الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            قال ابن إسحاق بعد ذكر رجوعه عليه الصلاة والسلام ، إلى أمه آمنة بعد رضاعة حليمة له : فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، مع أمه آمنة بنت وهب وجده عبد المطلب في كلاءة الله وحفظه ، ينبته الله نباتا حسنا لما يريد به من كرامته فلما بلغ ست سنين توفيت أمه آمنة بنت وهب .

            قال ابن إسحاق حدثني عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم أن أم رسول الله صلى الله عليه وسلم آمنة ، توفيت وهو ابن ست سنين ، بالأبواء بين مكة والمدينة كانت قد قدمت به على أخواله من بني عدي بن النجار تزيره إياهم فماتت وهي راجعة به إلى مكة . وذكر الواقدي بأسانيده أن النبي صلى الله عليه وسلم خرجت به أمه إلى المدينة ، ومعه أم أيمن ، وله ست سنين فزارت أخواله قالت أم أيمن : فجاءني ذات يوم رجلان من يهود المدينة فقالا لي : أخرجي إلينا أحمد ننظر إليه فنظرا إليه وقلباه فقال أحدهما لصاحبه : هذا نبي هذه الأمة ، وهذه دار هجرته ، وسيكون بها من القتل والسبي أمر عظيم فلما سمعت أمه خافت وانصرفت به فماتت بالأبواء وهي راجعة .

            وقال الإمام أحمد : حدثنا حسين بن محمد حدثنا أيوب بن جابر عن سماك عن القاسم بن عبد الرحمن عن ابن بريدة عن أبيه قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كنا بودان قال : مكانكم حتى آتيكم فانطلق ثم جاءنا وهو سقيم فقال : إني أتيت قبر أم محمد فسألت ربي الشفاعة - يعني لها - فمنعنيها ، وإني كنت نهيتكم عنزيارة القبور فزوروها . ونهيتكم عن لحوم الأضاحي بعد ثلاثة أيام فكلوا وأمسكوا ما بدا لكم . ونهيتكم عن الأشربة في هذه الأوعية فاشربوا ما بدا لكم .

            وقد رواه البيهقي من طريق سفيان الثوري عن علقمة بن مرثد عن سليمان بن بريدة عن أبيه قال انتهى النبي صلى الله عليه وسلم إلى رسم قبر فجلس وجلس الناس حوله كثير فجعل يحرك رأسه كالمخاطب ثم بكى فاستقبله عمر رضي الله عنه فقال : ما يبكيك يا رسول الله ؟ قال : هذا قبر آمنة بنت وهب استأذنت ربي في أن أزور قبرها فأذن لي ، واستأذنته في الاستغفار لها فأبى علي ، وأدركتني رقتها فبكيت قال : فما رأيت ساعة أكثر باكيا من تلك الساعة . تابعه محارب بن دثار عن بريدة عن أبيه ، ثم روى البيهقي عن الحاكم عن الأصم عن بحر بن نصر عن عبد الله بن وهب حدثنا ابن جريج عن أيوب بن هانئ عن مسروق بن الأجدع عن عبد الله بن مسعود قال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر في المقابر وخرجنا معه فأمرنا فجلسنا ، ثم تخطى القبور حتى انتهى إلى قبر منها فناجاه طويلا ، ثم ارتفع نحيب رسول الله صلى الله عليه وسلم باكيا فبكينا لبكاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبل علينا فتلقاه عمر بن الخطاب فقال : يا رسول الله ما الذي أبكاك ؟ لقد أبكانا وأفزعنا فجاء فجلس إلينا فقال : أفزعكم بكائي ؟ قلنا : نعم قال : إن القبر الذي رأيتموني أناجي قبر آمنة بنت وهب ، وإني استأذنت ربي في زيارتها فأذن لي ، واستأذنت ربي في الاستغفار لها فلم يأذن لي فيه ، ونزل علي " ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه " فأخذني ما يأخذ الولد للوالدة من الرقة فذلك الذي أبكاني غريب ، ولم يخرجوه .

            وروى مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة عن محمد بن عبيد عن يزيد بن كيسان عن أبي حازم عن أبي هريرة قال زار النبي صلى الله عليه وسلم قبر أمه فبكى وأبكى من حوله ، ثم قال : استأذنت ربي في زيارة قبر أمي فأذن لي ، واستأذنته في الاستغفار لها فلم يأذن لي فزوروا القبور تذكركم الموت

            التالي السابق


            الخدمات العلمية