الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      القول في تأويل قوله تعالى:

                                                                                                                                                                                                                                      [ 9 ] اقتلوا يوسف أو اطرحوه أرضا يخل لكم وجه أبيكم وتكونوا من بعده قوما صالحين

                                                                                                                                                                                                                                      اقتلوا يوسف أو اطرحوه أرضا من مقول قولهم المحكي قبل، وإنما قالوا هذا لأن خبر المنام بلغهم، ويروى أنه قصه عليهم، فتشاوروا في كيده، وقالوا ذلك، وقالوا: لنرى بعد ما يكون من أحلامه، سخرية واستهزاء. وتنكير (أرضا) وإخلاؤها من الوصف للإبهام. أي في أرض مجهولة، لا يعرفها الأب، ولا يمكن ليوسف أن يعرف طريق الوصول إليه.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: يخل لكم وجه أبيكم جواب الأمر، كناية عن خلوص محبته لهم; لأنه بدل على إقباله عليهم بكليته، وعلى فراغه عن الشغل بيوسف، فيشتغل بهم. وتكونوا من بعده أي من بعد الفراغ من قتله أو طرحه قوما صالحين أي تائبين إلى الله عما جنيتم، فيكون صلاحكم فداء عن معصية قتله أو طرحه، أو تصلح دنياكم، وتنتظم أموركم بعده بخلو وجه أبيكم.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 3515 ] تنبيهات:

                                                                                                                                                                                                                                      الأول: قال ابن إسحاق: لقد اجتمعوا على أمر عظيم من قطيعة الرحم، وعقوق الوالد، وقلة الرأفة بالصغير، الذي لا ذنب له، وبالكبير الفاني، ذي الحق والحرمة والفضل، والده; ليفرقوا بينه وبين ابنه على صغر سنه، وحاجته إلى لطف والده، وسكونه إليه. يغفر الله لهم.

                                                                                                                                                                                                                                      الثاني: قال ابن كثير: اعلم أنه لم يقم دليل على نبوة إخوة يوسف، وظاهر السياق يدل على خلاف ذلك. ومن الناس من يزعم أنهم أوحي إليهم بعد ذلك، وفي هذا نظر، ويحتاج مدعي ذلك إلى دليل. ولم يذكروا سوى قوله تعالى: قولوا آمنا بالله وما أنـزل إلينا وما أنـزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وهذا فيه احتمال; لأن بطون بني إسرائيل يقال لهم الأسباط، كما يقال للعرب قبائل، وللعجم شعوب. يذكر تعالى أنه أوحى إلى الأنبياء من أسباط بني إسرائيل، فذكرهم إجمالا لأنهم كثيرون، ولكن كل سبط من نسل رجل من إخوة يوسف. ولم يقم دليل على أعيان هؤلاء أنهم أوحي إليهم. والله أعلم.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية