الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                            صفحة جزء
                                                            وعنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم ما للمملوك أن يتوفى يحسن عبادة الله وصحابة سيده نعم ما له قال البخاري وينصح لسيده وعن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن العبد إذا نصح لسيده، وأحسن عبادة الله فله أجره مرتين .

                                                            التالي السابق


                                                            (الحديث الرابع)

                                                            وعنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم ما للمملوك أن يتوفى يحسن عبادة الله وصحابة سيده نعم ما له .

                                                            (الحديث الخامس)

                                                            وعن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن العبد إذا نصح لسيده [ ص: 225 ] وأحسن عبادة الله فله أجره مرتين .

                                                            (فيه) فوائد:

                                                            (الأولى) حديث أبي هريرة أخرجه مسلم من هذا الوجه عن محمد بن رافع عن عبد الرزاق ورواه البخاري من رواية الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة بلفظ نعم ما لأحدهم يحسن عبادة ربه وينصح لسيده ورواه مسلم من هذا الوجه بلفظ إذا أدى العبد حق الله وحق مواليه كان له أجران قال فحدثتها كعبا فقال كعب ليس عليه حساب ولا على مؤمن مزهد .

                                                            وروى الشيخان من طريق الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة مرفوعا للعبد المملوك الصالح أجران قال أبو هريرة : (والذي نفسي بيده لولا الجهاد في سبيل الله والحج وبر أمي لأحببت أن أموت، وأنا مملوك) .

                                                            لفظ البخاري ولفظ مسلم المصلح .

                                                            وحديث ابن عمر أخرجه الشيخان ، وأبو داود من هذا الوجه من طريق مالك ، وأخرجه الشيخان أيضا من طريق عبيد الله بن عمر ؛ ومسلم من طريق أسامة بن زيد ثلاثتهم عن نافع .

                                                            (الثانية) قوله نعما فيه ثلاث لغات قرئ بهن في السبع إحداها كسر النون مع إسكان العين والثانية كسرهما والثالثة فتح النون مع كسر العين والميم مشددة في جميع ذلك أي نعم شيء هو ومعناه نعم ما هو فأدغمت الميم في الميم. قال القاضي عياض : ورواه العذري نعما بضم النون منونا وهو صحيح أي له مسرة وقرة عين يقال نعما له ونعمة له.

                                                            وقوله يتوفى بضم أوله على البناء للمفعول أي يتوفاه الله والوفاة الموت وفيه أن الأعمال بالخواتيم.

                                                            وقوله يحسن عبادة الله هو بضم أول يحسن وعبادة منصوب به والصحابة هنا بمعنى الصحبة.

                                                            (الثالثة) فيه فضيلة ظاهرة للمملوك المصلح وهو القائم بعبادة ربه والناصح لسيده القائم له بما يجب له عليه من الخدمة ونحوها وإن له أجرين لقيامه بالحقين ولانكساره بالرق قال بعضهم: وليس الأجران متساويين ؛ لأن طاعة الله أوجب من طاعة المخلوقين قلت طاعة المخلوق المأمور بها هي من طاعة الله، وذلك كطاعة أولي الأمر وطاعة الزوج والمالك والوالد..

                                                            وقال ابن عبد البر : فيه أن العبد المؤدي لحق الله وحق سيده أفضل من الحر ويعضد هذا ما روي عن المسيح عليه السلام أنه قال مر الدينا حلو الآخرة وحلو الدنيا مر الآخرة [ ص: 226 ] وللعبودية مضاضة ومرارة لا تضيع عند الله.

                                                            (الرابعة) إن قلت: قوله فله أجره مرتين يفهم أنه يؤجر على العمل الواحد مرتين مع أنه لا يؤجر على كل عمل إلا مرة واحدة ؛ لأنه يأتي بعملين مختلفين عبادة الله والنصح لسيده فيؤجر على كل من العملين مرة وكذا كل آت بطاعتين يؤجر على كل واحدة أجرها ولا خصوصية للعبد بذلك.

                                                            (قلت) يحتمل (وجهين):

                                                            (أحدهما) أنه لما كان جنس العمل مختلفا ؛ لأن أحدهما طاعة الله والآخر طاعة مخلوق خصه بحصول أجره مرتين ؛ لأنه يحصل له الثواب على عمل لا يأتي في حق غيره بخلاف من لا يأتي في حقه إلا طاعة خاصة فإنه يحصل أجره مرة واحدة أي على كل عمل أجر، وأعماله من جنس واحد لكن تظهر مشاركة المطيع لأميره والمرأة لزوجها والولد لوالده له في ذلك.

                                                            (ثانيهما) يمكن أن يكون في العمل الواحد طاعة الله وطاعة سيده فيحصل له على العمل الواحد الأجر مرتين لامتثاله بذلك أمر الله، وأمر سيده المأمور بطاعته والله أعلم.

                                                            وقال ابن عبد البر معنى هذا الحديث عندي والله أعلم أن العبد لما اجتمع عليه أمران واجبان طاعة سيده في المعروف وطاعة ربه فقام بهما جميعا كان له ضعفا أجر الحر المطيع لربه مثل طاعته ؛ لأنه قد أطاع الله فيما أمره به من طاعة سيده ونصحه، وأطاعه أيضا فيما افترض عليه ومن هذا المعنى عندي أنه من اجتمع عليه فرضان فأداهما كان أفضل ممن ليس عليه إلا فرض واحد فأداه فمن وجبت عليه زكاة وصلاة فقام بهما فله أجران، ومن لم تجب عليه زكاة، وأدى صلاته فله أجر واحد، وعلى حسب هذا يقضى فيمن اجتمعت عليه فروض فلم يؤد شيئا منها وعصيانه أكثر من عصيان من لم تجب عليه إلا بعض تلك الفروض، وقد سئل عبد الله بن عباس رضي الله عنهما عن رجل كثير الحسنات كثير السيئات أهو أحب إليك أم رجل قليل الحسنات قليل السيئات فقال. ما أعدل بالسلامة شيئا .




                                                            الخدمات العلمية