الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ولما تضمنت هذه الآية إثبات القدرة التامة مع ما سبق [ ص: 284 ] من أدلتها المحسوسة المشاهدة، كان أيضا من العجب العجيب والنبأ الغريب استهزاءهم بها، فقال معجبا منهم: ويستعجلونك أي استهزاء وتكذيبا; والاستعجال: طلب التعجيل، وهو تقديم الشيء قبل وقته الذي يقدر له بالسيئة من العذاب المتوعد به من عذاب الدنيا وعذاب الآخرة جرأة منهم تشير إلى أنهم لا يبالون بشيء منه ولا يوهن قولهم شيء قبل الحسنة من الخير الذي تبشرهم به "و" الحال أنه " قد خلت " ولما كان المحدث عنه إنما كان في بعض الزمان، أدخل الجار فقال: من قبلهم المثلات جمع مثلة بفتح الميم وضم المثلثة [كصدقة وصدقات، سميت بذلك لما بين العقاب والمعاقب عليه من المماثلة]، وهي العقوبات التي تزجر عن مثل ما وقعت لأجله من الأمم الذين اتصلت بهم أخبارهم، وخاطبتهم بعظيم ما اتفق لهم آثارهم وديارهم، وما يؤخرهم الله إلا لاستيفاء آجالهم التي ضربها لهم مع قدرته التامة عليهم.

                                                                                                                                                                                                                                      ولما كانوا ربما قالوا: ما نرى إلا تهديدا لا يتحقق شيء منه: قال مؤكدا لإنكارهم واعتقادهم أن المسار والمضار إنما هي عادة الدهر، عطفا على ما تقديره: فإن ربك حليم لا يخاف الفوت فلا يستعجل في الأخذ: وإن ربك أي المحسن إليك بجعلك نبي الرحمة لذو مغفرة [ ص: 285 ] أي عظيمة ثابتة للناس حال كونهم ظالمين متمكنين في الظلم مستقلين على ظلمهم وهو إيقاعهم الأشياء في غير مواضعها، فلا يؤاخذهم بجميع ما كسبوا [ ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة فلذلك يقيم الناس دهرا طويلا يكفرون ولا يعاقبون حلما منه سبحانه، والآية مقيدة بآية النساء ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء وإن لم يكن توبة، فإن التائب ليس على ظلمه.

                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان يمهل سبحانه ولا يهمل [و] ذكر إمهاله، ذكر أخذه مؤكدا لمثل ما مضى فقال: وإن ربك أي الموجد لك المدبر لأمرك بغاية الإحسان لشديد العقاب للكفار ولمن شاء من غيرهم، فلذلك يأخذ أخذ عزيز مقتدر إذا جاء الأجل الذي قدره.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية