الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب ما جاء في سؤر الكلب

                                                                                                          91 حدثنا سوار بن عبد الله العنبري حدثنا المعتمر بن سليمان قال سمعت أيوب يحدث عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال يغسل الإناء إذا ولغ فيه الكلب سبع مرات أولاهن أو أخراهن بالتراب وإذا ولغت فيه الهرة غسل مرة قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح وهو قول الشافعي وأحمد وإسحق وقد روي هذا الحديث من غير وجه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو هذا ولم يذكر فيه إذا ولغت فيه الهرة غسل مرة وفي الباب عن عبد الله بن مغفل

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          قوله : ( حدثنا سوار ) بفتح السين وتشديد الواو ( بن عبد الله العنبري ) التميمي البصري قاضي الرصافة وغيرها ، ثقة ، من العاشرة ، غلط من تكلم فيه قاله الحافظ ، روى عن معتمر بن سليمان ويزيد بن زريع وغيرهما ، وعنه أبو داود والترمذي والنسائي ووثقه قال ابن حبان في الثقات : مات سنة 245 خمس وأربعين ومائتين .

                                                                                                          ( نا المعتمر بن سليمان ) التيمي أبو محمد البصري أحد الأعلام يلقب بالطفيل ثقة مات سنة 187 سبع وثمانين ومائة ( قال سمعت أيوب ) ابن أبي تميمة كيسان السختياني البصري الفقيه أحد الأئمة الأعلام ثقة ثبت حجة من كبار الفقهاء مات سنة 131 إحدى وثلاثين ومائة وله خمس وستون ( عن محمد بن سيرين ) الأنصاري البصري ثقة ثبت عابد كبير القدر كان لا يرى الرواية بالمعنى ، من الثالثة مات سنة 110 عشرة ومائة .

                                                                                                          [ ص: 253 ] قوله : ( إذا ولغ ) يقال ولغ يلغ بالفتح فيهما إذا شرب بطرف لسانه أو أدخل لسانه فيه فحركه ، وقال ثعلب : هو أن يدخل لسانه في الماء وغيره من كل مائع فيحركه . زاد ابن درستويه شرب أو لم يشرب . كذا في الفتح .

                                                                                                          ( أولاهن أو أخراهن بالتراب ) كذا في رواية الترمذي ، وفي رواية مسلم وغيره من طريق هشام بن حسان عن ابن سيرين " أولاهن " .

                                                                                                          قال الحافظ في الفتح : هي رواية الأكثر عن ابن سيرين ، ثم ذكر الروايات المختلفة في محل غسلة التتريب ثم قال : ورواية أولاهن أرجح من حيث الأكثرية والأحفظية ومن حيث المعنى أيضا لأن تتريب الأخيرة يقتضي الاحتياج إلى غسلة أخرى لتنظيفه . انتهى .

                                                                                                          فقوله : أولاهن أو أخراهن بالتراب في رواية الترمذي إن كانت كلمة " أو " فيه للشك من الراوي فيرجع إلى الترجيح وقد عرفت أن رواية أولاهن أرجح ، وإن كانت من كلام النبي صلى الله عليه وسلم فهو تخيير منه .

                                                                                                          قوله : ( وإذا ولغت فيه الهرة غسل مرة ) هذه الجملة ليست من الحديث المرفوع بل هي مدرجة وسيجيء تحقيقه .

                                                                                                          قوله : ( هذا حديث حسن صحيح ) وأخرجه مالك وأحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه .

                                                                                                          قوله : ( وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق ) قال الشوكاني في النيل : والحديث يدل على وجوب الغسلات السبع من ولوغ الكلب . وإليه ذهب ابن عباس وعروة بن الزبير ومحمد بن سيرين وطاوس وعمرو بن دينار والأوزاعي ومالك والشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق وأبو ثور وأبو عبيد وداود . انتهى .

                                                                                                          وقال النووي : فيه وجوب غسل نجاسة ولوغ الكلب سبع مرات وهذا مذهبنا ومذهب مالك والجماهير ، وقال أبو حنيفة يكفي غسله ثلاث مرات . انتهى .

                                                                                                          وقال الحافظ في الفتح : أما الحنفية فلم يقولوا بوجوب السبع ولا التتريب واعتذر الطحاوي وغيره عنهم بأمور :

                                                                                                          [ ص: 254 ] منها كون أبي هريرة راويه أفتى بثلاث غسلات فثبت بذلك نسخ السبع . وتعقب بأنه يحتمل أن يكون أفتى بذلك لاعتقاده ندبية السبع لا وجوبها أو كان نسي ما رواه والاحتمال لا يثبت النسخ .

                                                                                                          وأيضا فقد ثبت أنه أفتى بالغسل سبعا ورواية من روى عنه موافقة فتياه لروايته أصح من رواية من روى عنه مخالفتها من حيث الإسناد ومن حيث النظر .

                                                                                                          أما النظر فظاهر وأما الإسناد فالموافقة وردت من رواية حماد بن زيد عن أيوب عن ابن سيرين عنه وهذا من أصح الأسانيد .

                                                                                                          وأما المخالفة فمن رواية عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء عنه وهو دون الأول في القوة بكثير .

                                                                                                          ومنها أن العذرة أشد في النجاسة من سؤر الكلب ولم تقيد بالسبع فيكون الولوغ كذلك من باب الأولى .

                                                                                                          وأجيب : بأنه لا يلزم من كونها أشد منه في الاستقذار أن لا يكون أشد منها في تغليظ الحكم ، وبأنه قياس في مقابلة النص وهو فاسد الاعتبار .

                                                                                                          ومنها : دعوى أن الأمر بذلك كان عند الأمر بقتل الكلاب فلما نهي عن قتلها نسخ الأمر بالغسل .

                                                                                                          وتعقب : بأن الأمر بقتلها كان في أوائل الهجرة والأمر بالغسل متأخر جدا لأنه من رواية أبي هريرة وعبد الله بن مغفل ، وقد ذكر ابن مغفل أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يأمر بالغسل ، وكان إسلامه سنة سبع كأبي هريرة ، بل سياق مسلم ظاهر في أن الأمر بالغسل كان بعد الأمر بقتل الكلاب . انتهى كلام الحافظ .

                                                                                                          تنبيه : ذكر النيموي فعل أبي هريرة عن عطاء عن أبي هريرة أنه قال : إذا ولغ الكلب في الإناء غسله ثلاث مرات ، قال رواه الدارقطني وآخرون وإسناده صحيح ثم ذكر قول أبي هريرة عن عطاء عن أبي هريرة قال : إذا ولغ الكلب في الإناء فأهرقه ثم اغسله ثلاث مرات ، قال رواه الدارقطني والطحاوي وإسناده صحيح . انتهى .

                                                                                                          قلت : مدار فعل أبي هريرة وقوله على عبد الملك بن أبي سليمان لم يروهما غيره وهو وإن كان ثقة لكن كان له أوهام وكان يخطئ .

                                                                                                          قال الحافظ في التقريب : صدوق له أوهام .

                                                                                                          [ ص: 255 ] وقال الخزرجي في الخلاصة : قال أحمد ثقة يخطئ .

                                                                                                          قال الدارقطني بعد روايته : هذا موقوف ، ولم يروه هكذا غير عبد الملك عن عطاء اهـ .

                                                                                                          قال البيهقي : تفرد به عبد الملك من أصحاب عطاء ثم أصحاب أبي هريرة ، والحفاظ الثقات من أصحاب عطاء وأصحاب أبي هريرة يروون سبع مرات وفي ذلك دلالة على خطأ رواية عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء عن أبي هريرة في الثلاث ، وعبد الملك لا يقبل منه ما يخالف الثقات لمخالفته أهل الحفظ والثقة في بعض روايته ، تركه شعبة بن الحجاج ، ولم يحتج به البخاري في صحيحه . انتهى .

                                                                                                          كذا ذكر كلام البيهقي في شرح البخاري ولم يتكلم عليه إلا أنه نقل عن أحمد والثوري أنه من الحفاظ وعن الثوري هو ثقة فقيه متقن وعن أحمد بن عبد الله ثقة ثبت في الحديث .

                                                                                                          وقد عرفت أنه ثقة يخطئ وله أوهام ولم يحتج به البخاري في صحيحه فكيف ما رواه مخالفا ، وقد ثبت عن أبي هريرة بإسناد أصح من هذا أنه أفتى بغسل الإناء سبع مرات موافقا لحديثه المرفوع ، ففي سنن الدارقطني ص 33 : حدثنا المحاملي نا حجاج بن الشاعر نا عارم نا حماد بن زيد عن أيوب عن محمد عن أبي هريرة في الكلب يلغ في الإناء قال يهراق ويغسل سبع مرات ، قال الدارقطني صحيح موقوف . انتهى .

                                                                                                          وقول أبي هريرة هذا أرجح وأقوى إسنادا من قوله وفعله المذكورين المخالفين لحديثه المرفوع كما عرفت في كلام الحافظ . فقوله الموافق لحديثه المرفوع يقدم على قوله وفعله المذكورين ، وأما قول النيموي في التعليق : ولم يرو أحد من أصحابه - يعني أصحاب أبي هريرة - أثرا من قوله أو فعله خلاف ما رواه منه عطاء إلا ابن سيرين في رواية عند البيهقي ، قال في المعرفة : وروينا عن حماد بن زيد ومعتمر بن سليمان عن أيوب عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة من قوله نحو روايته عن النبي صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                          قال : ولم يذكر السند حتى ينظر فيه . انتهى ، فمبني على قصور نظره أو على فرط تعصبه فإن البيهقي وإن لم يذكر سنده فالدارقطني ذكره في سننه وقال بعد روايته صحيح موقوف ، وقد صرح الحافظ في الفتح بأن سنده أرجح وأقوى من سند قوله المخالف لحديثه .

                                                                                                          والعجب من النيموي إنه رأى في سنن الدارقطني قول أبي هريرة المخالف لروايته ونقله منه ولم ير فيه قوله الموافق لحديثه وكلاهما مذكوران في صفحة واحدة .

                                                                                                          تنبيه آخر : قال صاحب العرف الشذي : وجواب الحديث من قبلنا أن التسبيع مستحب [ ص: 256 ] عندنا كما صرح به الزيلعي شارح الكنز ، ثم وجدته مرويا عن أبي حنيفة في تحرير ابن الهمام . انتهى .

                                                                                                          قلت : فبطل بهذا قولكم بادعاء نسخ التسبيع يا معشر الحنفية ، ثم حمل الأمر بالتسبيع على الاستحباب ينافيه قوله صلى الله عليه وسلم : طهور إناء أحدكم ، الحديث .

                                                                                                          ثم قال : ولو كان التسبيع واجبا كيف اكتفى بالتثليث؟ قلت : تقدم جوابه في كلام الحافظ .

                                                                                                          ثم قال : وفتوى التثليث مرفوعة في كامل ابن عدي عن الكرابيسي وهو حسين بن علي تلميذ الشافعي وهو حافظ إمام فالحديث حسن أو صحيح .

                                                                                                          قلت : تفرد برفعها الكرابيسي ولم يتابعه على ذلك أحد وقد صرح ابن عدي في الكامل بأن المرفوع منكر قال الحافظ في لسان الميزان ما لفظه : قال - يعني ابن عدي - حدثنا أحمد بن الحسن ثنا الكرابيسي ثنا إسحاق الأزرق ثنا عبد الملك عن عطاء عن الزهري رفعه " إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليهرقه وليغسله ثلاث مرات " ثم أخرجه ابن عدي من طريق عمر بن شبة عن إسحاق موقوفا ثم قال تفرد الكرابيسي برفعه ، وللكرابيسي كتب مصنفة ذكر فيها الاختلاف وكان حافظا لها ولم أجد له منكرا غير ما ذكرت . انتهى ما في اللسان . فقول صاحب العرف الشذي : فالحديث حسن أو صحيح ليس مما يلتفت إليه .

                                                                                                          تنبيه آخر : للعيني تعقبات على كلام الحافظ الذي نقلناه عن الفتح كلها مخدوشة واهية لا حاجة إلى نقلها ثم دفعها لكن لما ذكرها صاحب بذل المجهود وصاحب الطيب الشذي وغيرهما واعتمدوا عليها فعلينا أن نذكرها ونظهر ما فيها من الخدشات ، قال العيني : كون الأمر بقتل الكلاب في أوائل الهجرة يحتاج إلى دليل قطعي ولئن سلمنا ذلك فكان يمكن أن يكون أبو هريرة وابن المغفل قد سمعا ذلك من صحابي آخر فأخبرا عن النبي صلى الله عليه وسلم لاعتمادهما صدق الراوي عنه لأن الصحابة كلهم عدول . انتهى .

                                                                                                          قلت : قد رد هذا التعقب المولوي عبد الحي اللكنوي في السعاية ردا حسنا فقال : وهذا تعقب غير مرضي عندي فإن كون رواية أبي هريرة وابن المغفل بواسطة صحابي آخر احتمال مردود لورود سماع أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم وشهادته على أبلغ وجه بسماعه ، أخرجه ابن ماجه عن أبي رزين ، قال : رأيت أبا هريرة يضرب جبهته بيده ويقول يا أهل العراق أنتم تزعمون أني أكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم ليكون لكم الهناء وعلي الإثم أشهد لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبع مرات وكذا ابن المغفل سمع أمر قتل الكلاب كما أخرجه الترمذي عنه وحسنه ، قال لمن يرفع أغصان الشجرة عن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يخطب فقال لولا أن الكلاب [ ص: 257 ] أمة من الأمم لأمرت بقتلها فاقتلوا منها كل أسود بهيم وما من بيت يرتبطون كلبا إلا نقص من عملهم كل يوم قيراط إلا كلب صيد أو كلب حرث أو كلب غنم .

                                                                                                          فهذا يدل على أنه سمع بلا واسطة نسخ عموم القتل والرخصة في كلب الصيد ونحوه ، وظاهر سياق مسلم عنه أن الأمر بالغسل سبعا وقع بعد ذلك ، ويدل عليه صريحا رواية الطحاوي في شرح معاني الآثار عنه ، قال : إن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الكلاب ثم قال : مالي وللكلاب ، ثم قال : إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبع مرات وعفروه الثامنة بالتراب فدل ذلك صريحا على أن الأمر بالغسل سبعا كان بعد نسخ الأمر بقتل الكلاب لا في ابتداء الإسلام . انتهى ما في السعاية .

                                                                                                          قال العيني بعد ذكر احتمال اعتقاد الندب والنسيان : هذا إساءة ظن بأبي هريرة فالاحتمال الناشئ من غير دليل لا يسمع . انتهى .

                                                                                                          قلت : قدره صاحب السعاية فقال : إن احتمال النسيان واعتقاد الندب ليس بإساءة ظن وليس فيه قدح بوجه من الوجوه . انتهى .

                                                                                                          قلت : وفي احتمال اعتقاد الندب كيف يكون إساءة الظن وقد قال صاحب العرف الشذي : وجواب الحديث من قبلنا أن التسبيع مستحب عندنا كما صرح به الزيلعي وصاحب الكنز ثم وجدته مرويا عن أبي حنيفة في تحرير ابن الهمام . انتهى .

                                                                                                          قال العيني بعدما ذكر أن قياس سؤر الكلب على العذرة قياس في مقابلة النص وهو فاسد الاعتبار ما لفظه : ليس هو قياس في مقابلة النص بل هو من باب ثبوت الحكم بدلالة النص . انتهى .

                                                                                                          قلت : قد رده صاحب السعاية فقال : هذا لو تم لدل على تطهير الإناء من سؤر الكلب واحدا أو ثلاثا بدلالة النص وأحاديث السبع دالة بعبارتها على اشتراط السبع وقد تقرر في الأصول أن العبارة مقدمة على الدلالة ، قال : وأيضا هذا منقوض بنقض الوضوء بالقهقهة في الصلاة مع عدم نقضه بسب المسلم في الصلاة وهو أشد منه فالجواب الجواب . انتهى . وإن شئت الوقوف على ما بقي من تعقباته مع بيان ما فيها من الخدشات فارجع إلى السعاية .

                                                                                                          تنبيه : اعلم أن الشيخ ابن الهمام قد تصدى لإثبات نسخ أحاديث السبع فذكر فيه تقريرات في فتح القدير ، وقد رد تلك التقريرات صاحب السعاية ردا حسنا وقال في أول كلامه عليها ما [ ص: 258 ] لفظه : وفيه على ما أقول خدشات تنبهك على أن تقريره كله من خرافة ناشئ عن عصبية مذهبية ، وقال في آخر كلامه عليها ما لفظه : فتأمل في هذا المقام فإن المقام من مزال الأقدام حتى زل قدم الهجام بن الهمام . انتهى . ولعل صاحب بذل المجهود عن هذا غافل فذكر تلك التقريرات المردودة ، وكذا ذكر تعقبات العيني المردودة واعتمد عليهما واغتنمهما .

                                                                                                          وكذلك يأتي في أمثال هذه المباحث بالتقريرات المخدوشة ولا يظهر ما فيها من الخدشات ولا يشير إلى من ردها فلا أدري أإنه يأتي بها مع الوقوف على ردها أو مع الغفلة عن ذلك فالله تعالى أعلم .


                                                                                                          فإن كان لا يدري فتلك مصيبة وإن كان يدري فالمصيبة أعظم

                                                                                                          وقد أطال في هذا البحث الفاضل اللكنوي في السعاية الكلام وأجاد وقال في آخر البحث ما لفظه : ولعل المنصف غير المتعسف يعلم بعد ملاحظة هذا البحث ضعف كلام أرباب التثليث وقوة كلام أصحاب التسبيع والتثمين . انتهى .

                                                                                                          قوله : ( وقد روي هذا الحديث من غير وجه عن أبي هريرة نحو هذا ولم يذكر فيه إذا ولغت الهرة غسل مرة ) قال الحافظ في الدراية بعد نقل هذا الحديث عن جامع الترمذي وذكر قوله هذا : وقد أخرجه أبو داود وبين أن حديث الهر موقوف . انتهى .

                                                                                                          وقال البيهقي في المعرفة : حديث محمد بن سيرين عن أبي هريرة " إذا ولغ الهر غسل مرة " فقد أدرجه بعض الرواة في حديثه عن النبي صلى الله عليه وسلم في ولوغ الكلب ووهموا فيه ، والصحيح أنه في ولوغ الكلب مرفوع وفي ولوغ الهر موقوف ، ميزه علي بن نصر الجهضمي عن قرة بن خالد عن ابن سيرين عن أبي هريرة ووافقه عليه جماعة من الثقات . انتهى .

                                                                                                          وروى الدارقطني هذا الحديث في سننه من طريق أبي بكر النيسابوري عن حماد وبكار عن أبي عاصم عن قرة بن خالد عن محمد عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم طهور الإناء إذا ولغ فيه الكلب يغسل سبع مرات الأولى بالتراب والهرة مرة أو مرتين قرة يشك . ثم قال الدارقطني : قال أبو بكر : كذا رواه أبو عاصم مرفوعا ورواه غيره عن قرة ولوغ الكلب مرفوعا وولوغ الهر [ ص: 259 ] موقوفا . انتهى .

                                                                                                          وقوله : ( وفي الباب عن عبد الله بن مغفل ) أخرجه مسلم مرفوعا بلفظ إذا ولغ الكلب في الإناء فاغسلوه سبع مرات وعفروه الثامنة بالتراب قال النووي في شرح مسلم : فأما رواية " وعفروه الثامنة بالتراب " فمذهبنا ومذهب الجماهير أن المراد اغسلوه سبعا واحدة منهن بالتراب مع الماء فكأن التراب قائم مقام غسله فسميت ثامنة لهذا والله أعلم . انتهى .

                                                                                                          وتعقب ابن دقيق العيد على هذا القول بأن قوله : وعفروه الثامنة بالتراب ظاهر في كونها غسلة مستقلة لكن لو وقع التعفير في أوله قبل ورود الغسلات السبع كانت الغسلات ثمانية ويكون إطلاق الغسلة على التتريب مجازا وهذا الجمع من مرجحات تعين التراب في الأولى . انتهى .




                                                                                                          الخدمات العلمية