الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                          صفحة جزء
                          ( الفصل الرابع )

                          في قضاء الله وقدره وولايته للمؤمنين وتوكلهم عليه

                          هذه عدة عقائد من أصول الإيمان ، وكمال التوحيد والإيقان ، جمعت كلها في آية واحدة من هذه السورة ، أمر الله تعالى نبيه - صلى الله عليه وسلم - أن يرد بها على المنافقين الذين أخبره عنهم بأنهم تسوءهم كل حسنة تصيبه كالنصر والغنيمة في غزوة بدر ، وتفرحهم كل مصيبة تصيبه كالنكبة التي وقعت في غزوة أحد وهي ( قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا هو مولانا وعلى الله فليتوكل المؤمنون ) ( 9 : 51 ) فتصور حال مؤمن يوقن أنه لن يصيبه إلا ما كتبه الله [ ص: 84 ] له ، وأنه إن لم يكن يعرف هذا المكتوب له بعينه ، فهو يعتقد أنه لا يعدو في جملته وعده تعالى له من حيث هو مؤمن من الخير والنصر والشهادة في سبيل الله المعبر عنهما بالحسنيين في الآية التي بعد هذه ( أي آية 52 ) ويعتقد أن الله تعالى هو مولاه الذي يتولى نصره وتوفيقه ; فهو بمقتضى إيمانه يتوكل عليه ويفوض أمره إليه ، تصور حال مؤمن تمكنت هذه العقائد من نفسه ، وملكت عليه وجدانه ، هل يخاف من غير الله ؟ هل ييأس من روح الله ؟ هل يمنعه أي خطب من الخطوب عن الجهاد لإعلاء كلمة الله ، وإقامة دين الله ، وبذل الجهد في إقامة الحق والعدل ومد بساط البر والفضل ؟ وتصور حال أمة يغلب على أفرادها ما ذكر ، ألا تكون أعز الأمم نفسا ، وأشدها بأسا ؟

                          ويؤيد هذه العقائد ويزيدها رسوخا في قلب تالي هذه السورة ختمها بقوله عز وجل ( فإن تولوا فقل حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم ) ( 9 : 129 ) فينبغي للمؤمن أن يتأمل معناها ويطالب نفسه بالتحقق به ، فإنه يجد به من حلاوة الإيمان وعزة النفس ما يحتقر به خسائس المادة التي يتكالب الماديون عليها ، ويبخعون أنفسهم انتحارا إذا فاتهم أو أعياهم شيء منها ، وقد ورد في ذلك عن أم الدرداء عن أبي الدرداء - رضي الله عنه - من قال إذا أصبح وإذا أمسى ( ( حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم ) ) سبع مرات كفاه الله ما أهمه ، وقد تقدم هذا في تفسير الآية 129 .

                          التالي السابق


                          الخدمات العلمية