الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 421 ] فصل في العوارض المبيحة لعدم الصوم

وقد ذكر المصنف منها خمسة وبقي الإكراه وخوف هلاك أو نقصان عقل ولو بعطش أو جوع شديد ولسعة حية ( لمسافر ) سفرا شرعيا [ ص: 422 ] ولو بمعصية ( أو حامل أو مرضع ) أما كانت أو ظئرا على ظاهر ( خافت بغلبة الظن على نفسها أو ولدها ) وقيده البهنسي تبعا لابن الكمال بما إذا تعينت للإرضاع ( أو مريض خاف الزيادة ) لمرضه وصحيح خاف المرض ، وخادمة خافت الضعف بغلبة الظن بأمارة أو تجربة أو بأخبار طبيب حاذق مسلم مستور وأفاد في النهر تبعا للبحر جواز التطبيب بالكافر فيما ليس فيه إبطال عبادة .

[ ص: 423 ] قلت : وفيه كلام لأن عندهم نصح المسلم كفر فأنى يتطبب بهم ، وفي البحر عن الظهيرية للأمة أن تمتنع من امتثال أمر المولى إذا كان يعجزها عن إقامة الفرائض لأنها مبقاة على أصل الحرية في الفرائض ( الفطر ) يوم العذر إلا السفر كما سيجيء ( وقضوا ) لزوما ( ما قدروا بلا فدية و ) بلا ( ولاء ) لأنه على التراخي ولذا جاز التطوع قبله بخلاف قضاء الصلاة .

التالي السابق


فصل في العوارض

جمع عارض ، والمراد به هنا ما يحدث للإنسان مما يبيح له عدم الصوم كما يشير إليه كلام الشارح ( قوله المبيحة لعدم الصوم ) عدل عن قول البدائع المسقطة للصوم لما أورد عليه في النهر من أنه لا يشمل السفر فإنه لا يبيح الفطر وإنما يبيح عدم الشروع في الصوم وكذا إباحة الفطر لعروض الكبر في الصوم فيه ما لا يخفى .

( قوله خمسة ) هي السفر والحبل والإرضاع والمرض والكبر وهي تسع نظمتها بقولي : وعوارض الصوم التي قد يغتفر للمرء فيها الفطر تسع تستطر حبل وإرضاع وإكراه سفر
مرض جهاد جوعه عطش كبر ( قوله وبقي الإكراه ) ذكر في كتاب الإكراه أنه لو أكره على أكل ميتة أو دم أو لحم خنزير أو شرب خمر بغير ملجئ كحبس أو ضرب أو قيد لم يحل ، وإن بملجئ كقتل أو قطع عضو أو ضرب مبرح حل فإن صبر فقتل أثم وإن أكره على الكفر بملجئ رخص له إظهاره وقلبه مطمئن بالإيمان ويؤجر لو صبر ومثله سائر حقوقه تعالى كإفساد صوم وصلاة وقتل صيد حرم أو في إحرام وكل ما ثبتت فرضيته بالكتاب . ا هـ .

وإنما أثم لو صبر في الأول لأن تلك الأشياء مستثناة عن الحرمة في حال الضرورة ، والاستثناء عن الحرمة حل بخلاف إجراء كلمة الكفر فإن حرمته لم ترتفع وإنما رخص فيه لسقوط الإثم فقط ، ولهذا نقل هنا في البحر عن البدائع الفرق بين ما إذا كان المكره على الفطر مريضا أو مسافرا وبين ما إذا كان صحيحا مقيما بأنه لو امتنع حتى قتل أثم في الأول دون الثاني ( قوله وخوف هلاك إلخ ) كالأمة إذا ضعفت عن العمل وخشيت الهلاك بالصوم ، وكذا الذي ذهب به متوكل السلطان إلى العمارة في الأيام الحارة والعمل حثيث إذا خشي الهلاك أو نقصان العقل وفي الخلاصة : الغازي إذا كان يعلم يقينا أنه يقاتل العدو في رمضان ويخاف الضعف إن لم يفطر أفطر نهر ( قوله ولسعة حية ) عطف على العطش المتعلق بقوله وخوف هلاك ح أي فله شرب دواء ينفعه ( قوله لمسافر ) خبر عن قوله الآتي الفطر وأشار باللام إلى أنه مخير ولكن الصوم أفضل إن لم يضره كما سيأتي ( قوله سفرا شرعيا ) أي مقدرا في الشرع [ ص: 422 ] لقصر الصلاة ونحوه وهو ثلاثة أيام ولياليها ، وليس المراد كون السفر مشروعا بأصله ووصفه بقرينة ما بعده ( قوله ولو بمعصية ) لأن القبح المجاور لا يعدم المشروعية كما قدمه الشارح في صلاة المسافر ط ( قوله أو حامل ) هي المرأة التي في بطنها حمل بفتح الحاء أي ولد ، والحاملة التي على ظهرها أو رأسها حمل بكسر الحاء نهر ( قوله أو مرضع ) هي التي شأنها الإرضاع وإن لم تباشره ، والمرضعة هي التي في حال الإرضاع ملقمة ثديها الصبي نهر عن الكشاف ( قوله أما كانت أو ظئرا ) .

أما الظئر فلأن الإرضاع واجب عليها بالعقد ، وأما الأم فلوجوبه ديانة مطلقا وقضاء إذا كان الأب معسرا أو كان الولد لا يرضع من غيرها ، وبهذا اندفع ما في الذخيرة ، من أن المراد بالمرضع الظئر لا الأم فإن الأب يستأجر غيرها بحر ونحوه في الفتح .

وقد رد الزيلعي أيضا ما في الذخيرة بقول القدوري وغيره إذا خافتا على نفسهما أو ولدهما إذ لا ولد للمستأجرة وما قيل إنه ولدها من الرضاع رده في النهر بأنه يتم أن لو أرضعته والحكم أعم من ذلك فإنها بمجرد العقد لو خافت عليه جاز لها الفطر . ا هـ . وأفاد أبو السعود أنه يحل لها الإفطار ولو كان العقد في رمضان كما في البرجندي خلافا لما في صدر الشريعة من تقييد حله بما إذا صدر العقد قبل رمضان . ا هـ . ( قوله على الظاهر ) أي ظاهر الرواية ط ( قوله بغلبة الظن ) يأتي بيانه قريبا ( قوله أو ولدها ) المتبادر منه كما عرفته أن المراد بالمرضع الأم لأنه ولدها حقيقة والإرضاع واجب عليها ديانة كما في الفتح أي عند عدم تعينها وإلا وجب قضاء أيضا كما مر ، وعليه فيكون شموله للظئر بطريق الإلحاق لوجوبه عليها أيضا بالعقد ( قوله وقيده البهنسي إلخ ) هذا مبني على ما مر عن الذخيرة لأن حاصله أن المراد بالمرضع الظئر لوجوبه عليها ومثلها الأم إذا تعينت بأن لم يأخذ ثدي غيرها أو كان الأب معسرا لأنه حينئذ واجب عليها وقد علمت أن ظاهر الرواية خلافه وأنه يجب عليها ديانة وإن لم تتعين تأمل .

( قوله خاف الزيادة ) أو إبطاء البرء أو فساد عضو بحر أو وجع العين أو جراحة أو صداعا أو غيره ، ومثله ما إذا كان يمرض المرضى قهستاني ط أي بأن يعولهم ويلزم من صومه ضياعهم وهلاكهم لضعفه عن القيام بهم إذا صام ( قوله وصحيح خاف المرض ) أي بغلبة الظن كما يأتي ، فما في شرح المجمع من أنه لا يفطر محمول على أن المراد بالخوف مجرد الوهم كما في البحر والشرنبلالي ( قوله وخادمة ) في القهستاني عن الخزانة ما نصه إن الحر الخادم أو العبد أو الذاهب لسد النهر أو كريه إذا اشتد الحر وخاف الهلاك فله الإفطار كحرة أو أمة ضعفت للطبخ أو غسل الثوب . ا هـ .

ط ( قوله بغلبة الظن ) تنازعه خاف الذي في المتن وخاف وخافت اللتان في الشرح ط ( قوله بأمارة ) أي علامة ( قوله أو تجربة ) ولو كانت من غير المريض عند اتحاد المرض ط عن أبي السعود ( قوله حاذق ) أي له معرفة تامة في الطب ، فلا يجوز تقليد من له أدنى معرفة فيه ط ( قوله مسلم ) أما الكافر فلا يعتمد على قوله لاحتمال أن غرضه إفساد العبادة كمسلم شرع في الصلاة بالتيمم فوعده بإعطاء الماء فإنه لا يقطع الصلاة لما قلنا بحر ( قوله مستور ) وقيل عدالته شرط وجزم به الزيلعي وظاهر ما في البحر والنهر ضعفه ط .

قلت : وإذا أخذ بقول طبيب ليس فيه هذه الشروط وأفطر فالظاهر لزوم الكفارة كما لو أفطر بدون أمارة ولا تجربة لعدم غلبة الظن والناس عنه غافلون ( قوله وأفاد في النهر ) أخذا من تعليل المسألة السابقة باحتمال أن [ ص: 423 ] يكون غرض الكافر إفساد العبادة . وعبارة البحر وفيه إشارة إلى أن المريض يجوز له أن يستطب بالكافر فيما عدا إبطال العبادة ط ( قوله فأبى ) أي فكيف يتطيب بهم وهو استفهام بمعنى النفي قال ح : أيد ذلك شيخنا بما نقله عن الدر المنثور للعلامة السيوطي من قوله صلى الله عليه وسلم " { ما خلا كافر بمسلم إلا عزم على قتله } " ( قوله للأمة أن تمتنع ) أي لا يجب عليها امتثال أمره في ذلك كما لو ضاق وقت الصلاة فتقدم طاعة الله تعالى ، ومقتضى ذلك أنها لو أطاعته حتى أفطرت لزمتها الكفارة ويفيده ما ذكره الشارح من التعليل وقدمنا نحوه قبيل الفصل ( قوله إلا السفر ) استثناء من عموم العذر ، فإن السفر لا يبيح الفطر يوم العذر ( قوله كما سيجيء ) أي في قول المتن يجب على مقيم إتمام يوم منه سافر فيه ح ( قوله وقضوا ) أي من تقدم حتى الحامل والمرضع .

وغلب الذكور فأتى بضميرهم ط ( قوله بلا فدية ) أشار إلى خلاف الإمام الشافعي رحمه الله تعالى حيث قال : بوجوب القضاء والفدية لكل يوم مد حنطة كما في البدائع ( قوله وبلا ولاء ) بكسر الواو أي موالاة بمعنى المتابعة لإطلاق قوله تعالى : - { فعدة من أيام أخر } - ولا خلاف في وجوب التتابع في أداء رمضان كما لا خلاف في ندب التتابع فيما لم يشترط فيه وتمامه في النهر ( قوله لأنه ) أي قضاء الصوم المفهوم من قضوا وهذا علة لما فهم من قوله وبلا ولاء من عدم وجوب الفور ( قوله جاز التطوع قبله ) ولو كان الوجوب على الفور لكره لأنه يكون تأخيرا للواجب عن وقته المضيق بحر ( قوله بخلاف قضاء الصلاة ) أي فإنه على الفور لقوله صلى الله عليه وسلم " { من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها } " لأن جزاء الشرط لا يتأخر عنه أبو السعود وظاهره أنه يكره التنقل بالصلاة لمن عليه الفوائت ولم أره نهر قلت : قدمنا في قضاء الفوائت كراهته إلا في الرواتب والرغائب فليراجع ط .




الخدمات العلمية