم على الأصح، فإن من علم الكفر لا يكفر ولو نواه يكفر، والمسافر إذا علم الإقامة لا يصير مقيما، وإذا نواها يصير مقيما. [ ص: 137 ] والمعتبر فيها عمل القلب اللازم للإرادة، فلا عبرة للذكر باللسان المخالف للقلب؛ لأنه كلام لا نية إلا إذا عجز عن إحضاره لهموم أصابته، فيكفيه اللسان وعمل القلب أن يعلم عند الإرادة بداهة، أي صلاة يصليها، واللفظ بها مستحب، وهو المختار، وقيل: سنة راتبة، وقيل: بدعة كما سبق ذلك، وجاز تقديمها على التكبيرة ولو قبل الوقت ما لم يوجد بينهما قاطع من عمل غير لائق بصلاة، وهو كل ما يمنع البناء، قيل: والأصل في اشتراطها إجماع المسلمين على ذلك كما نقله ابن المنذر وغيره .

وأما الاستدلال على اشتراطها بقوله تعالى: وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين كما فعل السراج الهندي في شرح المغني، فليس بظاهر؛ لأن الظاهر أن المراد بالعبادة التوحيد بدليل عطف الصلاة والزكاة عليها .

وأما الاستدلال بقوله -صلى الله عليه وسلم-: إنما الأعمال بالنيات كما في الهداية وغيرها، فلا يصح؛ لأن أئمة الأصول ذكروا أن هذا الحديث من قبيل ظني الثبوت والدلالة؛ لأنه خبر واحد مشترك الدلالة، فيفيد السنية والاستحباب لا الافتراض. والله أعلم .




الخدمات العلمية