الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                        942 [ ص: 260 ] ( 75 ) باب إفاضة الحائض

                                                                                                                        898 - مالك ، عن عبد الرحمن بن القاسم ، عن أبيه ، عن عائشة أم المؤمنين أن صفية بنت حيي حاضت . فذكرت ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال " أحابستنا هي ؟ " فقيل : إنها قد أفاضت . فقال " فلا إذا " .

                                                                                                                        [ ص: 261 ] 899 - وعن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة مثله سواء
                                                                                                                        .

                                                                                                                        900 - مالك ، عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم ، عن أبيه ، عن عمرة بنت عبد الرحمن ، عن عائشة أم المؤمنين أنها قالت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - : يا رسول الله إن صفية بنت حيي قد حاضت . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " لعلها تحبسنا . ألم تكن طافت معكن بالبيت ؟ " قلن : بلى . قال " فاخرجن " .

                                                                                                                        901 - مالك ، عن أبي الرجال محمد بن عبد الرحمن ، عن عمرة بنت عبد الرحمن أن عائشة أم المؤمنين كانت إذا حجت ، ومعها نساء تخاف أن يحضن ، قدمتهن يوم النحر فأفضن . فإن حضن بعد ذلك لم تنتظرهن . فتنفر بهن ، وهن حيض ، إذا كن قد أفضن .

                                                                                                                        [ ص: 262 ] 902 - مالك ، عن عبد الله بن أبي بكر ، عن أبيه أن أبا سلمة بن عبد الرحمن أخبره : أن أم سليم بنت ملحان استفتت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وحاضت ، أو ولدت بعدما أفاضت يوم النحر ، فأذن لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فخرجت .

                                                                                                                        18779 - قال مالك : والمرأة تحيض بمنى تقيم حتى تطوف بالبيت ، لابد لها من ذلك . وإن كانت قد أفاضت ، فحاضت بعد الإفاضة ، فلتنصرف إلى بلدها . فإنه قد بلغنا في ذلك رخصة من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للحائض .

                                                                                                                        18780 - قال : وإن حاضت المرأة بمنى ، قبل أن تفيض ، فإن كربها يحبس عليها أكثر مما يحبس النساء الدم .

                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                        18781 - قال أبو عمر : معنى الآثار المرفوعة في هذا الباب أن طواف الإفاضة يحبس الحائض بمكة لا تبرح حتى تطوف للإفاضة ؛ لأن الطواف المفترض على كل من حج ، فإن كانت الحائض قد طافت قبل أن تحيض جاز لها بالسنة أن تخرج ، ولا تودع البيت ، ورخص ذلك للحائض وحدها دون غيرها .

                                                                                                                        18782 - وهذا كله أمر مجتمع عليه من فقهاء الأمصار ، وجمهور [ ص: 263 ] العلماء عليه لا خلاف بينهم فيه .

                                                                                                                        18783 - وقد كان ابن عمر - رضي الله عنه - يفتي بأن الحائض لا تنفر حتى تودع البيت ثم رجع عنه .

                                                                                                                        18784 - وذكر معمر ، عن أيوب ، عن نافع ، عن الزهري ، عن سالم : أن صفية بنت أبي عبيد حاضت يوم النحر بعدها طافت بالبيت ، فأقام ابن عمر عليها سبعا حتى طهرت ، وطافت ، فكان آخر عهدها بالبيت .

                                                                                                                        18785 - ومعمر قال : أخبرنا ابن طاوس ، عن أبيه أنه سمع ابن عمر يقول : لا ينفرن أحد من الحاج حتى يطوف بالبيت ، فقلت : ما له لم يسمع ما سمع أصحابه ، ثم جلست إليه من العام القابل ، فسمعته يقول : أما النساء فقد رخص لهن .

                                                                                                                        [ ص: 264 ] 18786 - قال : وأخبرنا ابن طاوس عن أبيه أن زيد بن ثابت ، وابن عباس تماريا في صدور الحائض قبل أن يكون آخر عهدها الطواف بالبيت : فقال ابن عباس : تنفر . وقال زيد : لا تنفر ! فدخل زيد على عائشة فسألها ، فقالت : تنفر ، فخرج زيد ، وهو يقول : ما الكلام إلا ما قلت .

                                                                                                                        18787 - قال أبو عمر : أجمع العلماء على أن طواف الوداع من سنن الحج المسنونة ، كما أجمعوا أن طواف الإفاضة فريضة .

                                                                                                                        18788 - وروى معمر ، عن الزهري ، عن سالم ، عن أبيه ، أن عمر بن الخطاب خطب الناس ، فقال : إذا نفرتم من منى ، فلا يصدر أحد حتى يطوف بالبيت ، فإن آخر المناسك الطواف بالبيت .

                                                                                                                        18789 - وعن ابن عباس ، وابن عمر مثله ، عن أبيه .

                                                                                                                        18790 - وطاف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للوداع ، وقد كان قال لهم : " خذوا عني [ ص: 265 ] مناسككم .

                                                                                                                        18791 - واختلف الفقهاء فيمن صدر ، ولم يودع :

                                                                                                                        18792 - فقال مالك : لا أحب لأحد أن يخرج من مكة حتى يودع البيت بالطواف ، فإن لم يفعل ، فلا شيء عليه .

                                                                                                                        18793 - قال أبو عمر : الوداع عنده مستحب ، وليس بسنة واجبة ; لسقوطه عن الحائض ، وعن المكي الذي لا يبرح من مكة بفرقة بعد حجه ، فإن خرج من مكة إلى حاجة طاف للوداع ، وخرج حيث شاء .

                                                                                                                        18794 - وهذا يدل على أنه مستحب ليس من مؤكدات الحج .

                                                                                                                        18795 - والدليل على ذلك أنه طواف ، قد حل وطء النساء قبله ، فأشبه طواف التطوع .

                                                                                                                        18796 - وقال الثوري ، وأبو حنيفة وأصحابه من خرج عن مكة ولم يودع البيت بالطواف فعليه دم .

                                                                                                                        [ ص: 266 ] 18797 - وحجتهم : ما جاء عن عمر ، وابن عباس ، وابن عمر ، أنهم قالوا : هو من النسك .

                                                                                                                        18798 - وقال ابن عباس : من ترك من نسكه شيئا ، فليهرق دما .

                                                                                                                        18799 - وأما قول مالك : فإن حاضت المرأة بمنى قبل أن تفيض فإن كربها يحبس عليها أكثر مما يحبس النساء الدم .

                                                                                                                        187800 - وقال ابن عبد الحكم : إذا حاضت قبل الإفاضة لم تبرح حتى تطهر ، وتطوف بالبيت ، ويحبس عليها الكري إلى انقضاء خمسة عشر يوما من حين ذات الدم ، ويحبس على النفساء حتى تطهر بأكثر ما يحبس النفساء الدم في النفاس .

                                                                                                                        18801 - قال : ولا حجة للكري أن يقول : لم أعلم أنها حامل .

                                                                                                                        18802 - قال مالك : وليس عليها أن تعينه في العلف .

                                                                                                                        18803 - قال : فإن حاضت بعد الإفاضة فلتنفر .

                                                                                                                        18804 - قال : وإن كان بين الحائض وبين التي لم تطهر يوم ، أو يومان [ ص: 267 ] حبس عليها الكري ، ومن معه من أهل رفقته - وإن كان بقي لها أيام لم يحبس إلا وحده .

                                                                                                                        18805 - وقال محمد بن المواز : لست أعرف حبس الكري ، كيف يحبس وحده يعرضه بقطع الطريق عليه .




                                                                                                                        الخدمات العلمية