الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            ( فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث ) .

                                                                                                                                                                                                                                            قوله تعالى : ( فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث ) .

                                                                                                                                                                                                                                            وفي الآية مسألتان :

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الأولى : اعلم أن هذا هو الحالة الثانية من أحوال الأبوين ، وهو أن لا يحصل معهما أحد من الأولاد ، ولا يكون هناك وارث سواهما ، وهو المراد من قوله : ( وورثه أبواه ) فههنا للأم الثلث ، وذلك فرض لها ، والباقي للأب ، وذلك لأن قوله : ( وورثه أبواه ) ظاهره مشعر بأنه لا وارث له سواهما ، وإذا كان كذلك كان مجموع المال لهما ، فإذا كان نصيب الأم هو الثلث وجب أن يكون الباقي وهو الثلثان للأب ، فههنا يكون المال بينهما للذكر مثل حظ الأنثيين كما في حق الأولاد ، ويتفرع على ما ذكرنا فرعان : الأول : أن الآية السابقة دلت على أن فرض الأب هو السدس ، وفي هذه الصورة يأخذ الثلثين إلا أنه يأخذ السدس بالفريضة ، والنصف بالتعصيب . الثاني : لما ثبت أنه يأخذ النصف بالتعصيب في هذه الصورة وجب أن يكون الأب إذا انفرد أن يأخذ كل المال ؛ لأن خاصية العصبة هو أن يأخذ الكل عند الانفراد ، هذا كله إذا لم يكن للميت وارث سوى الأبوين ، أما إذا ورثه أبواه مع أحد الزوجين فذهب أكثر الصحابة إلى أن الزوج يأخذ نصيبه ثم يدفع ثلث ما بقي إلى الأم ، ويدفع الباقي إلى الأب ، وقال ابن عباس : يدفع إلى الزوج نصيبه ، وإلى الأم الثلث ، ويدفع الباقي إلى الأب ، وقال : لا أجد في كتاب الله ثلث ما بقي ، وعن ابن سيرين أنه وافق ابن عباس في الزوجة والأبوين ، وخالفه في الزوج والأبوين ، لأنه يفضي إلى أن يكون للأنثى مثل حظ الذكرين ، وأما في الزوجة فإنه لا يفضي إلى ذلك ، وحجة الجمهور وجوه :

                                                                                                                                                                                                                                            الأول : أن قاعدة الميراث أنه متى اجتمع الرجل والمرأة من جنس واحد كان للذكر مثل حظ الأنثيين ، ألا ترى أن الابن مع البنت كذلك ، قال تعالى : ( يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين ) وأيضا الأخ مع الأخت كذلك قال تعالى : ( وإن كانوا إخوة رجالا ونساء فللذكر مثل حظ الأنثيين ) [ النساء : 176 ] وأيضا الأم مع الأب كذلك ، لأنا بينا أنه إذا كان لا وارث غيرهما فللأم الثلث ، وللأب الثلثان ، إذا ثبت هذا فنقول : إذا أخذ الزوج نصيبه وجب أن يبقى الباقي بين الأبوين أثلاثا ، للذكر مثل حظ الأنثيين .

                                                                                                                                                                                                                                            الثاني : أن الأبوين يشبهان شريكين بينهما مال ، فإذا صار شيء منه مستحقا بقي الباقي بينهما على قدر الاستحقاق الأول .

                                                                                                                                                                                                                                            الثالث : أن الزوج إنما أخذ سهمه بحكم عقد النكاح لا بحكم القرابة ، فأشبه الوصية في قسمة الباقي .

                                                                                                                                                                                                                                            الرابع : أن المرأة إذا خلفت زوجا وأبوين فللزوج النصف ، فلو دفعنا الثلث إلى الأم والسدس إلى الأب لزم أن يكون للأنثى مثل حظ الذكرين ، وهذا خلاف قوله : ( للذكر مثل حظ الأنثيين ) .

                                                                                                                                                                                                                                            واعلم أن الوجوه الثلاثة الأول : يرجع حاصلها إلى تخصيص عموم القرآن بالقياس .

                                                                                                                                                                                                                                            وأما الوجه الرابع : فهو تخصيص لأحد العمومين بالعموم الثاني .

                                                                                                                                                                                                                                            [ ص: 174 ]

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثانية : قرأ حمزة والكسائي ( فلإمه ) بكسر الهمزة والميم وشرطوا في جواز هذه الكسرة أن يكون ما قبلها حرفا مكسورا أو ياء .

                                                                                                                                                                                                                                            أما الأول : فكقوله : ( في بطون إمهاتكم ) .

                                                                                                                                                                                                                                            وأما الثاني : فكقوله : ( في إمها رسولا ) وإذا لم يوجد هذا الشرط فليس إلا الضم كقوله : ( وجعلنا ابن مريم وأمه آية ) [ المؤمنون : 50 ] وأما الباقون فإنهم قرءوا بضم الهمزة ، أما وجه من قرأ بالكسر قال الزجاج : إنهم استثقلوا الضمة بعد الكسرة في قوله : ( فلأمه ) وذلك لأن اللام لشدة اتصالها بالأم صار المجموع كأنه كلمة واحدة ، وليس في كلام العرب فعل بكسر الفاء وضم العين ، فلا جرم جعلت الضمة كسرة ، وأما وجه من قرأ الهمزة بالضم فهو أتى بها على الأصل ، ولا يلزم منه استعمال فعل ؛ لأن اللام في حكم المنفصل . والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية