الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        [ ص: 20 ] الباب الثالث في الرضاع القاطع للنكاح وحكم الغرم

                                                                                                                                                                        فيه طرفان :

                                                                                                                                                                        الأول : في الغرم عند انقطاع النكاح . الرضاع الطارئ قد يقطع النكاح وإن لم يقتض حرمة مؤبدة ، وستأتي أمثلته - إن شاء الله تعالى - ، وقد يقطعه لاقتضائه حرمة مؤبدة ، فكل امرأة يحرم عليه أن ينكح بنتها إذا أرضعت تلك المرأة زوجته الصغيرة خمس رضعات ، ثبتت الحرمة المؤبدة ، وانقطع النكاح . فإذا كان تحته صغيرة ، فأرضعتها أمه من النسب أو الرضاع ، أو جدته أو بنته أو حافدته منهما ، أو زوجة أبيه أو ابنه أو أخيه بلبانهم خمس رضعات ، انفسخ النكاح . فإن كان اللبن من غير الأب والابن والأخ لم يؤثر ، لأن غايته أن تصير ربيبة أبيه أو ابنه أو أخيه ، وليست بحرام . ولو أرضعتها زوجة أخرى له بلبنه ، انفسخ النكاح ، وثبتت الحرمة المؤبدة ، لأنها بنته ، وإن كان اللبن لغيره فسنذكره - إن شاء الله تعالى - ، ثم الصغيرة التي ينفسخ نكاحها بالرضاع تستحق نصف المسمى إن كان صحيحا ، أو نصف مهر المثل إن كان فاسدا إلا أن يكون الانفساخ من جهتها بأن دبت فرضعت من نائمة ، فإنه لا شيء لها على المذهب ، كما سنذكره - إن شاء الله تعالى - ويجب على المرضعة الغرم للزوج ، سواء قصدت بالإرضاع فسخ النكاح أم لا ، وسواء وجب عليها الإرضاع بأن لا يكون هناك مرضعة غيرها أم لا ، لأن غرامة الإتلاف لا تختلف بهذه الأسباب ، [ ص: 21 ] وفيما إذا لزمها الإرضاع احتمال للشيخ أبي حامد ، ثم نص هنا أن على المرضعة نصف مهر المثل ، ونص أن شهود الطلاق قبل الدخول إذا رجعوا يلزمهم جميع مهر المثل ، فقيل : فيهما قولان نقلا وتخريجا ، وقيل : بتقرير النصين ، لأن فرقة الرضاع حقيقية ، فلا توجب إلا النصف . وفي الشهادة النكاح باق في الحقيقة بزعم الزوج والشهود ، لكنهما حالا بينه وبين البضع ، فغرما قيمته ، كالغاصب الحائل بين المالك والمغصوب . فإن قلنا بالقولين ، فهل هما في كل المسمى ونصفه ، أم في مهر المثل ونصفه ؟ قولان ، فحصل في الرضاع أربعة أقوال : أظهرها عند الجمهور : نصف مهر المثل . والثاني : جميعه ، والثالث : نصف المسمى ، والرابع جميعه .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        نكح العبد صغيرة ، فأرضعتها أمه ، وانفسخ النكاح ، فللصغيرة نصف المسمى في كسبه ، ولسيده الرجوع على أم العبد بالغرم ، لأنه بدل البضع ، فكان للسيد كعوض الخلع .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        صغيرة مفوضة أرضعتها أم الزوج ، فلها على الزوج المتعة ، قال ابن الحداد : ويرجع الزوج على المرضعة بالمتعة ، قال الأصحاب : هذا تفريع على القول الذاهب لأنه يرجع بنصف المسمى والأظهر : أنه يرجع بنصف مهر المثل هناك وكذا هنا ، والصورة إذا كانت الصغيرة أمة ، فزوجها السيد بلا مهر ، لأن الصغيرة الحرة لا يتصور في حقها التفويض .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        حلب أجنبي لبن أم الزوج ، أو كان محلوبا ، فأخذه ، وأوجره الصغيرة فالغرم على الأجنبي ، وفي قدره الأقوال الأربعة . ولو أوجرها [ ص: 22 ] خمسة أنفس ، فعلى كل واحد خمس الغرم ، ولو أوجرها واحد مرة ، وآخران مرتين مرتين ، فهل يوزع عليهم أثلاثا أم على عدد الرضعات ؟ وجهان : أصحهما الثاني .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        أكرهت على الإرضاع ، فهل الغرم عليها ، أم على المكره ؟ وجهان : أصحهما : عليها ، قاله الروياني .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية