الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              2501 باب منه

                                                                                                                              وهو في النووي في : (باب نكاح المتعة إلخ ).

                                                                                                                              حديث الباب

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم \ النووي ص185 ج9 المطبعة المصرية

                                                                                                                              [عن الربيع بن سبرة ; أن أباه غزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فتح مكة. قال: فأقمنا بها خمس عشرة: (ثلاثين بين ليلة ويوم )، فأذن لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في متعة النساء. فخرجت أنا ورجل من قومي، ولي عليه فضل في الجمال، وهو قريب من الدمامة. مع كل واحد منا برد ; فبردي خلق، وأما برد ابن عمي فبرد جديد غض. حتى إذا كنا بأسفل مكة، أو بأعلاها، فتلقتنا فتاة مثل البكرة العنطنطة. فقلنا هل لك أن يستمتع منك أحدنا ؟ قالت: وماذا تبذلان ؟ فنشر كل واحد منا برده، فجعلت تنظر إلى الرجلين. ويراها صاحبي تنظر إلى [ ص: 201 ] عطفها. فقال: إن برد هذا خلق وبردي جديد غض. فتقول برد هذا لا بأس به. (ثلاث مرار أو مرتين ). ثم استمتعت منها. فلم أخرج، حتى حرمها رسول الله صلى الله عليه وسلم ].

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              (الشرح)

                                                                                                                              (عن الربيع بن سبرة ; أن أباه غزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فتح مكة. قال: فأقمنا بها خمس عشرة (ثلاثين بين ليلة ويوم ). فأذن لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في متعة النساء. فخرجت أنا ورجل من قومي، ولي عليه فضل في الجمال، وهو قريب من الدمامة ) بفتح الدال: وهي القبح في الصورة.

                                                                                                                              (مع كل واحد منا برد ; فبردي خلق ) بفتح اللام. أي: قريب من البالي.

                                                                                                                              (وأما برد ابن عمي، فبرد جديد غض. حتى إذا كنا بأسفل مكة، أو بأعلاها، فتلقتنا فتاة مثل البكرة ) هي: الفتية من الإبل.

                                                                                                                              (العنطنطة ) بعين مهملة مفتوحة. وبنونين: الأولى: مفتوحة. وبطاءين مهملتين. وهي: كالعيطاء. بفتح العين. وهي: الطويلة العنق، في اعتدال وحسن قوام. "والعيط": طول العنق.

                                                                                                                              [ ص: 202 ] وقيل: هي الطويلة فقط. والمشهور الأول.

                                                                                                                              وفي رواية أخرى: "فانطلقت أنا ورجل، إلى امرأة من بني عامر، إنها بكرة عيطاء".

                                                                                                                              (فقلنا لها: هل لك أن يستمتع منك أحدنا ؟ قالت: وماذا تبذلان ؟ فنشر كل واحد منا برده، فجعلت تنظر إلى الرجلين. ويراها صاحبي: ينظر إلى عطفها ) بكسر العين. أي: جانبها. وقيل: من رأسها إلى وركها.

                                                                                                                              وفي هذا الحديث دليل: على أنه لم يكن في نكاح المتعة ولي، ولا شهود.

                                                                                                                              (فقال: إن برد هذا خلق، وبردي جديد غض. فتقول: برد هذا لا بأس به. "ثلاث مرار، أو مرتين" ثم استمتعت منها ).

                                                                                                                              وفي رواية أخرى: "فقالت: ما تعطي ؟ فقلت: ردائي. وقال صاحبي: ردائي. وكان رداء صاحبي، أجود من ردائي. وكنت أشب منه. فإذا نظرت إلى رداء صاحبي، أعجبها. وإذا نظرت إلي [ ص: 203 ] أعجبتها. ثم قالت: أنت ورداؤك يكفيني. فمكثت معها ثلاثا".

                                                                                                                              (فلم أخرج حتى حرمها رسول الله صلى الله عليه وسلم ).

                                                                                                                              وفي رواية أخرى: "ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من كان عنده شيء، من هذه النساء التي يتمتع، فليخل سبيلها".

                                                                                                                              قال المازري: اختلفت الرواية في "صحيح مسلم"، في النهي عن المتعة ;

                                                                                                                              ففيه: أنه صلى الله عليه وآله وسلم، نهى عنها يوم خيبر. وفيه: أنه نهى عنها، يوم فتح مكة.

                                                                                                                              فإن تعلق بهذا من أجاز نكاح المتعة، وزعم أن الأحاديث تعارضت، وأن هذا الاختلاف قادح فيها، قلنا: هذا الزعم خطأ، وليس هذا تناقضا. لأنه يصح أن ينهى عنه في زمن، ثم ينهى عنه في زمن آخر توكيدا. أو ليشتهر النهي، ويسمعه من لم يكن سمعه أولا. فسمع بعض الرواة: النهي في زمن. وسمعه آخرون في زمن آخر. فنقل كل منهم ما سمعه، وأضافه إلى زمان سماعه.

                                                                                                                              قال عياض: روى حديث إباحة المتعة، جماعة من الصحابة، فذكره مسلم من رواية ابن مسعود، وابن عباس، وجابر، وسلمة بن الأكوع، وسبرة بن معبد الجهني. [ ص: 204 ] وليس في هذه الأحاديث كلها، أنها كانت في الحضر. وإنما كانت في أسفارهم "في الغزو"، وعند ضرورتهم وعدم النساء. مع أن بلادهم حارة، وصبرهم عنهن قليل.

                                                                                                                              وقد ذكر في حديث ابن أبي عمر: أنها كانت رخصة "في أول الإسلام"، لمن اضطر إليها، كالميتة ونحوها.

                                                                                                                              وعن ابن عباس نحوه.

                                                                                                                              وذكر مسلم، عن سلمة بن الأكوع: إباحتها "يوم أوطاس". ومن رواية سبرة: إباحتها "يوم الفتح". وهما واحد. ثم حرمت يومئذ.

                                                                                                                              وفي حديث علي: تحريمها "يوم خيبر". وهو قبل الفتح.

                                                                                                                              وذكر غير مسلم، عن علي: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عنها، في "غزوة تبوك": من رواية إسحاق بن راشد، عن الزهري، عن عبد الله بن محمد بن علي، عن أبيه، عن علي. ولم يتابعه أحد على هذا. وهو غلط منه.

                                                                                                                              وهذا الحديث ; رواه مالك في "الموطأ"، وغيره عنه. وفيه: "يوم خيبر".

                                                                                                                              وكذا ذكره مسلم: عن جماعة، عن الزهري.

                                                                                                                              وهذا هو الصحيح.

                                                                                                                              [ ص: 205 ] وقد روى أبو داود، من حديث سبرة: "النهي عنها في حجة الوداع". قال: وهذا أصح ما روي في ذلك.

                                                                                                                              وقد روي عنه أيضا: "إباحتها في حجة الوداع"، ثم نهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عنها "حينئذ" إلى يوم القيامة.

                                                                                                                              وروي عن الحسن البصري: أنها ما حلت قط، إلا في عمرة القضاء. وروي هذا عن سبرة الجهني أيضا.

                                                                                                                              ولم يذكر مسلم، في روايات حديث سبرة: تعيين وقت، إلا في رواية محمد بن سعيد الدارمي، ورواية إسحاق بن إبراهيم، ورواية يحيى بن يحيى، فإنه ذكر فيها: "يوم فتح مكة".

                                                                                                                              قالوا: وذكر الرواية بإباحتها يوم "حجة الوداع"، خطأ لأنه لم يكن يومئذ ضرورة، ولا عزوبة، وأكثرهم حجوا بنسائهم. والصحيح: أن الذي جرى "في حجة الوداع": مجرد النهي، كما جاء في غير رواية. ويكون تجديده صلى الله عليه وآله وسلم: النهي عنها يومئذ، لاجتماع الناس، وليبلغ الشاهد الغائب، ولتمام الدين وتقرر الشريعة، كما قرر غير شيء، وبين الحلال والحرام "يومئذ"، وبت تحريم المتعة "حينئذ" بقوله: "إلى يوم القيامة". انتهى.

                                                                                                                              وتمام هذا الكلام، تجده في النووي "إن شاء الله تعالى".




                                                                                                                              الخدمات العلمية