الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ولما تم أمر القبلة وما استتبعه وختم بشريعة الحج المكتوبة على الناس عامة الآمر لهم بها باني البيت إبراهيم عليه الصلاة والسلام عن أمر الله سبحانه وتعالى بقوله إذ قام المقام : يا أيها الناس ! كتب عليكم الحج فحجوا ، فأجابه من علم الله سبحانه وتعالى أنه يحج ثم حجت الأنبياء من بني إسرائيل بن إبراهيم عليهما السلام ثم أخفاها أهل الكتاب فيما أخفوه من كتابهم حسدا للعرب وختمت آية الحج بعليم رجع إلى أمر الكاتمين الذين يكتمون الحق وهم يعلمون ، وأعظم ما كتموه أمر هذا الكتاب الذي هو الهدى المفتتح به السورة ، ولما بين جزاءهم استثنى منهم التائبين مبينا لشرائط التوبة الثلاثة فقال إلا الذين تابوا بالندم على ارتكاب الذنب وأصلحوا بالعزم على عدم العود وبينوا ما كانوا كتموه فظهرت توبتهم بالإقلاع .

                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان الإنسان يحب ما كان بسبب منه رغبهم في المتاب بعد توبتهم سببا لتوبته ورحمته وإن كان ذلك كله منا منه في نفس [ ص: 277 ] الأمر فقال معبرا بالفاء : فأولئك العالو الرتبة أتوب عليهم أي : أقبل توبتهم فأحفظهم بما يشعر به مثال الفعل الدائم فيما وفقتهم لابتدائه ، وفي الربط بالفاء إشارة إلى إسراع استنقاذ توبة الله عليهم من نار الخوف والندم رحمة منه لهم برفعهم إلى موطن الإنس ، لأن نار الخوف في الدنيا للمقترف رحمة من عذاب النار تفديه من نار السطوة في الآخرة ، من لم يحترق بنار المجاهدة أحرقته نار الخوف ، فمن لم يحترق بنار الخوف أحرقته نار السطوة - أفاده الحرالي . ولما كان من شأن الإنسان معاودة الذنوب لصفة النسيان ختم الآية بما دل على أن التقدير : فإني أحب التوابين فقال : وأنا التواب أي : مرة بعد مرة لمن كر على الذنب ثم راجع التوبة كرة إثر كرة الرحيم لمن فعل ما يرضيني .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية