الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          وإن تعدى فيها فركب الدابة لغير نفعها ، ولبس الثوب ، وأخرج الدراهم لينفقها ، ثم ردها أو جحدها ، ثم أقر بها ، أو كسر ختم كيسها ، أو خلطها بما لا تتميز منه ضمنها ، وإن خلطها بمتميز أو ركب الدابة ليسقيها ، وإن أخذ درهما ثم رده فضاع الكل ضمنه وحده ، وعنه : يضمن الجميع ، وإن رد بدله متميزا فكذلك ، وإن كان غير متميز ضمن الجميع ، ويحتمل أن لا يضمن غيره .

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          ( وإن تعدى فيها فركب الدابة لغير نفعها ، ولبس الثوب ، وأخرج الدراهم لينفقها ثم ردها ) بنية الأمانة ضمنها لتصرفه في مال غيره بغير إذنه ، وفيه وجه ; لأنه ممسك لها بإذن مالكها ، أشبه ما قبل التعدي ، وجوابه أنه ضمنها بعدوان ، فبطل الاستئمان ، كما لو جحدها ثم أقر بها [ ص: 240 ] ويخرج منه ما إذا استعملها لنفعها كلبس صوف ونحوه ، خوفا من عث ونحوه ( أو جحدها ثم أقر بها ) لأنه بجحدها خرج عن الاستئمان عنها ، فلم يزل عنه الضمان بالإقرار بها ; لأن يده صارت يد عدوان ( أو كسر ختم كيسها ) أو كانت مشدودة فأزال الشد ، أو مقفولة فأزاله ، وسواء أخرج منها شيئا أو لا لهتكه الحرز بفعل تعدى فيه ، وفيه رواية : لا يضمن ، فإن خرق الكيس فوق الشد فعليه ضمان ما خرق فقط ; لأنه لم يهتك الحرز ( أو خلطها بما لا تتميز منه ) كزيت بزيت ، ودراهم بدراهم ( ضمنها ) لأنه صيرها في حكم التالف وفوت على نفسه ردها ، أشبه ما لو ألقاها في لجة بحر ، وسواء خلطها بماله أو مال غيره بمثلها ، أو دونها ، أو أجود ، ونقل عبد الله بن محمد البغوي عن أحمد في رجل أعطى آخر درهما يشتري له به شيئا ، فخلطه مع دراهمه ، فضاعا ، قال : ليس عليه شيء ، وذكره القاضي ، ولم يتأوله في " النوادر " وذكره الحلواني ، ظاهر كلام الخرقي ، وجزم به في " المنثور " عن أحمد ، قال : لأنه خلطه بماله ، فإن لم يدر أيهما ضاع ضمن ، نقله البغوي ، وفي " الرعاية " إذا خلط إحدى وديعتي زيد بالأخرى بلا إذن وتعذر التمييز ، فوجهان .

                                                                                                                          فرع : إذا نوى التعدي فيها ولم يتعد لم يضمن ، وحكى القاضي قولا : بلى ، كملتقط في وجه .

                                                                                                                          ( وإن خلطها بمتميز ) كدراهم بدنانير لم يضمن على الأصح ، وحكاه في " الشرح " بغير خلاف نعلمه ; لأنه لا يعجز بذلك عن ردها أشبه ما لو تركها في صندوق فيه أكياس له ، والثانية : يضمن للتصرف فيها ، وكذا الخلاف إن [ ص: 241 ] خلط بيضا بسود ، وصحاحا بمكسرة ، والثالثة : يضمن إن خلط بيضا بسود ، وحمله في " المغني " ، و " الشرح " على أنها تكتسب منها سوادا ، ويتغير لونها ( أو ركب الدابة ليسقيها ) أو ليعلفها لم يضمن ; لأنه مأذون فيه شرعا ، وعرفا ، ولهذا يضمن إذا تلفت بتركه ( وإن أخذ درهما ثم رده فضاع الكل ضمنه وحده ) في الأصح ; لأن الضمان تعلق بالأخذ فلم يضمن غير ما أخذه ، بدليل ما لو تلف في يده قبل رده ( وعنه : يضمن الجميع ) حكاها في " التلخيص " وغيره ; لأنها وديعة قد تعدي فيها فضمنها ، كما لو أخذ الجميع ( وإن رد بدله متميزا فكذلك ) أي : يجري فيه الخلاف السابق ( وإن كان غير متميز ضمن الجميع ) على المذهب ، وقاله القاضي لخلطه الوديعة بما لا تتميز ( ويحتمل أن لا يضمن غيره ) وهو مقتضى كلام الخرقي ، وقطع به القاضي في " التعليق " ، وحكي عنه في رواية الأثرم أنه أنكر القول بتضمين الجميع ، قال : وإنه قول سوء ; لأن الضمان منوط بالتعدي ، وهو مختص بالمأخوذ ، وكذا إن أذن في أخذه منها ، فرد بدله بلا إذنه ، وشرطها كما جزم به في " المغني " ، و " الشرح " إذا كانت غير مختومة ، ولا مشدودة ، فإن كانت كذلك ضمن الجميع لهتك الحرز ، وهذا هو الصحيح عند القاضي ، وقياس قول الأصحاب .

                                                                                                                          فرع : إذا منعها بعد طلب طالبها شرعا والتمكن ، ولو كان مستأجرا لها ضمن ، فإن ضمنها فجدد له صاحبها استئمانا ، أو أبرأه برئ في الأصح كرده إليه ، أو إن جئت ثم تركت ، فأنت أميني ، ذكره في " الانتصار " ، فإن ردها فهو ابتداء استئمان .




                                                                                                                          الخدمات العلمية