قال المصنف رحمه الله تعالى : ( ففيه قولان ، قال في الأم : يلزمه أن يعيد ; لأنه تعين له يقين الخطأ فيما يؤمن مثله في القضاء ، فلم يعتد بما مضى ، كالحاكم إذا حكم ثم وجد النص بخلافه ، وقال في القديم و [ في باب ] الصيام من الجديد : لا يلزمه ; لأنه جهة تجوز الصلاة إليها بالاجتهاد ، فأشبه إذا لم يتيقن الخطأ . وإن صلى إلى جهة ثم رأى القبلة في يمينها أو شمالها لم يعد ; لأن الخطأ في اليمين والشمال لا يعلم قطعا فلا ينتقض به الاجتهاد ) . وإن صلى ثم تيقن الخطأ
التالي
السابق
( الشرح ) قوله : تعين احتراز مما إذا صلى صلاتين باجتهادين إلى جهتين فإنه تيقن الخطأ في إحداهما فلا إعادة عليه ; لأنه لم تتعين التي أخطأ فيها ، وقوله يقين الخطأ احتراز مما إذا صلى إلى جهة ثم ظهر بالاجتهاد أن القبلة غيرها فقد تعين الخطأ بالظن لا باليقين ، وقوله : يؤمن مثله في القضاء احتراز ممن أكل في الصوم ناسيا أو وقف للحج في اليوم العاشر غالطا .
( أما حكم الفصل ) فقال أصحابنا رحمهم الله إذا فله أحوال : ( أحدها ) أن يظهر الخطأ قبل الشروع في الصلاة فإن تيقن الخطأ في [ ص: 207 ] اجتهاده أعرض عنه واعتمد الجهة التي يعلمها أو يظنها الآن ، وإن لم يتيقن ، بل ظن أن الصواب جهة أخرى - فإن كان دليل الثاني عنده أوضح من الأول - اعتمد الثاني وإن كان الأول أوضح اعتمده ، وإن تساويا فوجهان أصحهما : يتخير فيهما ، والثاني : يصلي إلى الجهتين مرتين . صلى بالاجتهاد ثم ظهر له الخطأ في الاجتهاد
( الحال الثاني ) أن يظهر الخطأ بعد الفراغ من الصلاة فإن تيقنه فهي مسألة الكتاب ففيها القولان المذكوران في الكتاب بدليلهما ، أصحهما عند الأصحاب تجب الإعادة ، والقولان جاريان سواء تيقن مع الخطأ جهة الصواب أم لا ، وقيل : القولان إذا تيقن الخطأ ولم يتيقن الصواب ، فأما إذا تيقنهما فتلزمه الإعادة قولا واحدا ، وقيل القولان إذا تيقن الصواب ، أما إذا لم يتيقن الصواب فلا إعادة قولا واحدا والمذهب الأول ، ولو تيقن خطأ الذي قلده الأعمى فهو كما لو تيقن المجتهد خطأ نفسه ، أما إذا لم يتيقن الخطأ ولكن ظنه فلا إعادة حتى لو صلى أربع صلوات إلى أربع جهات فلا إعادة على المذهب كما سبق .
( الحال الثالث ) أن يظهر الخطأ في أثنائها ، وهو ضربان ( أحدهما ) : يظهر الخطأ ويظهر الصواب مقترنا به ، فإن كان الخطأ متيقنا بنيناه على تيقن الخطأ بعد الفراغ ، فإن قلنا بوجوب الإعادة بطلت صلاته وإلا فوجهان ، وقيل : قولان ( أصحهما ) ينحرف إلى جهة الصواب ويبني ( والثاني ) تبطل صلاته وإن لم يكن الخطأ متيقنا بل مظنونا ، ففيه هذان الوجهان أو القولان كما سبق ، وفيه كلام صاحب التهذيب السابق في الفرق بين رجحان الدليل الثاني وعدمه ( الضرب الثاني ) : أن لا يظهر الصواب مع الخطأ ، فإن عجز عن الصواب بالاجتهاد على القرب بطلت صلاته ، وإن قدر عليه على القرب فهل ينحرف ويبني ؟ أم يستأنف ؟ فيه القولان أحدهما : أنه على الخلاف في الضرب الأول ، والثاني - وهو المذهب : القطع بوجوب الاستئناف ; لأنه مضى جزء من صلاته إلى غير قبلة محسوبة ، مثال ظهور الخطأ دون الصواب : أن يعرف أن قبلته عن يسار المشرق وكان هناك غيم فذهب وظهر كوكب قريب من الأفق وهو مستقبله فعلم الخطأ يقينا ، ولم يعلم الصواب ، إذ يحتمل كون الكوكب في المشرق ويحتمل المغرب لكن قد يعرف الصواب [ ص: 208 ] على قرب بأن يرتفع فيعلم أنه مشرق ، أو ينحط فيعلم أنه مغرب ، وتعرف به القبلة ، وقد يعجز عن ذلك بأن يطبق الغيم عقب ظهور الكوكب والله أعلم .
هذا كله إذا ظهر الخطأ في الجهة ،
( أما حكم الفصل ) فقال أصحابنا رحمهم الله إذا فله أحوال : ( أحدها ) أن يظهر الخطأ قبل الشروع في الصلاة فإن تيقن الخطأ في [ ص: 207 ] اجتهاده أعرض عنه واعتمد الجهة التي يعلمها أو يظنها الآن ، وإن لم يتيقن ، بل ظن أن الصواب جهة أخرى - فإن كان دليل الثاني عنده أوضح من الأول - اعتمد الثاني وإن كان الأول أوضح اعتمده ، وإن تساويا فوجهان أصحهما : يتخير فيهما ، والثاني : يصلي إلى الجهتين مرتين . صلى بالاجتهاد ثم ظهر له الخطأ في الاجتهاد
( الحال الثاني ) أن يظهر الخطأ بعد الفراغ من الصلاة فإن تيقنه فهي مسألة الكتاب ففيها القولان المذكوران في الكتاب بدليلهما ، أصحهما عند الأصحاب تجب الإعادة ، والقولان جاريان سواء تيقن مع الخطأ جهة الصواب أم لا ، وقيل : القولان إذا تيقن الخطأ ولم يتيقن الصواب ، فأما إذا تيقنهما فتلزمه الإعادة قولا واحدا ، وقيل القولان إذا تيقن الصواب ، أما إذا لم يتيقن الصواب فلا إعادة قولا واحدا والمذهب الأول ، ولو تيقن خطأ الذي قلده الأعمى فهو كما لو تيقن المجتهد خطأ نفسه ، أما إذا لم يتيقن الخطأ ولكن ظنه فلا إعادة حتى لو صلى أربع صلوات إلى أربع جهات فلا إعادة على المذهب كما سبق .
( الحال الثالث ) أن يظهر الخطأ في أثنائها ، وهو ضربان ( أحدهما ) : يظهر الخطأ ويظهر الصواب مقترنا به ، فإن كان الخطأ متيقنا بنيناه على تيقن الخطأ بعد الفراغ ، فإن قلنا بوجوب الإعادة بطلت صلاته وإلا فوجهان ، وقيل : قولان ( أصحهما ) ينحرف إلى جهة الصواب ويبني ( والثاني ) تبطل صلاته وإن لم يكن الخطأ متيقنا بل مظنونا ، ففيه هذان الوجهان أو القولان كما سبق ، وفيه كلام صاحب التهذيب السابق في الفرق بين رجحان الدليل الثاني وعدمه ( الضرب الثاني ) : أن لا يظهر الصواب مع الخطأ ، فإن عجز عن الصواب بالاجتهاد على القرب بطلت صلاته ، وإن قدر عليه على القرب فهل ينحرف ويبني ؟ أم يستأنف ؟ فيه القولان أحدهما : أنه على الخلاف في الضرب الأول ، والثاني - وهو المذهب : القطع بوجوب الاستئناف ; لأنه مضى جزء من صلاته إلى غير قبلة محسوبة ، مثال ظهور الخطأ دون الصواب : أن يعرف أن قبلته عن يسار المشرق وكان هناك غيم فذهب وظهر كوكب قريب من الأفق وهو مستقبله فعلم الخطأ يقينا ، ولم يعلم الصواب ، إذ يحتمل كون الكوكب في المشرق ويحتمل المغرب لكن قد يعرف الصواب [ ص: 208 ] على قرب بأن يرتفع فيعلم أنه مشرق ، أو ينحط فيعلم أنه مغرب ، وتعرف به القبلة ، وقد يعجز عن ذلك بأن يطبق الغيم عقب ظهور الكوكب والله أعلم .
هذا كله إذا ظهر الخطأ في الجهة ،
أما فإن كان ظهوره بالاجتهاد وظهر بعد الفراغ من الصلاة لم يؤثر قطعا والصلاة ماضية على الصحة وإن كان في أثنائها انحرف وأتمها بلا خلاف ، وإن كان ظهوره يقينا وقلنا : الفرض جهة إذا ظهر الخطأ في التيامن والتياسر الكعبة فالحكم كذلك ، وإن قلنا عينها ففي وجوب الإعادة بعد الفراغ ، ووجوب الاستئناف في الأثناء القولان قال صاحب التهذيب وغيره : ولا يتيقن الخطأ في الانحراف مع البعد من مكة وإنما يظن ومع القرب يمكن اليقين والظن . قال الرافعي هذا كالتوسط بين خلاف أطلقه أصحابنا العراقيون أنه هل يتيقن الخطأ في الانحراف من غير معاينة الكعبة ؟ من غير فرق بين القرب من مكة والبعد ، فقالوا : قال رحمه الله : لا يتصور إلا بالمعاينة وقال بعض الأصحاب يتصور . الشافعي
( فرع ) لو لزمه المفارقة وينحرف إلى الجهة الثانية ، وهل له البناء ؟ أم عليه الاستئناف ؟ فيه الخلاف السابق في تغير الاجتهاد في أثناء الصلاة وهل هو مفارق بعذر ؟ أم بغير عذر لتركه كمال البحث ؟ فيه وجهان أصحهما : بعذر ، ولو تغير اجتهاد الإمام انحرف إلى الجهة الثانية بانيا أو مستأنفا على الخلاف ويفارقه المأموم وهي مفارقة بعذر بلا خلاف ، اجتهد جماعة في القبلة واتفق اجتهادهم فأمهم أحدهم ، ثم تغير اجتهاد مأموم
ولو فإن أوجبنا على المجتهد رعاية ذلك وجعلناه مؤثرا في بطلان الصلاة فهو كالاختلاف في الجهة فلا يقتدي أحدهما بالآخر . وإلا فلا بأس ويجوز الاقتداء . اختلف اجتهاد رجلين في التيامن والتياسر والجهة واحدة
ولو فله حالان أحدهما : أن يكون قوله عن اجتهاد ، فإن كان قوله الأول أرجح عنده لزيادة عدالته أو معرفته أو كان مثله أو شك ، لم يجب العمل بقول الثاني ، وفي جوازه خلاف مبني على أن المقلد إذا اختلف عليه اجتهاد اثنين ، هل يجب الأخذ بأعلمهما أم يتخير ؟ إن قلنا بالأول لم يجز وإلا فوجهان الأصح : لا يجوز أيضا ، وإن كان الثاني أرجح فهو كتغير اجتهاد البصير فينحرف . [ ص: 209 ] وهل يبني ، أم يستأنف ؟ فيه الخلاف . ولو قال له المجتهد الثاني بعد فراغه من الصلاة ، لم تجب الإعادة بلا خلاف وإن كان الثاني أرجح ، كما لو تغير اجتهاده بعد الفراغ . الحال الثاني : أن يخبر عن علم ومشاهدة فيجب الرجوع إلى قوله ، وإن كان قول الأول أرجح عنده ، ومن هذا القبيل أن يقول للأعمى : أنت مستقبل الشمس ، والأعمى يعلم أن قبلته إلى غير الشمس فيلزم الاستئناف على أصح القولين ، ولو قال الثاني : أنت على الخطأ قطعا وجب قبوله بلا خلاف ; لأن تقليد الأول بطل بقطع هذا والله أعلم . شرع المقلد في الصلاة بالتقليد فقال له عدل : أخطأ بك فلان