الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 111 ]

( 608 ) وكتبوا عند انتقال من سند لغيره ( ح ) وانطقن بها وقد      ( 609 ) رأى الرهاوي بأن لا تقرا
وأنها من حائل وقد رأى      ( 610 ) بعض أولي الغرب بأن يقولا
مكانها الحديث قط وقيلا      ( 611 ) بل حاء تحويل وقال قد كتب
مكانها صح فحا منها انتخب

[ وضع " ح " بين الأسانيد ومعناها ] :

( وكتبوا ) أهل الحديث في كل من الحديث أو الكتاب أو نحوهما مما يرومون الجمع بين إسناديه أو أسانيده ، ( عند انتقال من سند لغيره " ح " ) بالقصر مهملة مفردة ، وهي في كتب المتأخرين أكثر ، وفي ( صحيح مسلم ) أكثر منها في ( البخاري ) كما صرح به النووي في مقدمة ( شرح مسلم ) ، وهو المشاهد . ثم اختلفوا : أهي من الحائل أو التحويل أو صح أو الحديث ؟ وهل ينطق بها " حا " أو يصرح ببعض ما رمز بها له عند المرور بها في القراءة أو لا ؟ قال ابن الصلاح ( وانطقن بها ) كما كتبت مفردة ، ومر في قراءتك . يعني : حسبما عليه الجمهور من السلف وتلقاه عنهم الخلف ، وعليه مشى بعض البغداديين أيضا كما سمعه ابن الصلاح من بعض علماء المغاربة عنه ، ولكن ذلك غير متعين إلا أنه كما قال ابن الصلاح : أحوط الوجوه وأعدلها .

( وقد رأى ) الحافظ الرحال أبو محمد عبد القادر بن عبد الله ( الرهاوي ) نسبة إلى الرها بالضم للأكثر ، الحنبلي ، كما سمعه منه ابن الصلاح ( بأن ) ; أي : أن ( لا تقرا ) أو لا يلفظ بشيء عند الانتهاء إليها ، ( وأنها ) ليست من الرواية بل هي " حا " ( من حائل ) الذي يحول بين الشيئين إذا حجز بينهما ، لكونها حالة بين [ ص: 112 ] الإسنادين ، وأنه لم يعرف عن مشايخه ، وفيهم عدد كانوا حفاظ الحديث في وقته ، غيره ، ونحوه في كونها من حائل لكن مع النطق بذلك قول الدمياطي ، وقد قرأ على بعض المغاربة ، فصار كلما وصل إلى " ح " قال : حاجز . وهو في النطق بمعناها خاصة موافق لما حكاه ابن الصلاح حيث قال ( وقد رأى بعض ) علماء ( أولي الغرب ) حين ذاكرته فيها ، وحكاه عن صنيع المغاربة كافة ( بأن ) ; أي : أن ( يقولا ) من يمر بها ( مكانها الحديث قط ) أي : فقط . وحكى ابن الصلاح عن الرهاوي إنكار كونها من الحديث .

قلت : وكأنه لكون الحديث لم يذكر بعد ، فإن كانت مذكورة بعد سياق السند الأول وبعض المتن كما في ( البخاري ) فإنه أورد من حديث مالك ، عن سمي ، عن أبي بكر بن عبد الرحمن قال : جئت أنا وأبي حتى دخلنا على عائشة وأم سلمة . ثم قال : ح ، وثنا . وساق سندا آخر إلى الزهري ، عن أبي بكر المذكور ، أن أباه عبد الرحمن أخبر مروان أن عائشة وأم سلمة أخبرتاه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدركه الفجر وهو جنب من أهله ، ثم يغتسل ويصوم . فيمكن عدم إنكاره .

( و ) كذا ( قيلا ) مما نقله ابن الصلاح أيضا عن بعض من جمعته وإياه الرحلة بخراسان عن بعض الفضلاء من الأصبهانيين أنها ليست من الحديث ، ( بل ) هي ( حاء تحويل ) من إسناد إلى إسناد آخر .

( وقال ) ابن الصلاح : ( قد كتب ) فيما رأيته بخط الحافظين أبي عثمان الصابوني وأبي مسلم عمر بن علي الليثي البخاري ، والفقيه المحدث أبي سعد محمد بن أحمد بن محمد بن الخليل الخليلي ( مكانها ) بدلا عنها ( صح ) صريحة ، يعني [ ص: 113 ] نحو ما يجعل بين الرواة المعطوف بعضهم على بعض كما تقدم . قال : فهذا يشعر بكون الحاء رمزا إلى صح ، ( فحا ) بالقصر ( منها انتخب ) . أي : اختير في اختصارها . قال : وحسن إثبات " صح " هاهنا لئلا يتوهم أن حديث هذا الإسناد سقط ، ولئلا يركب الإسناد الثاني على الأول فيجعلا إسنادا واحدا . وبالجملة فقد اختار النووي أنها مأخوذة من التحول ، وأن القارئ يلفظ بها .

ثم إنه لم يختلف من حكينا عنهم في كونها حاء مهملة ، بل قال ابن كثير : إن بعضهم حكى الإجماع عليه . قال : ومن الناس من يتوهم أنها خاء معجمة . أي : إسناد آخر .

وكذا حكاه الدمياطي أيضا ، فقال : وبعض المحدثين يستعملها بالخاء المعجمة يريد بها آخرا وأخيرا . زاد غيره : أو إشارة إلى الخروج من إسناد إلى إسناد . والظاهر كما قال بعض المتأخرين : أن ذلك اجتهاد من أئمتنا في شأنها من حيث إنهم لم يتبين لهم فيها شيء من المتقدمين .

قال الدمياطي : ويقال : ( إن أول من تكلم على هذا الحرف ابن الصلاح ، وهو ظاهر من صنيعه لا سيما وقد صرح أول المسألة بقوله : ولم يأتنا عن أحد ممن يعتمد بيان لأمرها ) .

التالي السابق


الخدمات العلمية