الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                فإن لم تجدوا فيها أحدا فلا تدخلوها حتى يؤذن لكم وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا هو أزكى لكم والله بما تعملون عليم

                                                                                                                                                                                                يحتمل : فإن لم تجدوا فيها أحدا : من الآذنين ، فلا تدخلوها : واصبروا حتى تجدوا من يأذن لكم ، ويحتمل : فإن لم تجدوا فيها أحدا من أهلها ولكم فيها حاجة ، فلا تدخلوها إلا بإذن أهلها ؛ وذلك أن الاستئذان لم يشرع ؛ لئلا يطلع الدامر على عورة ، ولا تسبق عينه إلى ما لا يحل النظر إليه فقط ؛ وإنما شرع لئلا يوقف على الأحوال التي يطويها الناس في العادة عن غيرهم ويتحفظون من اطلاع أحد عليها ، ولأنه تصرف في ملك غيرك فلا بد من أن يكون برضاه ، وإلا أشبه الغصب والتغلب ، "فارجعوا" أي : لا تلحوا في إطلاق الإذن ، ولا تلجوا في تسهيل الحجاب ، ولا تقفوا على الأبواب منتظرين ؛ لأن هذا مما يجلب الكراهة ويقدح في قلوب الناس خصوصا إذا كانوا ذوي مروءة ومرتاضين بالآداب الحسنة ، وإذا نهى عن ذلك لأدائه إلى الكراهة ، وجب الانتهاء عن كل ما يؤدي إليها : من قرع الباب بعنف ، والتصييح بصاحب الدار ، وغير ذلك مما يدخل في عادات من لم يتهذب من أكثر الناس ، وعن أبي عبيد : ما قرعت بابا على عالم قط ، وكفى بقصة بني أسد زاجرة وما نزل فيها من قوله : إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون [الحجرات : 4 ] .

                                                                                                                                                                                                فإن قلت : هل يصح أن يكون المعنى : وإن لم يؤذن لكم وأمرتم بالرجوع فامتثلوا ، ولا تدخلوا مع كراهتهم ؟

                                                                                                                                                                                                قلت : بعد أن جزم النهي عن الدخول مع فقد الإذن وحده من أهل الدار حاضرين وغائبين ، لم تبق شبهة في كونه منهيا عنه مع انضمام الأمر بالرجوع إلى فقد الإذن .

                                                                                                                                                                                                فإن قلت : فإذا عرض أمر في دار : من حريق ، أو هجوم سارق ، أو ظهور منكر يجب إنكاره ؟

                                                                                                                                                                                                قلت : ذلك مستثنى بالدليل ، أي : الرجوع أطيب لكم وأطهر ؛ لما فيه من سلامة [ ص: 288 ] الصدور والبعد من الريبة ، أو أنفع وأنمى خيرا ، ثم أوعد المخاطبين بذلك بأنه عالم بما يأتون وما يذرون مما خوطبوا به فموف جزاءه عليه .

                                                                                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                                                                                الخدمات العلمية