الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وممن توفي فيها من الأعيان :

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الصاحب بن عباد وهو إسماعيل بن عباد بن عباس بن عباد بن أحمد [ ص: 454 ] ابن إدريس الطالقاني ، أبو القاسم

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الوزير الشهير الملقب بكافي الكفاة ، وزر لمؤيد الدولة بن ركن الدولة بن بويه ، وقد كان من العلم والفضيلة والبراعة والكرم والإحسان إلى العلماء على جانب عظيم ، كان يبعث في كل سنة إلى بغداد بخمسة آلاف دينار ; لتفرق على أهل العلم ، وله اليد الطولى في الأدب ، وله مصنفات في فنون العلم ، واقتنى كتبا كثيرة كانت تحمل على أربعمائة بعير ، ولم يكن في وزراء بني بويه الديالمة مثله ولا قريب منه في مجموع فضائله ، وقد كانت دولة بني بويه مائة وعشرين سنة ، وكانت وزارته ثمانية عشر سنة وأشهرا ، وفتح خمسين قلعة لمخدومه مؤيد الدولة ، وابنه فخر الدولة ، لصرامته وشهامته وحسن تدبيره وجودة آرائه ، وكان يحب العلوم الشرعية ، ويبغض الفلسفة وما يشبهها من الآراء البدعية ، وقد مرض مرة بالإسهال ، فكان كلما قام عن المطهرة وضع عندها عشرة دنانير لئلا يتبرم به الفراشون ، فكانوا يودون أن لو طالت علته ، ولما عوفي أنهب داره الفقراء ، وكان قيمة ما تحتوي عليه نحوا من خمسين ألف دينار ، وقد سمع الحديث من المشايخ الجياد عوالي الإسناد ، وعقد له في وقت مجلس للإملاء ، فاحتفل الناس بحضوره ، فلما خرج لبس زي الفقهاء ، وأشهد على نفسه بالتوبة والإنابة مما يعانيه من أمور السلطان ، وذكر [ ص: 455 ] للناس أنه إنما كان يأكل من حين نشأ إلى يومه هذا من أموال أبيه وجده ، ولكن يخالط السلطان ، وهو تائب مما مارسه من شئونه ، واتخذ بيتا في داره سماه بيت التوبة ، ووضع العلماء خطوطهم بصحة توبته ، وحين حدث استملى عليه جماعة لكثرة مجلسه ، فكان من جملة من يكتب ذلك اليوم من الطلبة القاضي عبد الجبار الهمذاني ، ومن شابهه من رءوس الفضلاء وسادات المحدثين والفقهاء .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقد بعث إليه قاضي قزوين بهدية ; كتب كثيرة ، وكتب معها :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      العميري عبد كافي الكفاة وإن اعتل في وجوه القضاة     خدم المجلس الرفيع بكتب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      مفعمات من حسنها مترعات

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فلما وصلت إليه أخذ منها كتابا واحدا ، ورد باقيها ، وكتب تحت البيتين :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قد قبلنا من الجميع كتابا     ورددنا لوقتها الباقيات
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      لست أستغنم الكثير وطبعي     قول خذ ليس مذهبي قول هات

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وجلس الوزير ابن عباد مرة في مجلس شراب ، فناوله الساقي كأسا ، فلما أراد شربها ، قال له بعض خدامه : يا سيدي ، إن هذا الذي في يدك مسموم ، [ ص: 456 ] قال : وما الشاهد على صحة قولك ؟ قال : تجربه ، قال : فيمن ؟ قال : في الساقي ، قال : ويحك ، لا أستحل ذلك ، قال : ففي دجاجة ، قال : إن التمثيل بالحيوان لا يجوز ، ثم أمر بصب ما في ذلك القدح ، وقال للساقي : لا تدخل داري بعد هذا ، ولم يقطع عنه معلومه .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقد عمل عليه الوزير أبو الفتح بن ذي الكفايتين حتى عزله عن وزارة مؤيد الدولة ، وباشرها عوضه ، واستمر مدة ، فبينما هو ليلة في بعض أيامه قد اجتمع عنده أصحابه وندماؤه وهو في أتم سرور ، قد هيئ له مجلس حافل بأنواع اللذات ، من المآكل والمشارب والملابس والتحف ، وقد نظم أبياتا ، والمغنون يلحنونها له ، وهو في غاية الطرب والسرور والفرح ، وهي هذه :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      دعوت الهنا ودعوت العلا     فلما أجابا دعوت القدح
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقلت لأيام شرخ الشباب     إلي فهذا أوان الفرح
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      إذا بلغ المرء آماله     فليس له بعدها منتزح

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ثم قال لأصحابه : باكروني غدا إلى الصبوح ، ونهض إلى بيت منامه ، فما أصبح حتى قبض عليه مؤيد الدولة ، وأخذ جميع ما في داره من الحواصل والأموال ، وجعله مثلة في العباد ، وأعاد إلى وزارته الصاحب بن عباد .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقد ذكر ابن الجوزي ، أن الصاحب بن عباد حين حضرته الوفاة جاءه [ ص: 457 ] الملك فخر الدولة بن مؤيد الدولة يعوده ليوصيه في أموره ، فقال له : إني موصيك أن تستمر في الأمور على ما تركتها عليه ، ولا تغيرها ، فإنك إن استمررت بها نسبت إليك من أول الأمر إلى آخره ، وإن غيرتها وسلكت غيرها نسبت هي والخير المتقدم إلي لا إليك ، وأنا أحب أن تكون نسبة الخير إليك ، وإن كنت أنا المشير بها عليك . فأعجبه منه ذلك واستمر على ما أوصاه به من الخير ، وكانت وفاته في عشية يوم الجمعة ، لست بقين من صفر منها .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن خلكان : وهو أول من سمي من الوزراء بالصاحب ، ثم استعمل بعده فيهم وإنما سمي بذلك لكثرة صحبته الوزير أبا الفضل بن العميد ، فكان يقال له : صاحب ابن العميد ، ثم أطلق عليه أيام وزارته ، وقال الصابئ في كتابه " التاجي " : إنما سماه الصاحب مؤيد الدولة بن بويه ; لأنه كان صاحبه من الصغر ، فكان يسميه الصاحب ، فلما ملك واستوزره سماه الصاحب ، فاشتهر به ، وتسمى به الوزراء بعده ، ثم ذكر ابن خلكان قطعة صالحة من مكارمه وفضائله وثناء الناس عليه ، وعدد له مصنفات كثيرة ، منها كتابه " المحيط " في اللغة في سبع مجلدات ، يحتوي على أكثر اللغة ، وأورد من شعره أشياء ، منها قوله وهو صنيع لطيف


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      رق الزجاج ورقت الخمر     وتشابها فتشاكل الأمر
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فكأنما خمر ولا قدح     وكأنما قدح ولا خمر

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 458 ] قال ابن خلكان توفي بالري في هذه السنة ، وله نحو ستين سنة ، ونقل إلى أصبهان رحمه الله .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الحسن بن حامد بن الحسن بن حامد ، أبو محمد

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الأديب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ، كان شاعرا متمولا ، كثير المكارم ، روى عن علي بن محمد بن سعيد الموصلي ، وعنه الصوري ، وكان صدوقا ، وهو الذي أنزل المتنبي في داره حين قدم بغداد وأحسن إليه ، وأجرى عليه النفقات حتى قال له المتنبي : لو كنت مادحا تاجرا لمدحتك ، وقد كان أبو محمد هذا شاعرا ماهرا ، فمن جيد شعره قوله :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      شريت المعالي غير منتظر بها     كسادا ولا سوقا يقام لها أخرى
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وما أنا من أهل المكاسب كلما     توفرت الأثمان كنت لها أشرى

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ابن شاهين الواعظ ، عمر بن أحمد بن عثمان بن أحمد بن محمد بن أيوب بن أزداذ ، أبو حفص بن شاهين

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الواعظ المشهور ، سمع الكثير ، [ ص: 459 ] وحدث عن الباغندي وأبي بكر بن أبي داود والبغوي وابن صاعد وخلق ، وكان ثقة أمينا يسكن الجانب الشرقي من بغداد وكانت له المصنفات العديدة المفيدة ، ذكر عنه أنه صنف ثلاثمائة وثلاثين مصنفا ; من ذلك " التفسير " في ألف جزء ، و " المسند " في ألف وخمسمائة جزء ، و " التاريخ " في مائة وخمسين جزءا ، و " الزهد " في مائة جزء . توفي وكانت وفاته في ذي الحجة منها ، وقد قارب التسعين ، رحمه الله تعالى .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الحافظ الدارقطني ، علي بن عمر بن أحمد بن مهدي بن مسعود بن النعمان بن دينار بن عبد الله ، أبو الحسن الدارقطني

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الحافظ الكبير ، أستاذ هذه الصناعة في زمانه وقبلها بمدة وبعدها إلى زماننا هذا ، سمع الكثير ، وجمع وصنف ، وألف وأجاد وأفاد ، وأحسن النظر والتعليل ، والانتقاء والاعتقاد ، وكان فريد عصره ، ونسيج وحده ، وإمام أهل دهره في أسماء الرجال ، وصناعة التعليل ، والجرح والتعديل ، وحسن التصنيف والتأليف ، واتساع الرواية ، والاطلاع التام في الدراية ، له كتاب " السنن الكبير " المشهور ، من أحسن المصنفات في بابه ، لم يسبق إلى مثله ، ولا يلحق في شكله ، إلا من استمد من بحره ، وعمل كعمله ، وله كتاب " العلل " بين فيه الصواب من [ ص: 460 ] الزلل ، والمتصل من المرسل والمنقطع والمعضل ، وكتاب " الأفراد " الذي لا يفهمه ، فضلا عن أن ينظمه ، إلا من هو من الحفاظ الأفراد ، والأئمة النقاد ، والجهابدة الجياد ، وله غير ذلك من المصنفات التي هي كالعقود في الأجياد .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقد كان الدارقطني من صغره موصوفا بالحفظ الباهر ; جلس مرة في مجلس إسماعيل الصفار ، وهو يملي على الناس الأحاديث ، والدارقطني ينسخ في جزء حديث ، فقال له بعض المحدثين في أثناء المجلس : إن سماعك لا يصح وأنت تنسخ ، فقال الدارقطني : فهمي خلاف فهمك ، أتحفظ كم أملى حديثا ؟ فقال : لا ، فقال : إنه أملى ثمانية عشر حديثا إلى الآن ، فالحديث الأول منها عن فلان عن فلان ، ثم ساقها كلها بأسانيدها وألفاظها ، فتعجب الناس منه .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال الحاكم أبو عبد الله النيسابوري : لم ير الدارقطني مثل نفسه ، وقال ابن الجوزي : وقد اجتمع له مع معرفة الحديث العلم بالقراءات والنحو والفقه والشعر ، مع الأمانة والعدالة وصحة العقيدة ، وقد كانت وفاته في يوم الثلاثاء السابع من ذي القعدة من هذه السنة ، وله من العمر تسع وسبعون سنة [ ص: 461 ] ويومان ، ودفن من الغد بمقبرة معروف الكرخي رحمه الله تعالى .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن خلكان : وقد رحل إلى الديار المصرية فأكرمه الوزير أبو الفضل جعفر بن حنزابة وزير كافور الإخشيدي وساعده هو والحافظ عبد الغني على إكمال " مسنده " وحصل للدارقطني منه مال جزيل ، قال : والدارقطني : نسبة إلى دار القطن ، وهي محلة كبيرة ببغداد .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال عبد الغني بن سعيد المصري : لم يتكلم على الأحاديث مثل علي بن المديني في زمانه ، وموسى بن هارون في زمانه ، والدارقطني في زمانه .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وسئل الدارقطني : هل رأى مثل نفسه ؟ قال : أما في فن واحد فربما رأيت من هو أفضل مني ، وأما فيما اجتمع في من الفنون فلا .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقد روى الخطيب البغدادي عن الأمير أبي نصر بن هبة الله بن علي بن جعفر بن ماكولا ، قال : رأيت في المنام كأني أسأل عن حال أبي الحسن الدارقطني ، وما آل إليه أمره في الآخرة ، فقيل لي : ذاك يدعى في الجنة الإمام ، [ ص: 462 ] رحمه الله ورضي عنه .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      عباد بن عباس بن عباد أبو الحسن الطالقاني

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      والد الوزير إسماعيل بن عباد
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ، سمع أبا خليفة الفضل بن الحباب وغيره من البغداديين والأصفهانيين والرازيين وغيرهم ، وحدث عنه ابنه الوزير أبو القاسم ، وأبو بكر بن مردويه ، ولعباد هذا كتاب في أحكام القرآن ، وقد اتفق موته وموت ابنه في هذه السنة ، رحمهما الله .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      عقيل بن محمد بن عبد الواحد ، أبو الحسن الأحنف العكبري

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الشاعر المشهور ، له ديوان مفرد ، ومن مستجاد شعره ما ذكره أبو الفرج ابن الجوزي في " المنتظم " قوله :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      أقضى علي من الأجل     عذل العذول إذا عذل
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وأشد من عذل العذو     ل صدود إلف قد وصل
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وأشد من هذا وذا     طلب النوال من السفل

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ومن شعره الجيد أيضا قوله :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      من أراد الملك والرا     حة من هم طويل
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 463 ] فليكن فردا من النا     س ويرضى بالقليل
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ويرى أن قليلا     نافعا غير قليل
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ويرى بالحزم أن ال     حزم في ترك الفضول
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ويداوي مرض الوح     دة بالصبر الجميل
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      لا يماري أحدا ما     عاش في قال وقيل
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      يلزم الصمت فإن الص     مت تهذيب العقول
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      يذر الكبر لأهلي     ه ويرضى بالخمول
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      أي عيش لامرئ يص     بح في حال ذليل
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      بين قصد من عدو     ومداراة جهول
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      واعتلال من صديق     وتجن من ملول
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      واحتراس من ظنون السو     ء مع عذل العذول
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ومماشاة بغيض     ومقاساة ثقيل
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      أف من معرفة النا     س على كل سبيل
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وتمام الأمر لا يع     رف سمحا من بخيل
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فإذا أكمل هذا كا     ن في ملك جليل

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 464 ] محمد بن عبد الله بن سكرة ، أبو الحسن الهاشمي

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      من ولد علي بن المهدي بالله ، كان شاعرا أديبا خليعا ظريفا ، وكان ينوب في نقابة الهاشميين ، فترافع إليه رجل اسمه علي وامرأة اسمها عائشة يتحاكمان في جمل ، فقال : هذه قضية لا أحكم فيها بشيء ; لئلا يعود الحال خدعة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ومن مستجاد شعره ولطيف قوله :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      في وجه إنسانة كلفت بها     أربعة ما اجتمعن في أحد
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الوجه بدر والصدغ غالية     والريق خمر والثغر من برد

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ومن مجون شعره قوله ، وقد دخل حماما ، فسرق نعله ، فعاد إلى منزله حافيا ، فقال :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      إليك أذم حمام ابن موسى     وإن فاق المنى طيبا وحرا
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      تكاثرت اللصوص عليه حتى     ليحفى من يطيف به ويعرى
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ولم أفقد به ثوبا ولكن     دخلت محمدا وخرجت بشرا

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 465 ] يوسف بن عمر بن مسرور ، أبو الفتح القواس

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      سمع البغوي وابن أبي داود وابن صاعد وغيرهم ، وعنه الخلال والعشاري والتنوخي وغيرهم ، وكان ثقة نبيلا ، يعد من الأبدال ، قال الدارقطني : كنا نتبرك به وهو صغير ، وكانت وفاته لثلاث بقين من ربيع الآخر عن خمس وثمانين سنة ، ودفن بباب حرب ، رحمه الله تعالى .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      يوسف بن أبي سعيد السيرافي ، أبو محمد النحوي بن النحوي

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وهو الذي تمم شرح أبيه لكتاب سيبويه وكان يرجع إلى علم ودين ، وكانت وفاته في ربيع الأول منها عن خمس وخمسين سنة ، رحمه الله تعالى وإيانا بمنه وكرمه .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية