896 [ ص: 356 ] حديث موفي أربعين ليحيى بن سعيد
يحيى عن عمرة :
مالك ، عن قال : حدثتني يحيى بن سعيد أنها سمعت عمرة بنت عبد الرحمن عائشة أم المومنين تقول : مكة أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من لم يكن معه هدي إذا طاف بالبيت ، وسعى بين الصفا والمروة أن يحل . قالت عائشة : فدخل علينا يوم النحر بلحم بقر ، فقلت : ما هذا ؟ قالوا : نحر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن أزواجه . خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لخمس ليال بقين من ذي القعدة ، ولا نرى إلا أنه الحج ، فلما دنونا من
- الحديث الأول خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لخمس ليال بقين من ذي القعدة
- الحديث الثاني عمرة عن حبيبة أنها كانت تحت ثابت بن قيس بن شماس
- الحديث الثالث ما طال علي وما نسيت القطع في ربع دينار
- الحديث الرابع الولاء لمن أعتق
- الحديث الخامس كان رسول الله ليصلي الصبح فينصرف النساء متلففات بمروطهن ما يعرفن من الغلس
- الحديث السادس عن عائشة أن يهودية جاءت تسألها فقالت أعاذك الله من عذاب القبر ،
- الحديث السابع لو أدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أحدث النساء لمنعهن المسجد
التالي
السابق
قال : فذكرت هذا الحديث يحيى بن سعيد ، فقال : أتتك والله بالحديث على وجهه . للقاسم بن محمد
قال أبو عمر : هذا خلاف رواية عنها ; لأن عروة يقول عنها : خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأهللنا بعمرة ، وهي حجة واحدة ، وخروج واحد . عروة
[ ص: 357 ] وقد تقدم القول في ذلك كله مبسوطا في باب ، عن عروة من هذا الكتاب . ابن شهاب
وأما قولها : فلما دنونا من مكة أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من لم يكن معه هدي إذا طاف بالبيت ، وسعى بين الصفا والمروة أن يحل فهذا فسخ الحج في العمرة .
وقد تواترت به الرواية عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من طرق صحاح من حديث عائشة وغيرها ، ولم يرو عن النبي - صلى الله عليه وسلم - شيء يدفعه ، إلا أن أكثر العلماء يقولون : إن ذلك خصوص لأصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - خاصة ، واعتلوا بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما أمر أصحابه أن يفسخوا الحج في العمرة ليوري الناس أن جائزة ، وذلك أن العمرة في أشهر الحج قريشا كانت تراها في أشهر الحج من أفجر الفجور ، وكانت لا تستجيز ذلك ألبتة ، وكانت تقول : إذا خرج صفر - وكانوا يجعلون المحرم في صفر - وبرأ الدبر ، وعفا الأثر حلت العمرة لمن اعتمر . فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أصحابه من لم يكن منهم معه هدي أن يفسخ حجه في عمرة ليعلم الناس أنه لا بأس بالعمرة في أشهر الحج .
واعتلوا بقول الله - عز وجل - ( وأتموا الحج والعمرة لله ) وهذا يوجب إتمام الحج على كل من دخل فيه إلا من خص بالسنة الثابتة ، وهم أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - على الوجه الذي ذكرنا ، واعتلوا بأن كان يقول : متعتان كانتا على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنا أنهى عنهما ، وأعاقب عليهما : متعة النساء ، ومتعة الحج - يعني فسخ [ ص: 358 ] الحج في العمرة . عمر بن الخطاب
ومعلوم أن عمر لم يكن لينهى عن شيء فعله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو أباحه أو أمر به ، ولا ليعاقب عليه إلا وقد علم أن ذلك إما خصوص ، وإما منسوخ ، هذا ما لا يشك فيه ذو لب .
واعتلوا - أيضا - بما روي في ذلك عن ، أبي ذر وبلال بن الحارث المزني أن ذلك خصوص لأصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - .
وممن ذهب إلى أن فسخ الحج في العمرة لا يجوز لأحد اليوم ، وأنه لم يجز لغير أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مالك ، ، والشافعي ، وأصحابهم ، وأبو حنيفة ، والثوري ، والأوزاعي في جماعة من التابعين والليث بن سعد بالحجاز ، والعراق ، والشام ، ومصر ، وبه قال ، أبو ثور ، وإسحاق بن راهويه وأبو عبيد ، ، وهو قول أكثر أهل العلم ، وكان والطبري ، أحمد بن حنبل وداود بن علي يذهبان إلى أن فسخ الحج في العمرة جائز إلى اليوم ثابت ، وأن كل من شاء أن يفسخ حجه في عمرة إذا كان ممن لم يسق هديا كان ذلك له اتباعا للآثار التي رويت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في ذلك .
وقال : في فسخ الحج أحاديث ثابتة لا تترك لمثل حديث أحمد بن حنبل ، وحديث أبي ذر بلال بن الحارث - وضعفهما ، وقال : من المرقع بن صيفي الذي يرويه عن أبي ذر ؟ قال : وروي الفسخ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من حديث جابر ، وعائشة ، ، وأسماء ابنة أبي بكر ، وابن عباس ، وأبي موسى الأشعري ، وأنس بن مالك ، [ ص: 359 ] وسهل بن حنيف ، وأبي سعيد الخدري والبراء بن عازب ، ، وابن عمر وسبرة الجهني ; قال أحمد : من أهل الحج مفردا أو قرن الحج مع العمرة ، فإن شاء أن يجعلها عمرة ( فعل ) ويفسخ إحرامه في عمرة - إن شاء فعل ، وإن شاء لم يفعل .
واحتج - أيضا - أحمد ، ومن ذهب مذهبه بقوله - صلى الله عليه وسلم - : لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي ، ولجعلتها عمرة ويقول سراقة بن جعشم : يا رسول الله علمنا تعليم قوم أسلموا اليوم ، أعمرتنا هذه لعامنا هذا أم لأبد ؟ فقال : بل لأبد ، بل لأبد .
قال أبو عمر : ليس في هذا حجة ; لأن قوله - صلى الله عليه وسلم - : لو استقبلت من أمري ما استدبرت لجعلتها عمرة إنما معناه لأهللت بعمرة ، وجعلت إحرامي بعمرة أتمتع بها ، وإنما في هذا حجة لمن فضل التمتع ، وأما من أجاز فسخ الحج في العمرة ، فما له في هذا حجة لاحتمال ما ذكرنا ، وهو الأظهر فيه .
وأما قوله لسراقة : بل للأبد - فإنما معناه : أن حجته تلك ، وعمرته ليس عليه ولا على من حج معه غيرها للأبد ، ولا على أمته غير حجة واحدة أو عمرة واحدة في مذهب من أوجبها في دهره للأبد ، لا فريضة في الحج غيرها ; هذا معنى قوله لسراقة - والله أعلم - .
[ ص: 360 ] وذكر قال أخبرنا عبد الرزاق ، ابن جريج ومعمر ، عن ، عن أبيه قال : قدموا بالحج خالصا لا يخالطه شيء ، وكانوا يرون العمرة في أشهر الحج أفجر الفجور ، وكانوا يقولون : إذا برأ الدبر ، وعفا الأثر ، وانسلخ صفر حلت العمرة لمن اعتمر . وكانوا يدعون المحرم صفرا ، فلما حج النبي - صلى الله عليه وسلم - خطبهم ، فقال : ابن طاوس من كان أهل بالحج فليطف بالبيت ، وبين الصفا والمروة ، ثم ليحلق أو ليقصر ، ثم ليحل إلا من كان معه هدي . قال : فبلغه أنهم يقولون : يأمرنا أن نحل ، فقال : لو شعرت ما أهديت ، نزل الأمر عليه من السماء بعدما طاف بين الصفا والمروة ، فكلمهم بذلك . فقال سراقة : يا رسول الله ، علمنا تعليم قوم أسلموا اليوم ، عمرتنا هذه لعامنا هذا أم لأبد ؟ فقال : بل لأبد ، بل لأبد .
قال أبو عمر : يحتمل أن يكون قوله هذا نحو حديث ، عن الزهري أبي سنان ، عن : ابن عباس الأقرع بن حابس سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا رسول الله الحج في كل عام أو مرة واحدة ؟ قال : بل مرة واحدة ، ومن زاد فهو متطوع . أن
وروى ، أبو هريرة ، وأبو واقد الليثي . عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال لأزواجه في حجة الوداع : هذه ثم ظهور الحصر
حدثنا أحمد بن قاسم حدثنا عبيد الله بن محمد بن حبابة ببغداد حدثنا البغوي حدثنا جدي حدثنا أخبرنا يزيد بن هارون ابن أبي [ ص: 361 ] ذئب ، عن صالح مولى التوءمة ، عن أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبي هريرة . قال لنسائه في حجة الوداع : هذه ثم ظهور الحصر
ورواه ، عن صالح بن كيسان صالح مولى التوءمة مثله ; قال : سألت بشر بن عمر ، عن مالك بن أنس صالح مولى التوءمة ، فقال : ليس بثقة .
وذكر عباس ، عن قال : هو ثقة ، ولكنه خرف ، فمن سمع منه قبل أن يختلط ، فهو ثبت . وهو ابن معين صالح بن نبهان مولى التوءمة بنت أمية بن خلف الجمحي .
وذكر لأبيه قول عبد الله بن أحمد بن حنبل مالك في صالح مولى التوءمة ، فقال : أدركه مالك ، وقد اختلط ، ومن سمع منه قديما فلا بأس ، وقد روى عنه أكابر أهل المدينة ، وقال : روى عنه أبو حاتم الرازي ، أبو الزناد ، وزياد بن سعد ، وعمارة بن غزية ، والثوري ، وابن أبي ذئب . وابن جريج
أخبرنا عبد الله حدثنا محمد حدثنا أبو داود حدثنا النفيلي حدثنا ، عن عبد العزيز بن محمد ، عن زيد بن أسلم ابن لأبي واقد الليثي ، عن أبيه قال : . سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول لأزواجه في حجة الوداع : هذه ثم ظهور الحصر
[ ص: 362 ] وروى ، عن شعبة عبد الملك ، عن ، عن طاوس سراقة بن جعشم أنه قال : . يا رسول الله أرأيت عمرتنا هذه لعامنا أم للأبد ؟ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لأبد
وذكر ، عن النسائي هناد ، عن عبدة ، عن ، عن ابن أبي عروبة ، عن مالك بن دينار عطاء ، عن سراقة قال : . تمتعنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلنا : ألنا خاصة أم للأبد ؟ فقال : بل للأبد
وهذا يحتمل أن يكون التمتع المعروف لا فسخ الحج .
وأما حديث بلال بن الحارث المزني ، فحدثنا قال : حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال : حدثنا قاسم بن أصبغ أحمد بن زهير قال : حدثنا ، وأخبرنا يحيى بن عبد الحميد قال : حدثنا سعيد بن نصر قاسم قال : حدثنا قال : حدثنا محمد بن إسماعيل قالا : حدثنا الحميدي ، عن عبد العزيز بن محمد الدراوردي ، ربيعة بن أبي عبد الرحمن الحارث بن بلال المزني ، عن أبيه قال : قلت : يا رسول الله فسخ الحج لنا خاصة أم للناس عامة ؟ ، فقال : بل لنا خاصة . عن
وحدثنا قال : حدثنا سعيد بن نصر قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا محمد بن إسماعيل قال : حدثنا الحميدي سفيان ، عن ، عن يحيى بن سعيد المرقع ، عن أنه قال : أبي ذر إنما كان فسخ الحج من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لنا خاصة .
[ ص: 363 ] حدثنا عبد الله بن محمد قال : حدثنا محمد بن بكر قال : حدثنا أبو داود قال : حدثنا النفيلي قال : حدثنا قال : أخبرني عبد العزيز يعني ابن محمد عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن ، الحارث بن بلال بن الحارث ، عن أبيه قال : قلت : . يا رسول الله فسخ الحج لنا خاصة أم لمن بعدنا ؟ قال : لكم خاصة
وحدثنا عبد الله بن محمد قال : حدثنا محمد بن بكر قال : حدثنا أبو داود حدثنا قال : حدثنا هناد بن السري ، عن محمد بن إسحاق أن عبد الرحمن بن الأسود أبا ذر كان يقول فيمن حج ثم فسخها عمرة : لم يكن ذلك إلا للركب الذين كانوا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
وأخبرنا قال : حدثنا محمد بن إبراهيم محمد بن معاوية قال : حدثنا قال أخبرنا أحمد بن شعيب إسحاق بن إبراهيم ، قال : أخبرنا عبد العزيز ، ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن الحارث بن بلال ، عن أبيه قال : قلت : يا رسول الله أفسخ الحج لنا خاصة أم للناس عامة ؟ قال : بل لنا خاصة . عن
وأخبرنا قال أخبرنا محمد بن إبراهيم محمد بن معاوية قال أخبرنا قال أخبرنا أحمد بن شعيب عمرو بن يزيد ، عن عبد الرحمن [ ص: 364 ] حدثنا سفيان ، عن ، الأعمش وعياش الغامري ، عن ، عن أبيه ، عن إبراهيم التيمي في متعة الحج قال : كانت لنا رخصة . أبي ذر
وأخبرنا قال : أخبرنا محمد بن إبراهيم محمد بن معاوية قال : أخبرنا قال : أخبرنا أحمد بن شعيب بشر بن خالد قال : أخبرنا ، عن غندر ، عن شعبة سليمان ، عن ، عن أبيه ، عن إبراهيم التيمي قال : كانت المتعة رخصة لنا . أبي ذر
وأخبرنا قال : أخبرنا محمد بن إبراهيم محمد بن معاوية قال : حدثنا قال : أخبرنا أحمد بن شعيب عبد الأعلى بن واصل قال : حدثنا أبو أسامة عن قال : حدثنا وهيب بن خالد ، عن أبيه ، عن عبد الله بن طاوس قال : كانوا يرون أن ابن عباس العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور في الأرض ، ويجعلون المحرم صفرا ، ويقولون : إذا برأ الدبر ، وعفا الوبر ، وانسلخ صفر أو قال : دخل صفر حلت العمرة لمن اعتمر . فقدم النبي - صلى الله عليه وسلم - صبيحة رابعة مهلين بالحج ، فأمرهم أن يجعلوها عمرة ، فتعاظم ذلك عندهم ، فقالوا : يا رسول الله أي الحل ؟ قال : الحل كله .
حدثنا قال : حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال : حدثنا قاسم بن أصبغ أبو عبيدة بن أحمد قال : حدثنا أبو خالد يزيد بن سنان [ ص: 365 ] البصري حدثنا حدثنا مكي بن إبراهيم ، عن مالك بن أنس نافع ، عن قال : قال ابن عمر عمر : متعتان كانتا على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنا أنهى عنهما ، وأعاقب عليهما : متعة النساء ، ومتعة الحج .
وحدثنا قال : حدثنا سعيد بن نصر قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا إسماعيل بن إسحاق قال : حدثنا سليمان بن حرب ، عن حماد بن زيد أيوب ، عن أبي قلابة قال : قال عمر ، فذكر مثله .
قال أبو عمر :
فسخ الحج في العمرة هي المتعة التي كان عمر ينهى عنها في الحج ، ويعاقب عليها لا التمتع الذي أذن الله ورسوله فيه .
وقال بعض أصحابنا : في أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أصحابه أن يفسخوا حجهم في عمرة ، أوضح دليل على أنه لا يجوز إدخال العمرة على الحج ; لأنه لو جاز ذلك لم يؤمروا بفسخ الحج في العمرة ; إذ الغرض كان في ذلك أن يريهم - صلى الله عليه وسلم - جواز العمرة في أشهر الحج لما كانوا عليه من أن ذلك لا يحل ، ولا يجوز على ما كانوا عليه في جاهليتهم ، فأراهم - صلى الله عليه وسلم - فسخ ذلك وإبطاله بعمل العمرة في أشهر الحج ، ولو جاز إدخالها على الحج ما احتاج - والله أعلم - إلى الخروج عما دخل فيه ، واستئنافه بعد المعنى المذكور ، والله الموفق للصواب .
[ ص: 366 ] وفي قوله : نحر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن أزواجه البقر دليل على أن نحر البقر جائز ، وعلى جواز ذلك أهل العلم ، إلا أنهم يستحبون الذبح في البقر لقول الله - عز وجل - في البقرة ( فذبحوها ) ، ولم يقل فنحروها ، فذبح البقرة ونحرها جائز بالقرآن والسنة ، والحمد لله .
وقال ، عن الشافعي مالك في هذا الحديث : نحر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن أزواجه بقرة ، ومنهم من يرويه بقرا ، وقد ذكرنا هذا المعنى في باب مرسل من هذا الكتاب ، وذكرنا حكم الاشتراك في الهدي هناك ، وفي باب ابن شهاب أبي الزبير ، فلا وجه لإعادة ذلك هاهنا .
قال أبو عمر : هذا خلاف رواية عنها ; لأن عروة يقول عنها : خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأهللنا بعمرة ، وهي حجة واحدة ، وخروج واحد . عروة
[ ص: 357 ] وقد تقدم القول في ذلك كله مبسوطا في باب ، عن عروة من هذا الكتاب . ابن شهاب
وأما قولها : فلما دنونا من مكة أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من لم يكن معه هدي إذا طاف بالبيت ، وسعى بين الصفا والمروة أن يحل فهذا فسخ الحج في العمرة .
وقد تواترت به الرواية عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من طرق صحاح من حديث عائشة وغيرها ، ولم يرو عن النبي - صلى الله عليه وسلم - شيء يدفعه ، إلا أن أكثر العلماء يقولون : إن ذلك خصوص لأصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - خاصة ، واعتلوا بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما أمر أصحابه أن يفسخوا الحج في العمرة ليوري الناس أن جائزة ، وذلك أن العمرة في أشهر الحج قريشا كانت تراها في أشهر الحج من أفجر الفجور ، وكانت لا تستجيز ذلك ألبتة ، وكانت تقول : إذا خرج صفر - وكانوا يجعلون المحرم في صفر - وبرأ الدبر ، وعفا الأثر حلت العمرة لمن اعتمر . فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أصحابه من لم يكن منهم معه هدي أن يفسخ حجه في عمرة ليعلم الناس أنه لا بأس بالعمرة في أشهر الحج .
واعتلوا بقول الله - عز وجل - ( وأتموا الحج والعمرة لله ) وهذا يوجب إتمام الحج على كل من دخل فيه إلا من خص بالسنة الثابتة ، وهم أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - على الوجه الذي ذكرنا ، واعتلوا بأن كان يقول : متعتان كانتا على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنا أنهى عنهما ، وأعاقب عليهما : متعة النساء ، ومتعة الحج - يعني فسخ [ ص: 358 ] الحج في العمرة . عمر بن الخطاب
ومعلوم أن عمر لم يكن لينهى عن شيء فعله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو أباحه أو أمر به ، ولا ليعاقب عليه إلا وقد علم أن ذلك إما خصوص ، وإما منسوخ ، هذا ما لا يشك فيه ذو لب .
واعتلوا - أيضا - بما روي في ذلك عن ، أبي ذر وبلال بن الحارث المزني أن ذلك خصوص لأصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - .
وممن ذهب إلى أن فسخ الحج في العمرة لا يجوز لأحد اليوم ، وأنه لم يجز لغير أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مالك ، ، والشافعي ، وأصحابهم ، وأبو حنيفة ، والثوري ، والأوزاعي في جماعة من التابعين والليث بن سعد بالحجاز ، والعراق ، والشام ، ومصر ، وبه قال ، أبو ثور ، وإسحاق بن راهويه وأبو عبيد ، ، وهو قول أكثر أهل العلم ، وكان والطبري ، أحمد بن حنبل وداود بن علي يذهبان إلى أن فسخ الحج في العمرة جائز إلى اليوم ثابت ، وأن كل من شاء أن يفسخ حجه في عمرة إذا كان ممن لم يسق هديا كان ذلك له اتباعا للآثار التي رويت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في ذلك .
وقال : في فسخ الحج أحاديث ثابتة لا تترك لمثل حديث أحمد بن حنبل ، وحديث أبي ذر بلال بن الحارث - وضعفهما ، وقال : من المرقع بن صيفي الذي يرويه عن أبي ذر ؟ قال : وروي الفسخ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من حديث جابر ، وعائشة ، ، وأسماء ابنة أبي بكر ، وابن عباس ، وأبي موسى الأشعري ، وأنس بن مالك ، [ ص: 359 ] وسهل بن حنيف ، وأبي سعيد الخدري والبراء بن عازب ، ، وابن عمر وسبرة الجهني ; قال أحمد : من أهل الحج مفردا أو قرن الحج مع العمرة ، فإن شاء أن يجعلها عمرة ( فعل ) ويفسخ إحرامه في عمرة - إن شاء فعل ، وإن شاء لم يفعل .
واحتج - أيضا - أحمد ، ومن ذهب مذهبه بقوله - صلى الله عليه وسلم - : لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي ، ولجعلتها عمرة ويقول سراقة بن جعشم : يا رسول الله علمنا تعليم قوم أسلموا اليوم ، أعمرتنا هذه لعامنا هذا أم لأبد ؟ فقال : بل لأبد ، بل لأبد .
قال أبو عمر : ليس في هذا حجة ; لأن قوله - صلى الله عليه وسلم - : لو استقبلت من أمري ما استدبرت لجعلتها عمرة إنما معناه لأهللت بعمرة ، وجعلت إحرامي بعمرة أتمتع بها ، وإنما في هذا حجة لمن فضل التمتع ، وأما من أجاز فسخ الحج في العمرة ، فما له في هذا حجة لاحتمال ما ذكرنا ، وهو الأظهر فيه .
وأما قوله لسراقة : بل للأبد - فإنما معناه : أن حجته تلك ، وعمرته ليس عليه ولا على من حج معه غيرها للأبد ، ولا على أمته غير حجة واحدة أو عمرة واحدة في مذهب من أوجبها في دهره للأبد ، لا فريضة في الحج غيرها ; هذا معنى قوله لسراقة - والله أعلم - .
[ ص: 360 ] وذكر قال أخبرنا عبد الرزاق ، ابن جريج ومعمر ، عن ، عن أبيه قال : قدموا بالحج خالصا لا يخالطه شيء ، وكانوا يرون العمرة في أشهر الحج أفجر الفجور ، وكانوا يقولون : إذا برأ الدبر ، وعفا الأثر ، وانسلخ صفر حلت العمرة لمن اعتمر . وكانوا يدعون المحرم صفرا ، فلما حج النبي - صلى الله عليه وسلم - خطبهم ، فقال : ابن طاوس من كان أهل بالحج فليطف بالبيت ، وبين الصفا والمروة ، ثم ليحلق أو ليقصر ، ثم ليحل إلا من كان معه هدي . قال : فبلغه أنهم يقولون : يأمرنا أن نحل ، فقال : لو شعرت ما أهديت ، نزل الأمر عليه من السماء بعدما طاف بين الصفا والمروة ، فكلمهم بذلك . فقال سراقة : يا رسول الله ، علمنا تعليم قوم أسلموا اليوم ، عمرتنا هذه لعامنا هذا أم لأبد ؟ فقال : بل لأبد ، بل لأبد .
قال أبو عمر : يحتمل أن يكون قوله هذا نحو حديث ، عن الزهري أبي سنان ، عن : ابن عباس الأقرع بن حابس سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا رسول الله الحج في كل عام أو مرة واحدة ؟ قال : بل مرة واحدة ، ومن زاد فهو متطوع . أن
وروى ، أبو هريرة ، وأبو واقد الليثي . عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال لأزواجه في حجة الوداع : هذه ثم ظهور الحصر
حدثنا أحمد بن قاسم حدثنا عبيد الله بن محمد بن حبابة ببغداد حدثنا البغوي حدثنا جدي حدثنا أخبرنا يزيد بن هارون ابن أبي [ ص: 361 ] ذئب ، عن صالح مولى التوءمة ، عن أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبي هريرة . قال لنسائه في حجة الوداع : هذه ثم ظهور الحصر
ورواه ، عن صالح بن كيسان صالح مولى التوءمة مثله ; قال : سألت بشر بن عمر ، عن مالك بن أنس صالح مولى التوءمة ، فقال : ليس بثقة .
وذكر عباس ، عن قال : هو ثقة ، ولكنه خرف ، فمن سمع منه قبل أن يختلط ، فهو ثبت . وهو ابن معين صالح بن نبهان مولى التوءمة بنت أمية بن خلف الجمحي .
وذكر لأبيه قول عبد الله بن أحمد بن حنبل مالك في صالح مولى التوءمة ، فقال : أدركه مالك ، وقد اختلط ، ومن سمع منه قديما فلا بأس ، وقد روى عنه أكابر أهل المدينة ، وقال : روى عنه أبو حاتم الرازي ، أبو الزناد ، وزياد بن سعد ، وعمارة بن غزية ، والثوري ، وابن أبي ذئب . وابن جريج
أخبرنا عبد الله حدثنا محمد حدثنا أبو داود حدثنا النفيلي حدثنا ، عن عبد العزيز بن محمد ، عن زيد بن أسلم ابن لأبي واقد الليثي ، عن أبيه قال : . سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول لأزواجه في حجة الوداع : هذه ثم ظهور الحصر
[ ص: 362 ] وروى ، عن شعبة عبد الملك ، عن ، عن طاوس سراقة بن جعشم أنه قال : . يا رسول الله أرأيت عمرتنا هذه لعامنا أم للأبد ؟ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لأبد
وذكر ، عن النسائي هناد ، عن عبدة ، عن ، عن ابن أبي عروبة ، عن مالك بن دينار عطاء ، عن سراقة قال : . تمتعنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلنا : ألنا خاصة أم للأبد ؟ فقال : بل للأبد
وهذا يحتمل أن يكون التمتع المعروف لا فسخ الحج .
وأما حديث بلال بن الحارث المزني ، فحدثنا قال : حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال : حدثنا قاسم بن أصبغ أحمد بن زهير قال : حدثنا ، وأخبرنا يحيى بن عبد الحميد قال : حدثنا سعيد بن نصر قاسم قال : حدثنا قال : حدثنا محمد بن إسماعيل قالا : حدثنا الحميدي ، عن عبد العزيز بن محمد الدراوردي ، ربيعة بن أبي عبد الرحمن الحارث بن بلال المزني ، عن أبيه قال : قلت : يا رسول الله فسخ الحج لنا خاصة أم للناس عامة ؟ ، فقال : بل لنا خاصة . عن
وحدثنا قال : حدثنا سعيد بن نصر قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا محمد بن إسماعيل قال : حدثنا الحميدي سفيان ، عن ، عن يحيى بن سعيد المرقع ، عن أنه قال : أبي ذر إنما كان فسخ الحج من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لنا خاصة .
[ ص: 363 ] حدثنا عبد الله بن محمد قال : حدثنا محمد بن بكر قال : حدثنا أبو داود قال : حدثنا النفيلي قال : حدثنا قال : أخبرني عبد العزيز يعني ابن محمد عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن ، الحارث بن بلال بن الحارث ، عن أبيه قال : قلت : . يا رسول الله فسخ الحج لنا خاصة أم لمن بعدنا ؟ قال : لكم خاصة
وحدثنا عبد الله بن محمد قال : حدثنا محمد بن بكر قال : حدثنا أبو داود حدثنا قال : حدثنا هناد بن السري ، عن محمد بن إسحاق أن عبد الرحمن بن الأسود أبا ذر كان يقول فيمن حج ثم فسخها عمرة : لم يكن ذلك إلا للركب الذين كانوا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
وأخبرنا قال : حدثنا محمد بن إبراهيم محمد بن معاوية قال : حدثنا قال أخبرنا أحمد بن شعيب إسحاق بن إبراهيم ، قال : أخبرنا عبد العزيز ، ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن الحارث بن بلال ، عن أبيه قال : قلت : يا رسول الله أفسخ الحج لنا خاصة أم للناس عامة ؟ قال : بل لنا خاصة . عن
وأخبرنا قال أخبرنا محمد بن إبراهيم محمد بن معاوية قال أخبرنا قال أخبرنا أحمد بن شعيب عمرو بن يزيد ، عن عبد الرحمن [ ص: 364 ] حدثنا سفيان ، عن ، الأعمش وعياش الغامري ، عن ، عن أبيه ، عن إبراهيم التيمي في متعة الحج قال : كانت لنا رخصة . أبي ذر
وأخبرنا قال : أخبرنا محمد بن إبراهيم محمد بن معاوية قال : أخبرنا قال : أخبرنا أحمد بن شعيب بشر بن خالد قال : أخبرنا ، عن غندر ، عن شعبة سليمان ، عن ، عن أبيه ، عن إبراهيم التيمي قال : كانت المتعة رخصة لنا . أبي ذر
وأخبرنا قال : أخبرنا محمد بن إبراهيم محمد بن معاوية قال : حدثنا قال : أخبرنا أحمد بن شعيب عبد الأعلى بن واصل قال : حدثنا أبو أسامة عن قال : حدثنا وهيب بن خالد ، عن أبيه ، عن عبد الله بن طاوس قال : كانوا يرون أن ابن عباس العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور في الأرض ، ويجعلون المحرم صفرا ، ويقولون : إذا برأ الدبر ، وعفا الوبر ، وانسلخ صفر أو قال : دخل صفر حلت العمرة لمن اعتمر . فقدم النبي - صلى الله عليه وسلم - صبيحة رابعة مهلين بالحج ، فأمرهم أن يجعلوها عمرة ، فتعاظم ذلك عندهم ، فقالوا : يا رسول الله أي الحل ؟ قال : الحل كله .
حدثنا قال : حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال : حدثنا قاسم بن أصبغ أبو عبيدة بن أحمد قال : حدثنا أبو خالد يزيد بن سنان [ ص: 365 ] البصري حدثنا حدثنا مكي بن إبراهيم ، عن مالك بن أنس نافع ، عن قال : قال ابن عمر عمر : متعتان كانتا على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنا أنهى عنهما ، وأعاقب عليهما : متعة النساء ، ومتعة الحج .
وحدثنا قال : حدثنا سعيد بن نصر قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا إسماعيل بن إسحاق قال : حدثنا سليمان بن حرب ، عن حماد بن زيد أيوب ، عن أبي قلابة قال : قال عمر ، فذكر مثله .
قال أبو عمر :
فسخ الحج في العمرة هي المتعة التي كان عمر ينهى عنها في الحج ، ويعاقب عليها لا التمتع الذي أذن الله ورسوله فيه .
وقال بعض أصحابنا : في أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أصحابه أن يفسخوا حجهم في عمرة ، أوضح دليل على أنه لا يجوز إدخال العمرة على الحج ; لأنه لو جاز ذلك لم يؤمروا بفسخ الحج في العمرة ; إذ الغرض كان في ذلك أن يريهم - صلى الله عليه وسلم - جواز العمرة في أشهر الحج لما كانوا عليه من أن ذلك لا يحل ، ولا يجوز على ما كانوا عليه في جاهليتهم ، فأراهم - صلى الله عليه وسلم - فسخ ذلك وإبطاله بعمل العمرة في أشهر الحج ، ولو جاز إدخالها على الحج ما احتاج - والله أعلم - إلى الخروج عما دخل فيه ، واستئنافه بعد المعنى المذكور ، والله الموفق للصواب .
[ ص: 366 ] وفي قوله : نحر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن أزواجه البقر دليل على أن نحر البقر جائز ، وعلى جواز ذلك أهل العلم ، إلا أنهم يستحبون الذبح في البقر لقول الله - عز وجل - في البقرة ( فذبحوها ) ، ولم يقل فنحروها ، فذبح البقرة ونحرها جائز بالقرآن والسنة ، والحمد لله .
وقال ، عن الشافعي مالك في هذا الحديث : نحر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن أزواجه بقرة ، ومنهم من يرويه بقرا ، وقد ذكرنا هذا المعنى في باب مرسل من هذا الكتاب ، وذكرنا حكم الاشتراك في الهدي هناك ، وفي باب ابن شهاب أبي الزبير ، فلا وجه لإعادة ذلك هاهنا .