الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            ملخص كتاب أخبار الماضين من بني إسرائيل وغيرهم والجامع لأخبار الأنبياء

            قصة ذي القرنين عليه السلام وخبر يأجوج ومأجوج:

            ذكر العلماء أن ذا القرنين كان في زمن إبراهيم عليه السلام وأنه أسلم عليه، وقد اختلفوا في اسم ذي القرنين على وجوه: منها أن اسمه عبد الله بن الضحاك، وقيل: الإسكندر بن قيصر.

            وقد ذكر أهل العلم ذا قرنين آخر اسمه إسكندر بن فيليبس بن مضريم بن هرمس ويرفعون نسبه إلى إبراهيم الخليل وهو باني الإسكندرية فنسبت إليه.

            والإسكندر الأول كان مؤمنا وقد اختلف في نبوته، بينما الإسكندر الثاني باني الإسكندرية كان كافرا.

            وقد اختلفوا في سبب تسميته بذي القرنين اختلافا كبيرا.

            وقد سألت قريش النبي صلى الله عليه وسلم بإيعاز من اليهود عن ذي القرنين فنزل الجواب في كتاب الله تعالى في سورة الكهف، وأن الله تعالى قد آتاه من كل شيء سببا، ففتح الله على يديه البلدان حتى بلغ أقصى الأرض، وطلب عين الحياة التي من شرب منها لم يمت حتى يكون هو الذي يسأل ذلك، وأنه طلبها في الأرض الظلمة وكيف أنه رغم طلبه لها لم تحصل له وخطأ في الوصول إليها وحصلت لقائد جيشه الخضر عليه السلام وقد شرب منها وتوضأ واغتسل.

            وقد ذكر المؤرخون طرفا من غلبته على الخصوم بالحيلة والشجاعة وقوة جيشه وكمال عقله وحسن سياسته، وأنه سار حتى بلغ السدين اللذين عندهما قوم يأجوج ومأجوج، وقد اختلفت الأقوال فيهم ، والصحيح أنهم نوع من الترك لهم شوكة وفيهم شر ، وهم كثيرون ، وكانوا يفسدون فيما يجاورهم من الأرض ، ويخربون ما قدروا عليه من البلاد ، ويؤذون من يقرب منهم، وهم الذين يخرج منهم بعث النار من بني آدم يوم القيامة فكل واحد من بني آدم يقابله ألف منهم كما جاء في الحديث.

            ولما أفسدوا على الناس ممن يجاورونهم معايشهم طلبوا من ذي القرنين أن يجعل بينهم وبين يأجوج ومأجوج سدا فبنى ذو القرنين سدا منيعا وقد أرسل في اقتفاء خبره الخليفة الواثق بالله وفدا فجاؤوه ورجعوا إليه بخبره وصفته وذكروا له ما وجدوه من العجائب.

            وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه فتح في وقته شيء من ردمهم، وأنهم سينقبون السد في آخر الزمان ويخرجون على الناس ويهلكون الحرث والنسل ثم يبعث الله عليهم ما يهلكهم.

            ويقال من مآثر ذي القرنين أنه هو الذي بنى العديد من المدن ففي الصين بنى الدبواسية ، وحمدان، وشيرك ، وبرج الحجارة وبخرسان بنى مدينة مرو، وبالهند بنى مدينة سرنديب وغيرها.

            وذكروا أن أم ذي القرنين لما بلغها ما وصل إليه ملك ولدها أرسلت إليه تذكره بالله سبحانه وتنهاه عن الشح وكتبت إليه أن يحمل إليها كل ماله مع رجل مفرد على فرس أجرد، فعجب الناس كيف يكون ذلك والمال كثير فقال ذو القرنين: إنها طلبت أن أكتب لها بالمال ومواضعه وإحصائه وإرساله على الصفة التي ذكرت.

            وعندما حضرت ذو القرنين الوفاة كتب إلى أمه يعزيها عن نفسه، وقيل: إنه أرسل إليها يقول: إذا بلغك وفاتي فاصنعي طعاما ثم ادعي إليه نساء ولا تأكل إلا من كانت غير ثكلى، فلما فعلت ذلك وقربت الطعام من النساء فلم تأكل امرأة من أهل المدينة، فقالت لهن : سبحان الله! كلكن ثكلى! فقلن : أي والله ما منا إلا من أثكلت . فكان ذلك تسلية لأمه.

            وقد اختلف العلماء في مقدار عمره وخلط بعضهم بين ذي القرنين الأول والثاني.

            ملخص قصة أصحاب الكهف

            لما سألت قريش النبي صلى الله عليه وسلم بإيعاز من يهود عن فتية ذهبوا في الدهر الأول قد كانت لهم قصة عجب، نزلت سورة الكهف تروي قصتهم وما كان من أمرهم.

            وقد ذكر المؤرخون أنهم كانوا في زمن ملك يدعى دقيانوس في مدينة من الروم تسمى أفسوس وكان ملكهم يعبد الأصنام، وقد فروا منه بدينهم، وصحبهم كلب في الطريق فدخلوا كهفا يختبئون به فضرب الله على آذانهم في الكهف ثلاثمائة وتسعة سنة، فلما استيقظوا بعد هذه المدة ولا يعرفون كم لبثوا في كهفهم سأل بعضهم بعضا كم لبثنا ونمنا في هذا الكهف، فقال بعضهم: يوما أو بعض يوم، ثم اتفقوا على أن يخرج أحدهم ببعض المال ليأتي لهم بطعام، فلما خرج إلى السوق ليشتري لهم طعاما وجاء إلى المدينة متنكرا ; لئلا يعرفه أحد من قومه فيما يحسبه ، تنكرت له البلاد واستنكره من رآه من أهلها، واستغربوا شكله وصفته ودراهمه، فأخذوه ظنا منهم أنه قد وجد كنزا، ثم بان بعد ذلك أمره وعلم به وبأصحابه السلطان ثم توفاهم الله في كهفهم وعمي على الناس موضعهم، وقيل في راوية أخرى: إن الملك بنى على باب كهف مسجدا، وأنهم لما ماتوا صنع لهم توابيت من خشب.

            وقد ذكر تعالى صفة الغار الذي آووا إليه ، وأن بابه موجه إلى نحو الشمال ، وأعماقه إلى جهة القبلة ، وذلك أنفع الأماكن ; أن يكون المكان قبليا ، وبابه نحو الشمال.

            وقد اختلف العلماء في مكان هذا الكهف، فقال كثيرون : هو بأرض أيلة. وقيل : بأرض نينوى. وقيل: بالبلقاء. وقيل: ببلاد الروم.

            ملخص قصة صاحب الجنتين.

            قد ضرب الله مثلا برجلين في القرآن كانا مصطحبين وكان أحدهما مؤمنا والآخر كافرا، فأما المؤمن فكان قد أنفق ما معه في سبيل الله، وأما الجاحد بنعم الله سبحانه كان قد نماها فصارت له جنات تجري من عنب وأنهار تجري خلال بساتينه، في رخاء دون عناء، ثم إنه افتخر على صاحبه وجحد نعمة ربه وأنكر الآخرة وزعم أن لو كان هناك آخرة فإنه سيرزقه الله أفضل مما في يديه زاعما أن ما هو فيه إنما لرضى الله عنه، وأنه أهل له دون صاحبه.

            فلما سمع صاحبه منه ما يدل على جحوده وكفره نبهه إلى ذلك فقال: أكفرت بالذي خلقك من تراب ثم من نطفة ثم سواك رجلا وقال مصوبا له ومفهما ما ينبغي أن يكون عليه من صحة الاعتقاد بأن الله هو ربي ولا أشرك به أحدا ثم نبهه أنه لولا شكر الله على ما أنعم عليه بأن رد ما هو فيه إلى حول الله وقوته فقال له: ولولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله

            فإن الله عسى إن لم تتب إليه وترجع أن يرسل على جنتك من السماء ما يدمرها فتصبح ترابا وماؤها معين ذاهب في غور الأرض فلا تقدر على تحصيله، ويؤتيني خيرا من جنتك هذه التي تفتخر بها علي.

            فأحيط بثمر المفتخر ودمرت جنته فأصبح يقلب كفيه على ما أنفق فيها وهي خاوية على عروشها نادما على ما كان منه من الإشراك بالله تعالى ولم تكن له فئة ينصرونه من دون الله وما كان منتصرا، وعلم حينئذ أن الولاية لله الحق هو خير ثوابا وخير عقبا.

            وهكذا ذكر القرآن الكريم العديد من القصص التي تؤكد على أهمية الصدقة كما حصل في قصة أصحاب الجنة كما جاء ذكرها في سورة القلم وكيف أنهم لما منعوا حق الفقراء في مالهم أصبحت جنتهم وقد احترقت حتى ظنوا أنهم قد ضلوا مكانها وندموا حين لم ينفع الندم.

            كما ذكر القرآن الكريم قصة أصحاب السبت من أصحاب أيلة الذين مسخهم الله قردة وخنازير لما عتوا عن أمر ربهم وتحايلوا على أوامره ولم يرعوا لنصح المصلحين فيهم، وكيف نجى الله المؤمنين المصلحين وأهلك الباغين وجعلهم عبرة.

            ملخص قصة لقمان رضي الله عنه.

            لقمان بن عنقاء بن سدون، ويقال لقمان بن ثاران، وكان نوبيا من أهل أيلة، وكان رجلا صالحا، ذا عبادة، وعبارة، وحكمة عظيمة، ويقال: كان قاضيا في زمن داود عليه السلام.

            وكان عبدا أسود غليظ الشفتين، مصفح القدمين فأتاه رجل وهو في مجلس أناس يحدثهم فقال له: ألست الذي كنت ترعى معي الغنم في مكان كذا وكذا؟ قال: نعم قال: فما بلغ بك ما أرى؟ قال: صدق الحديث والصمت عما لا يعنيني.

            واختلف العلماء حول نبوته والمشهور عن الجمهور أنه كان حكيما وليا، ولم يكن نبيا.

            ولقد ذكر الله سبحانه طرفا من وصايا لقمان في كتابه العزيز في سورة باسمه رضي الله عنه.

            وعن خالد الربعي قال: كان لقمان عبدا حبشيا نجارا فقال له سيده: اذبح لي شاة فذبح له شاة فقال له: ائتني بأطيب مضغتين فيها فأتاه باللسان والقلب فقال: أما كان فيها شيء أطيب من هذين ؟ قال: لا. قال: فسكت عنه ما سكت، ثم قال له: اذبح لي شاة فذبح له شاة فقال له: ألق أخبثها مضغتين فرمى باللسان والقلب فقال: أمرتك أن تأتيني بأطيبها مضغتين; فأتيتني باللسان والقلب، وأمرتك أن تلقي أخبثها مضغتين; فألقيت اللسان والقلب فقال: إنه ليس شيء أطيب منهما إذا طابا ولا أخبث منهما إذا خبثا.

            هذا وقد ذكر أهل التاريخ عددا من القصص عن عباد وزهاد بني إسرائيل منها:

            قصة جريج أحد عباد بني إسرائيل، والذي دعت عليه أمه فابتلي باتهامه بالزنا وعلى يديه تكلم الطفل في المهد مبرئا إياه.

            وقصة برصيصا العابد الذي زنا بأخت النفر الذين استأمنوه على أختهم فما زال الشيطان به حتى زنا وقتل وسجد له ثم لم ينفعه ذلك.

            وقصة الثلاثة الذين آووا إلى الغار وانطبقت عليهم الصخرة فأنجاهم الدعاء بعملهم الصالح.

            وقصة الأعمى والأبرص والأقرع وكيف عافاهم الله من المرض وأسبغ عليهم نعمه فتنكر الأبرص والأقرع وشكر الأعمى نعمة الله عليه وصير صاحباه إلى ما كانا عليه.

            وقصة الذي استسلف من صاحبه ألف دينار فلما حل أجلها ولم يجد سفينة تقله حتى يأتي إلى صاحبه فيؤديها فأخذ خشبة ووضع فيها المال ثم دفعها في البحر ودعا الله تعالى أن يؤديها عنه، فأداها الله سبحانه عنه.

            وقصة من اشترى عقارا ووجد فيه جرة ذهب فأداها لصاحب العقار فأبى أن يأخذها وقال إنما بعتك العقار بما فيه، وقال المشتري وإنما اشتريت العقار ولم أشتر الذهب فاختصما للقاضي.

            وقصة توبة قاتل التسعة والتسعين نفسا، وقصة البغي التي سقت كلبا فغفر الله لها، وقصة المرأة التي دخلت النار في هرة، وقصة البقرة والذئب المتكلمين، وقصة المرأة التي اتخذت رجلين من خشب، وقصة المرأة والتنور، وقصة الملكين التائبين، وقصة الرجل الذي كان يقرض الناس ويتجاوز عنهم، وقصة الذي طلب من بنيه أن يحرقوه إذا مات، وقصة سرقة المرأة المخزومية، وقصة ذي الكفل وما جاء فيها، وقصة العجوزتين، وقصة العابد والرمانة، وقصة يرخ العابد، وقصة تائب من بني إسرائيل الذي ناداه النهر، وقصة من خدم موسى عليه السلام ثم طلب الدنيا بالدين، و قصة قصار، وقصة ذي الرجل، وقصة بياع القفاف وفتاة الجوسق، وقصة ابن ملك زهد في ملك أبيه، وقصة أنطونس السائح، وشمشون، جرجيس، وغيرها من قصص عباد بني إسرائيل، هذا وقد أذن النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث عن بني إسرائيل ولا حرج فيما لا يخالف شرعنا ولا نصدقهم ولا نكذبهم، لما في كتبهم من التبديل والتحريف.

            التالي السابق


            الخدمات العلمية