الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          محاولة الإخراج

                                                          بعد أن كلت بهم الحجة ضاق صدرهم، فانتقلوا من الجدل الباطل إلى الإخراج من أرضهم.

                                                          وقال الذين كفروا لرسلهم لنخرجنكم من أرضنا أو لتعودن في ملتنا فأوحى إليهم ربهم لنهلكن الظالمين ولنسكننكم الأرض من بعدهم ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيد

                                                          لا يلجأ أحد إلى القوة إلا إذا كل به الدليل، وأحس بأن ما يسوقه من قول يحسبه حجة انهيار أمام قوة الحق؛ ولأن أتباع الرسل دائما يكونون قلة وأكثرهم ضعفاء يستهين بهم المشركون؛ لأنهم أعز نفرا، وأشد بأسا، وأكثر تعنتا؛ ولذا قال الله تعالى: وقال الذين كفروا لرسلهم لنخرجنكم من أرضنا أو لتعودن في ملتنا انحصر كلامهم في أن الرسل والمؤمنين يكونون بين أحد أمرين: الإخراج من أرضهم، أو أن يعودوا في ملتهم في عبادة الأوثان، وهنا أمران مهمان لا بد من الإشارة إليهما.

                                                          أولهما: القسم، فمهما هددوا به الرسل، وقد أقسموا لنخرجنكم من أرضنا والقسم دل عليه باللام الموطئة للقسم ونون التوكيد الثقيلة، وهي بالنسبة لهم أوضح؛ لأنهم يملكون أعمالهم وأنفسهم فكيف يكون القسم بالنسبة للرسل، كأنهم يقسمون على الرسل والمعنى أنهم أخذوا قاسمين على أمرين لا بد من تحقق أحدهما، وهو لنخرجنكم أو لتعودن، ونحن نقسم عليكم بذلك.

                                                          [ ص: 4006 ] الثاني: أن التعبير بـ لتعودن يوحي إلى أنهم كانوا في ملتهم، وخرجوا منها وطلبوا أن يعودوا إليها، والرسل لم يكونوا فى ملتهم أبدا، فما كان الرسل ليشركوا بالله ويعبدوا الأوثان، والجواب عن ذلك من وجوه؛ أولها: أن عاد بمعنى صار وهي كثيرة الاستعمال في اللسان العربي كذلك، وثانيها: أن ذلك ينطبق على أتباع الرسل، وثالثها: أن حال الرسل قبل الرسالة تكون صمتا عن الشرك لا يعتقدونه ولا يقومون بالدعوة ضده، فيحسبهم الجاهلون من أهل الشرك أنهم معهم، فإذا جاءوا بعد البعث يدعونهم حسبوا ذلك جديدا على الرسل كما هو جديد عليهم، فطالبوا بأن يعودوا إلى ما كانوا عليه لا يزعجونهم بدعوة إلى الوحدانية ولا برسالة، ولا ذكر رسول.

                                                          وفى هذا الوقت الذي بلغ فيه العند أشده والكفر أطغاه ثبت الله قلوب رسله فأوحى إليهم ربهم لنهلكن الظالمين أوحى الله إلى رسله قائلا لهم: لنهلكن الظالمين أو كان مدلول الوحي لنهلكن الظالمين اللام لام القسم، والنون نون التوكيد الثقيلة، وهي توكيد للقسم فضل توكيد، وأظهر سبحانه في موضع الإضمار، فلم يقل لنهلكنهم، بل لنهلكن الظالمين لبيان سبب الهلاك وهو الظلم، وقد ظلم هؤلاء إذ لم يؤمنوا وأشركوا إن الشرك لظلم عظيم

                                                          وظلموا فتعنتوا وطلبوا آيات أخرى وقد جاءتهم البينات، وظلموا بإيذاء المؤمنين وظلموا أشد الظلم فهموا بإخراج الرسول ومن معه، وحاولوا فتنة المؤمنين ليكفروا بعد إيمان، ولم يتركوا بابا من أبواب الظلم إلا دخلوه وما الله يريد ظلما للعالمين

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية