الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        [ ص: 15 ] الباب الثاني فيمن يحرم بالرضاع

                                                                                                                                                                        تحريم الرضاع يتعلق بالمرضعة ، والفحل الذي له اللبن ، والطفل الرضيع ، فهم الأصول في الباب ، ثم تنتشر الحرمة منهم إلى غيرهم . أما المرضعة فتنتشر الحرمة منها إلى آبائها من النسب والرضاع ، فهم أجداد الرضيع ، فإن كان الرضيع أنثى ، حرم عليهم نكاحها . وإلى أمهاتها من النسب والرضاع ، فهن جدات للرضيع ، فيحرم عليه نكاحهن إن كان ذكرا ، وإلى أولادها من النسب والرضاع ، فهم إخوته وأخواته ، وإلى إخوتها وأخواتها من النسب والرضاع ، فهم أخواله وخالاته ، ويكون أولاد أولادها أولاد إخوة وأولاد أخوات للرضيع ، ولا تثبت الحرمة بين الرضيع وأولاد إخوة المرضعة ، وأولاد أخواتها ، لأنهم أولاد أخواله وخالاته .

                                                                                                                                                                        وأما الفحل ، فكذلك تنتشر الحرمة منه إلى آبائه وأمهاته ، فهم أجداد الرضيع وجداته ، وإلى أولاده ، فهم إخوة الرضيع وأخواته ، وإلى إخوته وأخواته ، فهم أعمام الرضيع وعماته .

                                                                                                                                                                        وأما المرتضع فتنتشر الحرمة منه إلى أولاده من الرضاع ، أو النسب ، فهم أحفاد المرضعة أو الفحل ، ولا تنتشر إلى آبائه وأمهاته وإخوته وأخواته ، فيجوز لأبيه وأخيه أن ينكحا المرضعة وبناتها وقد سبق في النكاح أن أربع نسوة يحرمن من النسب ، ومثلهن قد لا يحرمن من الرضاع ، وجعلت تلك الصور مستثناة من قولنا : " يحرم [ ص: 16 ] من الرضاع ما يحرم من النسب " وقد يقال : الحرمة في تلك الصور من جهة المصاهرة ، لا من جهة النسب .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        إنما تثبت الحرمة بين الرضيع والفحل إذا كان منسوبا إلى الفحل بأن ينتسب إليه الولد الذي نزل عليه اللبن ، أما اللبن النازل على ولد الزنا ، فلا حرمة له ، فلا يحرم على الزاني أن ينكح الصغيرة المرتضعة من ذلك اللبن ، لكنه يكره وقد حكينا في النكاح وجها أنه لا يجوز له نكاح بنت زناه التي تعلم أنها من مائه ، فيشبه أن يجيء ذلك الوجه هنا ، ولو نفى الزوج ولدا باللعان ، وارتضعت صغيرة بلبنه ، لم تثبت الحرمة . ولو أرضعت به ثم لاعن ، انتفى الرضيع عنه ، كما ينتفي الولد . فلو استلحق الولد بعد ذلك لحق الرضيع ، ولم يذكروا هنا الوجهين المذكورين في نكاحه التي نفاها باللعان ، ولا يبعد أن يسوى بينهما . ولو كان الولد من وطء شبهة ، فاللبن النازل عليه ينسب إلى الواطئ ، كما ينسب إليه الولد ، هذا هو المشهور ، وفي قول : لا تثبت الحرمة من جهة الفحل بلبن وطء الشبهة لأنه لا ضرورة إلى إثبات حرمة الرضاع بخلاف النسب .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية