الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              2537 باب نكاح الشغار

                                                                                                                              وقال النووي: (باب تحريم نكاح الشغار، وبطلانه ).

                                                                                                                              حديث الباب

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم \ النووي ص200 ج9 المطبعة المصرية

                                                                                                                              [(عن ابن عمر ) رضي الله عنهما ; ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الشغار ). ].

                                                                                                                              [ ص: 189 ]

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              [ ص: 189 ] (الشرح)

                                                                                                                              "الشغار" بكسر الشين وبالغين المعجمة. أصله في اللغة: الرفع. يقال: "شغر الكلب". إذا رفع رجله ليبول. كأنه قال: لا ترفع رجل بنتي، حتى أرفع رجل ابنتك.

                                                                                                                              وقيل: هو من "شغر البلد". إذا خلا، لخلوه عن الصداق.

                                                                                                                              ويقال: "شغرت المرأة"، إذا رفعت رجلها عند الجماع.

                                                                                                                              قال ابن قتيبة: كل واحد منهما، يشغر عند الجماع. وكان الشغار من نكاح الجاهلية.

                                                                                                                              قال النووي: أجمع العلماء على أنه منهي عنه.. لكن اختلفوا: هل هو نهي يقتضي إبطال النكاح أم لا ؟

                                                                                                                              فعند الشافعي: يقتضي إبطاله. وحكاه الخطابي عن أحمد، وإسحاق، وأبي عبيد.

                                                                                                                              وقال مالك: يفسخ قبل الدخول وبعده. وفي رواية عنه: قبله لا بعده.

                                                                                                                              وقال جماعة: يصح بمهر المثل. وهو مذهب أبي حنيفة. وحكي عن عطاء، والزهري، والليث. وهو رواية عن أحمد، وإسحاق. وبه قال أبو ثور، وابن جرير.

                                                                                                                              وأجمعوا على أن غير البنات "من الأخوات، وبنات الأخ، والعمات، وبنات الأعمام، والإماء": كالبنات، في هذا.

                                                                                                                              [ ص: 190 ] وصورته الواضحة: زوجتك بنتي، على أن تزوجني بنتك، وبضع كل واحدة: صداق الأخرى. فيقول: قبلت. انتهى.

                                                                                                                              وأقول: الأحاديث الصحيحة، الثابتة في الصحيحين وغيرهما، من طريق جماعة من الصحابة: فيها التصريح بالنهي عن الشغار. وفيها: التفسير له بأن يزوج الرجل ابنته، أو أخته، من الرجل. على أن يزوجه ابنته، أو أخته. وليس بينهما صداق.

                                                                                                                              وهذا التفسير، روي موقوفا ومرفوعا.

                                                                                                                              والنهي: حقيقة في التحريم المقتضي للفساد، المرادف للبطلان.

                                                                                                                              وما ذكروه: من الفرق بين النهي لذات الشيء، أو لجزئه، أو لأمر خارج عنه: هو مجرد رأي بحت، ودعوى محضة.

                                                                                                                              بل كل ما نهى عنه الشارع: فقد منع العباد من قربانه، والتلبس به. وذلك هو معنى كونه: غير مأذون فيه. وغير شرعي.

                                                                                                                              وما كان كذلك، فليس من أمره صلى الله عليه وآله وسلم. وما لم يكن من أمره، فهو رد.

                                                                                                                              وهذه التفرقة بين أقسام النهي، صارت عصا يتوكأ عليها، من يريد دفع الدليل بمجرد القال والقيل. وصارت ذريعة للمغالطة، والمراوغة، والهرب من الحق.

                                                                                                                              [ ص: 191 ] على أنه ; قد ورد ههنا: التصريح بنفي هذا النكاح. كما في صحيح مسلم من حديث ابن عمر: أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال: "لا شغار في الإسلام". والنفي يتوجه إلى الذات حقيقة. ولا مانع من ذلك، لأن المراد: الذات الشرعية.

                                                                                                                              وعلى تقدير وجود مانع، فأقرب المجازين إليها: نفي الصحة. وبنفي الصحة يحصل المطلوب.

                                                                                                                              قال في السيل: ولا يختص الشغار بالبنات والأخوات، بل حكم غيرهن من القرابة حكمهن.

                                                                                                                              وقد حكى النووي الإجماع على ذلك. انتهى.

                                                                                                                              وقال في النيل: ظاهر ما في الأحاديث من النهي والنفي: أن الشغار حرام باطل. وغير مختص بالبنات والأخوات. انتهى.

                                                                                                                              والشغار: أن يزوج الرجل ابنته على أن يزوجه ابنته، وليس بينهما صداق.

                                                                                                                              وفي الرواية الأخرى بيان: أن هذا التفسير للشغار، من كلام نافع. وفي الأخرى: "ابنته أو أخته".

                                                                                                                              وفي حديث أبي هريرة، عند مسلم يرفعه: "والشغار: أن يقول [ ص: 192 ] الرجل للرجل: زوجني ابنتك، وأزوجك ابنتي، أو زوجني أختك، وأزوجك أختي".

                                                                                                                              وأخرج البيهقي عن جابر ; "نهى عن الشعار. والشغار: أن تنكح هذه بهذه، بغير صداق: بضع هذه صداق هذه. وبضع هذه صداق هذه".

                                                                                                                              وفي حديث أبي ريحانة ; "أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، نهى عن المشاغرة. والمشاغرة: أن يقول: زوج هذا من هذه، وهذه من هذا، بلا مهر". أخرجه أبو الشيخ.

                                                                                                                              وعن أبي بن كعب مرفوعا ; "لا شغار". (قالوا يا رسول الله! وما الشغار ؟ قال: "إنكاح المرأة بالمرأة، لا صداق بينهما" ). رواه الطبراني قال الحافظ: وإسناده "وإن كان ضعيفا"، لكنه يستأنس به، في هذا المقام.

                                                                                                                              [ ص: 193 ] قال الشافعي: لا أدري ; التفسير عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، أو عن ابن عمر، أو عن نافع، أو عن مالك ؟

                                                                                                                              قال الخطيب: تفسيره ليس من كلام النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وإنما هو من قول مالك.

                                                                                                                              قال القرطبي: تفسير الشغار صحيح، موافق لما ذكره أهل اللغة، فإن كان مرفوعا، فهو المقصود. وإن كان من قول الصحابي، فمقبول أيضا، لأنه أعلم بالمقال، وأقعد بالحال.




                                                                                                                              الخدمات العلمية