الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
خلق السماوات والأرض بالحق تعالى عما يشركون استئناف بياني ناشئ عن قوله سبحانه وتعالى عما يشركون ; لأنهم إذا سمعوا ذلك ترقبوا دليل تنزيه الله عن أن يكون له شركاء ; فابتدئ بالدلالة على اختصاصه بالخلق والتقدير ، وذلك دليل على أن ما يخلق لا يوصف بالإلهية كما أنبأ عنه التفرع عقب هذه الأدلة بقوله الآتي أفمن يخلق كمن لا يخلق أفلا تذكرون .

وأعقب قوله ( سبحانه ) بقوله ( وتعالى عما يشركون ) ; تحقيقا لنتيجة الدليل ، كما يذكر المطلوب قبل ذكر القياس في صناعة المنطق ، ثم يذكر ذلك المطلوب عقب القياس في صورة النتيجة تحقيقا للوحدانية ; لأن الضلال فيها هو أصل انتقاض عقائد أهل الشرك ; ولأن إشراكهم هو الذي حداهم [ ص: 101 ] إلى إنكار نبوة من جاء ينهاهم عن الشرك ; فلا جرم كان الاعتناء بإثبات الوحدانية ، وإبطال الشرك مقدما على إثبات صدق الرسول - عليه الصلاة والسلام - المبدأ به في أول السورة بقوله تعالى ينزل الملائكة بالروح من أمره .

وعددت دلائل من الخلق كلها متضمنة نعما جمة على الناس إدماجا للامتنان بنعم الله عليهم ، وتعريضا بأن المنعم عليهم الذين عبدوا غيره قد كفروا نعمته عليهم ، إذ شكروا ما لم ينعم عليهم ونسوا من انفرد بالإنعام ، وذلك أعظم الكفران ، كما دل على ذلك عطف ( وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها ) على جملة أفمن يخلق كمن لا يخلق .

والاستدلال بخلق السماوات والأرض أكبر من سائر الأدلة وأجمع ; لأنها محوية لهما ، ولأنهما من أعظم الموجودات ; فلذلك ابتدئ بهما ، ولكن ما فيه من إجمال المحويات اقتضى أن يعقب بالاستدلال بأصناف الخلق والمخلوقات ; فثنى بخلق الإنسان وأطواره ، وهو أعجب الموجودات المشاهدة ، ثم بخلق الحيوان وأحواله ; لأنه جمع الأنواع التي تلي الإنسان في إتقان الصنع مع ما في أنواعها من المنن ، ثم بخلق ما به حياة الإنسان والحيوان وهو الماء والنبات ، ثم بخلق أسباب الأزمنة والفصول والمواقيت ، ثم بخلق المعادن الأرضية ، وانتقل إلى الاستدلال بخلق البحار ، ثم بخلق الجبال والأنهار والطرقات وعلامات الاهتداء في السير ، وسيأتي تفصيله .

والباء في قوله ( بالحق ) للملابسة ، وهي متعلقة بـ ( خلق ) إذ الخلق هو الملابس للحق .

والحق : هنا ضد العبث ، فهو هنا بمعنى الحكمة والجد ، ألا ترى إلى قوله تعالى وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما لاعبين ما خلقناهما إلا بالحق ، وقوله تعالى وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلا ، والحق والصدق يطلقان وصفين لكمال الشيء في نوعه .

وجملة ( تعالى عما يشركون ) معترضة .

[ ص: 102 ] وقرأ حمزة والكسائي وخلف ( تعالى عما تشركون ) بمثناة فوقية .

التالي السابق


الخدمات العلمية