الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 3520 ] القول في تأويل قوله تعالى:

                                                                                                                                                                                                                                      [ 18 ] وجاءوا على قميصه بدم كذب قال بل سولت لكم أنفسكم أمرا فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون

                                                                                                                                                                                                                                      وجاءوا على قميصه بدم كذب بيان لما تآمروا عليه من المكيدة، وهو أنهم أخذوا قميصه الموشى، وغمسوه في دم معز كانوا ذبحوه. و (كذب) مصدر بتقدير مضاف، أي: ذي كذب. أو وصف به مبالغة، كرجل عدل. و (على) ظرف لـ (جاءوا) مشعر بتضمنه معنى (افتروا).

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: قال بل سولت لكم أنفسكم أمرا أي من تغيب يوسف، وتفريقه عني، والاعتذار الكاذب.

                                                                                                                                                                                                                                      قال الناصر: وقواه على اتهامهم، أنهم ادعوا الوجه الخاص الذي خاف يعقوب، عليه السلام، هلاكه بسببه أولا، وهو أكل الذئب، فاتهمهم أن يكونوا تلقفوا العذر من قوله لهم: وأخاف أن يأكله الذئب وكثيرا ما تتفق الأعذار الباطلة، من قلق في المخاطب المعتذر إليه، حتى كان بعض أمراء المؤمنين يلقنون السارق الإنكار. انتهى.

                                                                                                                                                                                                                                      وفي (الإكليل): استنبط، من هذا، الحكم بالأمارات، والنظر إلى التهمة، حيث قال: بل سولت الآية.

                                                                                                                                                                                                                                      لطائف:

                                                                                                                                                                                                                                      قال المهايمي: في الآية من الفوائد أن الجاه يدعو إلى الحسد، كالمال، وهو يمنع من المحبة الأصلية من القرابة ونحوها، بل يجعل عداوتهم أشد من عداوة الأجانب، وأن الحسد يدعو إلى المكر بالمحسود، وبمن يراعيه، وأنه إنما يكون برؤية الماكر نفسه أكمل عقلا من الممكور به. وأن الحاسد إذا ادعى النصح والحفظ والمحبة، بل أظهره فعلا ; لم يعتمد عليه.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 3521 ] وكذا من أظهر الأمانة قولا وفعلا يفعل الخيانة. وأن الإذلال والإعزاز بيد الله، لا الخلق. وأن من طلب مراده بمعصية الله بعد عنه، وأن الخوف من الخلق يورث البلاء، وأن الإنسان وإن كان نبيا، يخلق أولا على طبع البشرية. وأن اتباع الشهوات يورث الحزن الطويل. وأن القدر كائن، وأن الحذر لا يغني من القدر.

                                                                                                                                                                                                                                      قيل للهدهد: كيف ترى الماء تحت الأرض، ولا ترى الشبكة فوقها؟ قال: إذا جاء القضاء عمي البصر.

                                                                                                                                                                                                                                      و (التسويل) تزيين النفس للمرء ما يحرص عليه، وتصوير القبيح بصورة الحسن. فصبر جميل (صبر) خبر أو مبتدأ، لكونه موصوفا، أي فشأني صبر جميل. أو فصبر جميل أجمل، والصبر قوة للنفس على احتمال الآلام كالمصائب إذا عرضت، والجميل منه هو ما لا شكوى فيه إلى الخلق ولا جزع، رضا بقضاء الله، ووقوفا مع مقتضى العبودية.

                                                                                                                                                                                                                                      والله المستعان على ما تصفون أي المطلوب منه العون على احتمال ما تصفون من هلاك يوسف -كذا قدروه- وحقق أبو السعود; أن المعنى على إظهار حال ما تصفون، وبيان كونه كذبا، وإظهار سلامته، فإنه علم في الكذب، قال سبحانه: سبحان ربك رب العزة عما يصفون وهو الأليق بما سيجيء من قوله تعالى: فصبر جميل عسى الله أن يأتيني بهم جميعا وتفسير المستعان عليه باحتمال ما يصفون من هلاك يوسف، والصبر على الرزء فيه; يأباه تكذيبه عليه السلام لهم في ذلك، ولا تساعده الصيغة، فإنها قد غلبت في وصف الشيء بما ليس فيه، كما أشير إليه. انتهى.

                                                                                                                                                                                                                                      وفي قوله: والله المستعان اعتراف بأن تلبسه بالصبر لا يكون إلا بمعونته تعالى.

                                                                                                                                                                                                                                      قال الرازي: لأن الدواعي النفسانية تدعوه إلى إظهار الجزع، وهي قوية. والدواعي الروحانية تدعوه إلى الصبر والرضا. فكأنهما في تحارب وتجالد. فما لم تحصل إعانته تعالى [ ص: 3522 ] لم تحصل الغلبة، فقوله: فصبر جميل يجري مجرى قوله: إياك نعبد وقوله: والله المستعان يجري مجرى قوله: وإياك نستعين انتهى.

                                                                                                                                                                                                                                      ثم ذكر تعالى ما جرى على يوسف في الجب، بعد ما تقدم بقوله:

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية