الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        وما جعلنا أصحاب النار إلا ملائكة وما جعلنا عدتهم إلا فتنة للذين كفروا ليستيقن الذين أوتوا الكتاب ويزداد الذين آمنوا إيمانا ولا يرتاب الذين أوتوا الكتاب والمؤمنون وليقول الذين في قلوبهم مرض والكافرون ماذا أراد الله بهذا مثلا كذلك يضل الله من يشاء ويهدي من يشاء وما يعلم جنود ربك إلا هو وما هي إلا ذكرى للبشر كلا والقمر والليل إذ أدبر والصبح إذا أسفر إنها لإحدى الكبر نذيرا للبشر لمن شاء منكم أن يتقدم أو يتأخر

                                                                                                                                                                                                                                        وما جعلنا أصحاب النار إلا ملائكة وما جعلنا عدتهم إلا فتنة للذين كفروا وروى ابن جريج أن النبي صلى الله عليه وسلم نعت خزنة جهنم فقال : كأن أعينهم البرق ، وكأن [ ص: 146 ]

                                                                                                                                                                                                                                        افواههم الصياصي ، يجرون شعورهم ، لأحدهم مثل قوة الثقلين ، يسوق أحدهم الأمة وعلى رقبته جبل فيرمي بهم في النار ، ويرمي الجبل عليهم
                                                                                                                                                                                                                                        . ليستيقن الذين أوتوا الكتاب فيه وجهان :

                                                                                                                                                                                                                                        أحدهما : ليستيقنوا عدد الخزنة لموافقة التوراة والإنجيل ، قاله مجاهد .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني : ليستيقنوا أن محمدا نبي لما جاء به من موافقة عدة الخزنة . ويزداد الذين آمنوا إيمانا بذلك ، قاله جريج . وما هي إلا ذكرى للبشر فيه ثلاثة أوجه :

                                                                                                                                                                                                                                        أحدها : وما نار جهنم إلا ذكرى للبشر ، قاله قتادة .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني : وما هذه النار في الدنيا إلا تذكرة لنار الآخرة ، حكاه ابن عيسى .

                                                                                                                                                                                                                                        الثالث : وما هذه السورة إلا تذكرة للناس ، قاله ابن شجرة . كلا والقمر الواو في (والقمر) واو القسم ، أقسم الله تعالى به ، ثم أقسم بما بعده فقال : والليل إذ أدبر فيه وجهان :

                                                                                                                                                                                                                                        أحدهما : إذ ولى ، قاله ابن عباس .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني : إذ أقبل عند إدبار النهار قاله أبو عبيدة ، وقرأ الحسن وأبو عبد الرحمن إذا دبر ، وهي قراءة ابن مسعود وأبي بن كعب . واختلف في أدبر ودبر على قولين :

                                                                                                                                                                                                                                        أحدهما : أنهما لغتان ومعناهما واحد ، قاله الأخفش .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني : أن معناهما مختلفان ، وفيه وجهان :

                                                                                                                                                                                                                                        أحدهما : أنه دبر إذا خلفته خلفك ، وأدبر إذا ولى أمامك ، قاله أبو عبيدة .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني : أنه دبر إذا جاء بعد غيره وعلى دبر ، وأدبر إذا ولى مدبرا ، قاله ابن بحر . والصبح إذا أسفر يعني أضاء وهذا قسم ثالث . إنها لإحدى الكبر فيها ثلاثة تأويلات : أحدها : أي أن تكذيبهم بمحمد صلى الله عليه وسلم لإحدى الكبر ، أي الكبيرة من الكبائر ، قاله ابن عباس .

                                                                                                                                                                                                                                        [ ص: 147 ]

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني : أي أن هذه النار لإحدى الكبر ، أي لإحدى الدواهي .

                                                                                                                                                                                                                                        الثالث : أن هذه الآية لإحدى الكبر ، حكاه ابن عيسى . ويحتمل رابعا : أن قيام الساعة لإحدى الكبر ، والكبر هي العظائم والعقوبات والشدائد ، قال الراجز


                                                                                                                                                                                                                                        يا ابن المغلى نزلت إحدى الكبر داهية الدهر وصماء الغير .



                                                                                                                                                                                                                                        نذيرا للبشر فيه وجهان :

                                                                                                                                                                                                                                        أحدهما : أن محمدا صلى الله عليه وسلم نذير للبشر حين قاله له قم فأنذر قاله ابن زيد .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني : أن النار نذير للبشر ، قال الحسن : والله ما أنذر الخلائق قط بشيء أدهى منها . ويحتمل ثالثا : أن القرآن نذير للبشر لما تضمنه من الوعد والوعيد . لمن شاء منكم أن يتقدم أو يتأخر فيه ثلاثة أوجه :

                                                                                                                                                                                                                                        أحدها : أن يتقدم في طاعة الله ، أو يتأخر عن معصية الله ، وهذا قول ابن جريج .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني : أن يتقدم في الخير أو يتأخر في الشر ، قاله يحيى بن سلام .

                                                                                                                                                                                                                                        الثالث : أن يتقدم إلى النار أو يتأخر عن الجنة ، قاله السدي . ويحتمل رابعا : لمن شاء منكم أن يستكثر أو يقصر ، وهذا وعيد وإن خرج مخرج الخبر .

                                                                                                                                                                                                                                        [ ص: 148 ]

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية