الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 206 ] ( أفنضرب عنكم الذكر صفحا أن كنتم قوما مسرفين ( 5 ) وكم أرسلنا من نبي في الأولين ( 6 ) وما يأتيهم من نبي إلا كانوا به يستهزئون ( 7 ) فأهلكنا أشد منهم بطشا ومضى مثل الأولين ( 8 ) ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن خلقهن العزيز العليم ( 9 ) )

                                                                                                                                                                                                                                      ( ( أفنضرب عنكم الذكر صفحا ) يقال : ضربت عنه وأضربت عنه إذا تركته وأمسكت عنه ، " والصفح " مصدر قولهم صفحت عنه إذا أعرضت عنه ، وذلك بأن توليه صفحة وجهك [ وعنقك ] . والمراد بالذكر القرآن . ومعناه : أفنترك عنكم الوحي ونمسك عن إنزال القرآن فلا نأمركم [ ولا ننهاكم ] من أجل أنكم أسرفتم في كفركم وتركتم الإيمان ؟ استفهام بمعنى الإنكار ، أي : لا نفعل ذلك ، وهذا قول قتادة وجماعة .

                                                                                                                                                                                                                                      قال قتادة : والله لو كان هذا القرآن رفع حين رده أوائل هذه الأمة لهلكوا ، ولكن الله عاد عليهم بعائدته ورحمته ، فكرره عليهم عشرين سنة أو ما شاء الله .

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل : معناه : أفنضرب عنكم بتذكيرنا إياكم صافحين معرضين .

                                                                                                                                                                                                                                      قال الكسائي : أفنطوي عنكم الذكر طيا فلا تدعون ولا توعظون . وقال الكلبي : أفنترككم سدى لا نأمركم ولا ننهاكم . وقال مجاهد والسدي : أفنعرض عنكم ونترككم فلا نعاقبكم على كفركم . ( أن كنتم قوما مسرفين ) قرأ أهل المدينة وحمزة والكسائي : " إن كنتم " بكسر الهمزة ، على معنى : إذ كنتم ، كقوله : " وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين " ( آل عمران 139 ) ، وقرأ الآخرون بالفتح على معنى : لأن كنتم قوما مسرفين [ مشركين ] .

                                                                                                                                                                                                                                      ( وكم أرسلنا من نبي في الأولين وما يأتيهم ) أي وما كان يأتيهم ، ( من نبي إلا كانوا به يستهزئون ) كاستهزاء قومك بك ، يعزي نبيه - صلى الله عليه وسلم - .

                                                                                                                                                                                                                                      ( فأهلكنا أشد منهم بطشا ) أي أقوى من قومك ، يعني الأولين الذين أهلكوا بتكذيب الرسل ، ( ومضى مثل الأولين ) أي صفتهم وسنتهم وعقوبتهم ، فعاقبة هؤلاء كذلك في الإهلاك .

                                                                                                                                                                                                                                      ( ولئن سألتهم ) أي سألت قومك ، [ ص: 207 ] ( من خلق السماوات والأرض ليقولن خلقهن العزيز العليم ) أقروا بأن الله خالقها ، وأقروا بعزه وعلمه ثم عبدوا غيره وأنكروا قدرته على البعث لفرط جهلهم . إلى هاهنا تم الإخبار عنهم .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية